من المعروف أن الفهم والإخلاص وقوة الترابط بين القيادة والجندية إذا تحققوا في أي تجمه بشري كانت له الغلبة والسيادة والريادة فما بالنا بتجمع اتخذ الله تعالى له غاية.
إن هذه وقفات من سورة آل عمران في هذا الجانب عسى أن نعيها جيداً فتتحقق بها الغاية.
1- قال تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ".
إن لين الجانب، وحسن الحديث، وبشاشة الوجه، لهم أثر كبير في تأليف القلوب، وفتح الأذهان، وإقبال الوجوه، أكثر من أي شيء آخر.
لقد أوتي النبي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، ورجاحة العقل، وقوة الحجة، ولكن الله تعالى قدم (اللين) في المعاملة على ذلك كله.
* إن فظاظة القول من غلظة القلب وقسوته فمن قسى قلبه فحش كلامه.
* وقيل: إن البيان من الفؤاد وإنما ... جُعل اللسان لما يقول رسولاً.
2- قال تعالى: "فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ".
خصال خمس ذكرتهم هذه الآية يجب أن تتوفر في كل قائد، وهي:-
- العفو عما يُعفى عنه من جنوده.
- الدعاء لهم أمامهم وبظاهر الغيب.
- ألا يُبرم أمراً إلا بعد مشاورتهم.
- الأخذ بالعزيمة وعدم التردد بعد الأخذ بالأسباب واتخاذ القرار.
- حسن التوكل على الله تعالى.
* إن القيادة بالنهج الاستبدادي المتسلط ﴿ما أريكم إلا ما أرى﴾ لا تنجز عملاً، ولا تخلق ولاءً، ولا تبقي وداً، ولا تحقق نصراً، ولا تبقي عرشاً.
3- قال تعالى: "وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ".
- إن معظمنا يحفظ ويُردد هذه الآية وأرى أن الفهم الصحيح واكتمال المعنى لا يتمان إلا بتلاوة الفضل كاملاً حتى :-
- نعترف بفضل الله تعالى على الشهداء كاملاً.
- وحتى لا نبخس الشهداء حقهم.
- وحتى يكون أدعى لزيادة الرغبة في التشبه بهم.
* فنقول: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ {169} فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {170} يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ {171}.
* إن الشهداء (أحياء- عند ربهم- يرزقون- فرحين- مستبشرين).
كل ذلك علاوة على الخصال التي فضلهم الله تعالى بها وخصهم بها عن غيرهم.
اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم وألحقنا بهم غير مقصرين ولا مبدلين.
4- قال تعالى: "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ {173} فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ {174}".
* إن الناس لا يقولون للمؤمنين ذلك خوفاً عليهم ولا حرصاً ولكن يقولونه حسداً من عند أنفسهم لأن ثبات المؤمنين يفضح جبنهم ويكشف سوأتهم.
* وردت كلمة (الناس) مرتين وهما صنف واحد في مقابل (أهل الإيمان) وكأن الإيمان يرفع صاحبة فوق مستوى (الناس).
* إن كلمة (فاخشوهم) ما هي إلا حرب نفسية يستعملها المرجفون لكي يثبطوا بها غيرهم.
* إن من يستجيب لداعي الله ويقوي الإيمان بداخله لا يشغله داعي الشيطان ولا يفت من عزمه ولا يُضعف من إرادته بل يزيده ذلك إيماناً وثباتاً.
* إن أبلغ رد من المؤمنين هو قولهم: (حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) فلم يسترسلوا في الرد، ولم ينشغلوا بالدفاع عن أنفسهم، ولا ببيان صحة موقفهم وقوة حجتهم، ولم يستدرجوا لمساحة تستنزف طاقتهم.
* إن المؤمن يرى بنور إيمانه ونفاذ بصيرته ما لا يراه غيره.
* إن (حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) دواء ناجع سبق تجربته على أعلى المستويات ومن خير خلق الله وأحبهم إلى الله فكان لهم ما أرادوا.
عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنه قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل . قالها إبراهيمُ عليه السلام حينَ أُلْقِيَ في النارِ، وقالها محمدٌ صلى الله عليه وسلم حينَ قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل" (صحيح البخاري).
* كان الرد الرباني أسرع مما يتخيله الناس وأسرع مما يتخيله المؤمنون أنفسهم "فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ".
إنه لحرِيٌّ بمن عانى نفس المعاناة أن يقلِّد ويقتفي الأثر حتى يعلم الجميع "إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه" وليوقن الجميع بوعده تعالى "فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين" .