مسيرات العودة.. جهاد دفع واجب!

الرئيسية » تحقيقات وحوارات خاصة » مسيرات العودة.. جهاد دفع واجب!
palestine55

شكلت مسيرة العودة الكبرى -والتي لجأ إليه أبناء شعبنا الفلسطيني في وقتنا الحالي، وقدم خلالها العشرات من الشهداء والجرحى- حدثاً مهماً، ووسيلةً قديمة جديدة، وأداة يوظفها للانتفاض في وجه العدو الصهيوني.

وقد اعترى هذه المسيرات العديد من الجوانب والمسائل الفقهية المعاصرة، في ظل ظروف وتقديرات مختلفة، لجوهرها ومآلاتها، والمصالح أو المضار المترتبة عليها، فما هو موقع هذه المسيرات بين أنوع الجهاد، وما حكمها وأهميتها؟

ومما تجدر الإشارة إليه أن الحالة التي اكتنفت مسيرة العودة، وتعاظم زخمها وفعالياتها، يقتضي على الدعاة والعلماء أن يتصدروا المشهد بقوة وأكثر فعالية من الواقع الموجود الآن؛ لتوجيه الثائرين المنتفضين، وتقديم الزاد الإيماني والفقهي، والردّ على المثبطين، والمتفيهقين المزاودين، من خلال فقه الدين، واستنارة المتبصرين.

فمن كلامِ لقمان الحكيم أنه قال لابنِه: "يا بني، جالس العلماءَ وزاحمْهم بركبتيك، فإن اللهَ يحيي القلوبَ بنورِ الحكمةِ، كما يحيي الأرضَ بوابلِ القطرِ".

جهاد الدفع

د. جودت المظلوم: الخروج في مسيرات العودة يأخذ حكم الوجوب، من باب أنه من الواجب على كل مسلم أن يدفع العدو عن أرضه وأن يمنعه من الاستيطان فيها

في هذا الإطار قال عضو رابطة علماء فلسطين الدكتور "جودت المظلوم": "إن الجهاد نوعان: دفع، وطلب. الدفع يعني ثني العدو عن طغيانه، أما الطلب فيعني مواجهته وغزو أراضيه، وبناء عليه فإن مسيرات العودة الكبرى تُعدّ من جهاد الدفع".

وأضاف "المظلوم" في لقاء مع "بصائر": "الغرض من مثل هذه المسيرات يكون دفع قطعان المستوطنين الذي سكنوا أراضينا عما فعلوه، واستعادة ما كنا نملك وانتهكوه".

وتابع: "من الواجب على مسلم أن يحافظ على مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية، ألا وهو الجهاد في سبيل الله".

و كانت رابطة علماء فلسطين قد أكدّت أن المشاركة في مسيرات العودة واجب شرعي ووطني، وأن حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم التي هجروا منها حق شرعي، وحق ثابت لا يسقط بالتقادم، ولا يجوز التنازل عنه أو المساس به.
وواصل "المظلوم": "حِفظُ الدين شُرّع لنا، وللحفاظ عليه لا بد من الجهاد في سبيل الله".

وأكّد: "أن الخروج في مسيرات العودة يأخذ حكم الوجوب، من باب أنه من الواجب على كل مسلم أن يدفع العدو عن أرضه وأن يمنعه من الاستيطان فيها، -ونبّه "المظلوم" إلى- ضرورة الحفاظ على سلمية المسيرات حتى لا تخرج عن الهدف الذي قامت لأجله".

وأشار إلى: "أن الدفاع عن الأرض والسعي لاستعادتها هو حق مشروع لنا، وفي سبيله علينا أن ندعو العالم للوقوف إلى جانب حقوقنا المشروعة التي كفلتها لنا الشريعة الإسلامية أولاً ، ووافقتها بعد ذلك القوانين الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة".

وبيّن ضرورة: "أن يقف العالم إلى جانب الشعب الفلسطيني في غزة؛ بسبب ما يعانيه من ويلات الحصار الذي يفرضه الاحتلال "الإسرائيلي" عليه منذ أحد عشر عاماً، -مشدداً على- ضرورة أن تبقى المسيرة سلمية حتى يعلم العالم أن الشعب الفلسطيني شعب لا يطالب إلا بحقوقه المشروعة".

استرداد الحقوق

د. ماهر الحولي: نحن في فلسطين، الجهاد في حقنا واجب وجوبًا عينيًا، لذا على الكل أن يخرج إليه، وإذا دعا داعي الجهاد فعلى الجميع أن يحاول التلبية على قدر استطاعته

من جهته قال "ماهر الحولي" -أستاذ أصول الفقه الإسلامي بكلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية-: "نحن أصحاب معاناة وحق مسلوب، ولا بدّ من أن تتكاتف الجهود في هذا الجانب، وأن نشارك جميعاً في استرداد حقوقنا، خاصة أننا أصحاب إيمان بالقدر، وبأن الأجل بيد الله، فلا يستطيع أي أحد من البشر التحكم بأقدارنا وأوقات موتنا".

وأضاف لـ"بصائر": "نحن في فلسطين، الجهاد في حقنا واجب وجوبًا عينيًا، لذا على الكل أن يخرج إليه، وإذا دعا داعي الجهاد فعلى الجميع أن يحاول التلبية على قدر استطاعته".

ووجّه "الحولي" نصيحة لأولياء الأمور: "لا يجوز منع الابن أو البنت من المشاركة في عمل جهادي من أجل الوصول إلى الحق المسلوب، بل بالعكس، منعه قد يصل إلى خطر وإثم وعقوبة من الله".

وبيّن: "لا يجوز منع الأبناء من المشاركة في أي نوع من أنواع المقاومة، إلا إذا كان الابن وحيدًا، ووالده بحاجة ماسة له لخدمته".

وأشار "الحولي": "إن مسيرات العودة تأتي متسقة مع مقاصد الشريعة الإسلامية العامة التي تقضي بتحقيق العدالة، ورَدّ الحقوق لأصحابها، وحفظ الأرض والعرض، وحفظ المال والممتلكات".

وقال: "إن الإصرار على أخذ الحقوق وردِّها لأهلها من أعظم مقرّرات الشريعة الإسلامية ومقاصدها التي جاءت بإرساء العدل وتحقيق الأمن، والعمل على تعزيز فريضة التضامن والأخوة، والقيام بالقسط وهو مقصد الرسالات جميعاً قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]".

وأوضح: "أن هذا العمل يتفق مع كلية حفظ المال والممتلكات التي أمر الشرع الشريف بحفظها، بل أباح الموت دونها، وعدَّ ذلك شهادة في سبيل الله تعالى ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ. ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ. ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ). (رواه الترمذي بإسناد حسن، وأبو داود، كلاهما عن سعيد بن زيد)".

تضامن ووحدة المسلمين

ولفت إلى: "أن تضامن المسلمين مع هذا العمل يأتي لتحقيق روح الأخوة، وتعزيز مشاعر الوحدة بين المسلمين، وكلها مقاصد كبرى للإسلام قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات: 10]. وقال صلى الله عليه وسلم: (المسلمُ أخو المسلمِ، لا يظلِمُه ولا يُسلِمُه...) (أخرجه البخاري ومسلم بسندهما عن عبد الله بن عمر). وفي الحديثِ: التَّعريفُ بحقِّ المسلمِ على أخيه وما يَجِبُ عليه تُجاهَه، وقد قال ابن حزم: "من تركه يجوع ويعرى –وهو قادر على إطعامه وكسوته– فقد أسلمه". وإذا كان هذا في الجوع والعريّ فكيف بتركه لعدو غاشم يفسد الأرض، ويهلك الحرث والنسل، وينتهك الأرض والعرض.

وشرع الله تعالى الجهاد في سبيله، وجعله فريضة محكمة ماضية إلى يوم القيامة، وأناط به عز المسلمين وشرفهم، فقال صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتُم بالعِينةِ، وأخذتُم أذنابَ البقرِ، ورضِيتُم بالزَّرعِ، وتركتُمُ الجهادَ سلَّط اللهُ عليكم ذُلًّاَ، لا يَنزِعُه حتى ترجِعوا إلى دِينِكم) (أخرجه أبو داود بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر)".

ونوّه إلى: "أن من مقاصد الجهاد صدُّ العدوان، وتحرير الأرض، وحفظ الأعراض، ومنع الفتنة والفساد، قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 193]".

وقال: "لا تتحقق مقاصد الجهاد إلا بدفع العدو، ولهذا أوجب الشرع على أهل المحلّة دفعه إن تحققت بهم الكفاية وإلا فإنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب ، قال "ابن تيمية": "وَإِذَا دَخَلَ الْعَدُوُّ بِلَادَ الْإِسْلَامِ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يَجِبُ دَفْعُهُ عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ؛ إذْ بِلَادُ الْإِسْلَامِ كُلُّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَلْدَةِ الْوَاحِدَةِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ النَّفِيرُ إلَيْهِ بِلَا إذْنِ وَالِدٍ وَلَا غَرِيمٍ" [الفتاوى الكبرى: 5/ 539]".

أما عن المشكّكين في هذه المسيرات، والدّاعين لعدم المشاركة فيها، قال "الحولي": "هم متأخرون عنا، فالشعب متفوقٌ على كل هؤلاء، لم يحمل أحد الناس على الخروج، وما دفعهم له إلا قناعتهم بأن ما يقومون به نوع من أنواع الجهاد".

وأضاف: "من الناحية الشرعية، الادعاء بأن هذه المسيرات إلقاءٌ للتهلكة مردودٌ بالأدلة والبراهين ".
وتابع: "وهذا لا يمنع أن تتخذ المقاومة وسائل عدة لمنع قتل الشباب".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفي فلسطيني مقيم في قطاع غزة، حاصل على درجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام من الجامعة الإسلامية بغزة عام 2000، عمل في العديد من الصحف والإذاعات والمواقع الإلكترونية العربية والدولية أبرزها: العودة اللندنية، العرب اللندنية، القدس الفلسطينية، موقع إخوان أون لاين. وله العديد من المقالات في مجالات متنوعة، يعمل حاليا مديرًا لموقع الرسالة نت الفلسطيني بغزة وكاتب في موقع " بصائر " الالكتروني.

شاهد أيضاً

طفلي بلغ السابعة.. كيف أبدأ بتعويده على أداء “الصلاة” ؟

مما ينعش قلب الأبوين أن يقف إلى جوارهما طفلهما الصغير في سنوات عمره الأولى وهو …