الآباء والأمهات والمعلمون الذين اضطلعوا بعملية التربية في هذه الحياة كثر، ولكن من يترك منهم أثرًا في حياة غيره قليل ما هم، كان الشيخ "علي الطنطاوي" أحد هؤلاء -هو فقيه وأديب وقاض سوري، ويُعتبر من كبار أعلام الدعوة الإسلامية والأدب العربي في القرن العشرين- وقد أفاد من علمه وخبرته تلك في تربية أبنائه وأحفاده، وكان من العلماء والأعلام القلائل الذين انعكس علمهم وخبرتهم على أخلاقهم وتعاملهم مع الآخرين بصورة حسنة وإيجابية، وفي هذا الكتاب، تعرض إحدى حفيداته -وهي "عابدة المؤيد" والتي كانت إحدى ثمار تربيته- أبرز ما علّمه إياهم جدهم وتعلمته منه، مستشهدة بالكثير من المواقف والحكايا التي تعكس تلك المعاني التربوية.
عن الكتاب:
بداية تتحدث الكاتبة عن معرفتها بالشيخ "علي الطنطاوي" كمربٍّ وجَدّ، أكثر منه كاتبًا وقاضيًا ومعلمًا لمعظم الناس، وقبل أن تستفيض الكاتبة في شرح الأساليب التربوية التي اعتمدها "الطنطاوي" في التعامل مع بناته وأحفاده في التربية، تتحدث عن بعض عاداته في القراءة والكتابة والمأكل والمشرب، والتي تبين-من وجهة نظرها- ليس فحسب تفرّد "الطنطاوي" على الصعيدين العلمي والعملي، بل كذلك الشخصي، وبعد أن أتمت "عابدة المؤيد" عرض ملامح من شخصية المربي الناجح، تطرح الكاتبة أهم الصفات والطرق التي اتبعها "الطنطاوي" في عشرة أبواب من أبرزها: التربية بالتشجيع، العدل والحسم، وتكوين الشخصية القوية والناجحة، وتكوين فضائل الصفات والعادات، ونسقط الضوء هنا على أهم المسائل والمواقف التربوية التي قدّمها "الطنطاوي" وعرضتها حفيدته "عابدة المؤيد" في كتابها.
- العدل في العقاب:
ربما من أكثر الأمور التربوية التي تُشعِر الأطفال بعدم الإنصاف هي فكرة العقاب الجماعي التي يقوم بها الكثير من الآباء والمربين حين يعجزون عن تحديد "الجاني" المستحق للعقاب، فنرى أن "الطنطاوي" قد استخدم مهارته في معرفة معادن الناس في فضّ النزاعات بين أحفاده، فكان يحرص أن يراقبهم وهم يلعبون؛ ليعلم طبع كل طفل أثناء اللعب، فيعرف من يلعب بسلام ومن يفتعل الشجار، وحين تقوم المشاجرات يرقُب بتمعن وحرص ردود فعل الأطفال كلهم وتصرفهم، وهكذا، حين يَفِدُ الأطفال في النهاية إليه لفض الشجار، يكون هو قد كوَّن صورة واضحة كفاية، فيعلم حينها الـ"الضحية" من "الجاني". وبالتالي، يعاقب المسؤول عن الشجار فحسب، ولا يظلم بقية الأطفال، فيشعرون أنهم مهما أحسنوا صنعًا ففي النهاية يستوي المحسن والمسيء معًا.
من أكثر الأمور التربوية التي تُشعِر الأطفال بعدم الإنصاف هي فكرة العقاب الجماعي التي يقوم بها الكثير من الآباء والمربين حين يعجزون عن تحديد "الجاني" المستحق للعقاب
- لا يُجمِّل حقيقة الأشياء:
فكان حريصًا على ذكر الجوانب السلبية من الأمور إن وجدت، ولا يخفيها أو يتجاهل وجودها، سواء تعلقت تلك الصراحة بالفروض الشرعية كالحجاب والصلاة والصيام، وما فيها من مشقّة وثقل أحيانًا على نفس المسلم، أو إذا تعلق الأمر بمواضيع أخرى دنيوية، كالذهاب إلى المدرسة، وأداء الواجبات، وشرب الدواء، ولكنه كان كذلك يحرص على الترغيب على تلك الأمور، خاصة ما تعلق منها بالعقيدة، فكان يحرص على ذكر الجانب الإيجابي، والتأكيد عليه وتزيينه في عين الإنسان ما استطاع إلى ذلك سبيلًا؛ حتى يشجعه على أداء العمل وتجاوز المشقة.
كان الطنطاوي حريصًا على ذكر الجوانب السلبية من الأمور إن وجدت، ولا يخفيها أو يتجاهل وجودها، سواء تعلقت تلك الصراحة بالفروض الشرعية أو إذا تعلق الأمر بمواضيع أخرى دنيوية، ولكنه كان كذلك يحرص على الترغيب على تلك الأمور
- الصبر ثم الصبر في التربية:
تحكي "عابدة المؤيد" أن إحدى حفيدات "الطنطاوي" كانت تتحدث بسرعة غير مقبولة، بحيث لا يُفهم كلامها، فكان "الطنطاوي" لا يملّ من مساعدتها على التحدث بتمهل، وتصحيح مخارج الحروف والكلمات، وكانت الفتاة تتحسن شيئًا ما، ثم حين يغيب الجدّ أو يسافر هنا أو هناك، تتدهور حالها مرة أخرى! ولكنه استمر في مساعدتها وتصحيح طريقة كلامها حتى تحسنت تمامًا، وشفيت من علّة الكلام السريع غير المفهوم.
- الحرص على معرفة مواطن الإبداع وتشجيع المبدع:
فإن عرف "الطنطاوي" أن أحدًا من أحفاده يهوى القراءة مثلًا، أهدى له كتبًا، ورشح له أخرى للقراءة، وإذا عرف أن آخرَ يهوى الكتابة، أعطاه مذكرة يكتب فيها خواطره، كما يحرص هو على مراجعتها لذلك الحفيد الموهوب، وتصحيح ما فيها من أخطاء وإبداء رأيه.
أساليب مميزة قد يكون الطنطاوي ابتكر بعضها، وتعلّم الآخر، واستقى من قرآننا وسنتنا النبوية وتاريخنا الكثير، والأجمل والأهم أنه حرص على تطبيق تلك الأمور على جميع من عرف، فترك أثرًا طيبًا في نفوس بناته وأحفاده امتد بالنسبة لبعضهم حتى يومنا هذا، وإن دلَّ ذلك الأمر على شيء، فيدل على أن الإنسان يفنى ويبقى أثره الطيب من تربية أو عمل صالح، بالإضافة لما تركه في نفوس الآخرين من موقف نبيل، وكلام طيب ومديح عظيم الأثر.
- مع المؤلفة:
• من مواليد سوريا ــ دمشق (1962م).
• حاصلة على البكالوريوس في اللغة العربية، وتقوم بالتحضير حاليًا لبكالوريوس الشريعة.
• لها مؤلفات كثيرة، منها: سنة التفاضل وما فضّل الله به النساء على الرجال، أنا وأولادي، كيف نتقبل الناس، وداعًا للهموم والأحزان.
• تنشر مقالاتها دوريًا في مجلة الأسرة، والمجتمع، وسابقًا في مجلة النور الكويتية.
بطاقة الكتاب:
العنوان: هكذا ربانا جدي علي الطنطاوي.
المؤلف: عابدة فضيل المؤيد العظم.
سنة النشر: 1998.
عدد الصفحات: 151 صفحة.