لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى!

الرئيسية » حصاد الفكر » لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى!
charity29

قد يكون إنفاق المال على سبيل الوجوب أو صدقة التطوع، من أثقل الأعمال على النفوس، ذلك أن المال عزيز والنفوس جبلت على الشح، فهي بطبعها لا ترغب في بذل ما عليها من الحق، وتنقبض إذا ما طلب منها الإنفاق، كما قال تعالى {وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُّحّ} لكن الدوافع الإيمانية تحمل الإنسان على مغالبة تلك الجبلة، وتدفعه للتخلص من ثقلها.

كم تطيب نفوس المحتاجين حينما يجدون من أغنياء المسلمين من يتفقد أحوالهم، ويهرع إلى تقديم يد العون والمساعدة لهم بالدعم المادي على مختلف أشكاله، فتقع صدقته موقعا عظيما من نفسه، لأنها تأتيه وقد اشتدت حاجته، وتكاثرت همومه وكرباته، وضاقت عليه نفسه، وعجز عن تأمين متطلبات يومه الضرورية، فكم تكون فرحته بتلك المساعدة حينما تأتيه وهو في أمس الحاجة إليها.

عظيم ذلك الشعور الذي يحمل الأغنياء على بذل أموالهم لمن يحتاجه من إخوانهم المسلمين، لكن من غير أن يوقعهم ذلك فيما يبطل عملهم الكريم الجليل، كالمنَّ به على من يطلبه أو يسأل عنه أو إيذائه بكلمة أو موقف أو سلوك جارح، فعبادة الإنفاق حتى تقع موقعا عظيما عند الله، وينال المنفق أجره الذي وعده الله به، عليه أن يحيط تلك العبادة بآدابها الكريمة وأخلاقياتها الرافعة.

ما حاجة المنفق الذي جادت نفسه بإنفاق عزيز ماله إلى تصوير نفسه وهو يوزع ماله على النساء المحتاجات؟ وما مقصده وغايته من ذلك؟ هل يريد بذلك أن يعرف ويذكر في الناس؟ وهل يحرص على أن يقال عنه منفق وكريم وجواد؟ ألا يعلم أن من مبطلات الأعمال تلك النية الفاسدة؟ وهل غاب عنه أن من أول الثلاثة الذين تسعر بهم النار ذلك الكريم الذي أنفق ماله، لكنه أنفق ليقال عنه كريم وقد قيل في الدنيا، ثم يؤمر به فيحسب على وجهه إلى النار يوم القيامة؟.

لماذا الإصرار على تلك الآلية المزعجة والمؤذية للمحتاجين؟ هل انعدمت طرق ووسائل توزيع أموال الزكاة والصدقات إلا بإحضار المحتاجين إلى مكان لا يتسع لعشرهم حينما يطلب أحد المحسنين من جمعية خيرية إبلاغهم بالحضور ليشهد توزيع أمواله عليهم؟ لماذا لا تحفظوا لأولئك المحتاجين كرامة وجوههم، فبدل أن يحضروا من الساعات المبكرة طلبا للمساعدة ثم يجلسوا الساعات الطويلة في الانتظار، بسبب تأخر حضور المحسن، ابحثوا عن وسيلة تحفظ لهم كرامتهم، ولا تؤذيهم وتذلهم تحت سيف الحاجة والفاقة.

ألا يمكن أن تقوم تلك الجمعيات التي تعرف مكان إقامة العائلات المحتاجة المسجلة لديها، بتكلف بعض موظفيها، وليرافقهم من أراد ذلك من المحسنين، بتوزيع المساعدات المالية والعينية على مستحقيها في أماكن سكناهم، دون الحاجة إلى حضورهم إلى مقر تلك الجمعيات، إذ ما الداعي لحضورهم أصلا وجمعهم في مكان ضيق، وحملهم على التدافع في مشهد مزعج وغير مريح؟، وهل يصعب على تلك الجمعيات تحويل المساعدات المالية عبر حسابات بنكية، تقوم هي بفتحها لهم حتى تغنيهم عن مشقة الحضور إلى مقارها، وعناء الانتظار؟.

ثم ليتذكر كل من يعمل في قطاع توزيع أموال الزكاة والصدقات أنهم ينتفعون قبل المحتاجين، فهم يأخذون رواتبهم ومكافآتهم جراء ذلك العمل، ولو انعدمت سبله، لوجدوا أنفسهم على قارعة الطريق، وربما بات حال الواحد منهم كحال من يعطونه تلك الأموال، فليرفقوا بهم وليرحموا ضعفهم، وليجبروا كسرهم، وليخففوا مصابهم، ولا يؤذوهم بكلمات جارحة، وعبارات منفرة، وليجتهدوا في ايصال تلك الأموال إليهم بأكرم السبل وأيسرها.

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • السبيل الأردنية
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

قراءة سياسية في عبادة الصيام

عندما نضع الصيام في سياق العبادة في الإسلام نجد أن العبادة وسيلة تحقق غايات عليا …