أنتم أحق بالفرح في العيد منهم

الرئيسية » بأقلامكم » أنتم أحق بالفرح في العيد منهم

قال تعالى: "قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ" (سورة يونس).

قال تعالى: " وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى {43} وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا {44}" (سورة النجم).

طالما أن الله تعالى هو الذي يُضحك فلا تكترث بالحالة التي أنت عليها مريضاً أو مهموماً أو جريحاً أو مُطارداً أو سجيناً فستضحك وستفرح وستكون سعيداً مُنشرح الصدر مسروراً إذا أراد الله لك ذلك.

وطالما أنه سبحانه هو الذي يُبكي فلو كنت في القصور الفارهة والحدائق الغنَّاء فستبكي بل سينفطر قلبك من البكاء إذا قدَّر الله تعالى لك ذلك.

يقول ابن تيمية: "أنا جنتي وبستاني في صدري أنَّى اتجهت فهي معي لا تفارقني، أنا سجني خلوة وقتلي شهادة وإخراجي من بلدي سياحة".

وقال علماء السلف: "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نَحْنُ فيه من السعادة لجالدونا عليها بالسيوف".

أحبائي في الله:

إن من ينظر لبعض بيوتنا ويتفقد أحوالها يجد في كل بيت من دواعي الهم والحَزَن ودواعي البكاء والألم ما لو وُزِّعت على أهل الأرض لكفتهم. هذا البيت فيه مريض وذاك فيه غارم، وآخر فيه شهيد وذاك فيه مُطارد وغيره فيه أسير إلى غير ذلك من أسباب الحُزن والأسى، ولكنك إذا دخلت معظم هذه البيوت وجالست أهلها فلن تجد منهم سوى الرضا والتسليم بل والفرح بقضاء الله وحُكمه فيهم.

لما لا، وهؤلاء قد تربوا على مائدة القرآن.

لما لا، وهم يعلمون جيداً أن تضحيتهم مأجورة ولن تضيع عبثاً.

لما لا، وهم يستشعرون كلام النبي صلى الله عليه وسلم (صبراً آل ياسر) فإن موعدكم الجنة.

لما لا، وهم يشعرون بأنهم معنيون ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم (ربح البيع صهيب).

إن دواعي الفرح عند كل هؤلاء المبتلين كثيرة.

إن أسرة الشهيد وأهله فرحين بمنزلته عند ربه وأنه سيشفع في سبعين من أهله.

والأسير والمُطارد وأهليهما فرحين بما يقدمونه من أجل نصرة دين الله ومن أجل الأمة ورفعتها وحريتها.

والأرملة التي انقطعت لتربية أبنائها فرحة ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم بأنها تزاحمه في دخول الجنة.

والساعي على الأرملة واليتيم فرح بما بُشِّر به من الأجر والثواب.

ومن غبَّر قدميه أو جُرح في سبيل الله فرح بوعد الله تعالى له.

- أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم :

إن السعادة أمر معنوي، فما يُسعد هذا ربما يُشقي ذاك، وما يجلب لهذا الفرح والسرور ربما يجر على غيره الحزن والأسى.

إن من تأمل السعادة في أسبابها وجد لديه الكثير منها ولكننا نغفل عما بين أيدينا ونبحث عما ينقصنا ونلهث خلفه فيشقينا فلا نتنعم بهذا ولا ندرك ذاك.

ابحث عن السعادة في المقابر تجد أنك حي تُرزق.

انظر إلى من ضل الطريق وانكب على وجهه محروماً من رحمة الله تعالى تجد أنك تمشي على صراط مستقيم.

اذهب إلى المستشفيات تجد أصحاب العِلل والأمراض والعاهات وأنت مُعافا في بدنك سليم الأعضاء.

إن طُمأنينة القلب والرضا بما قسمه الله تعالى من أعظم نعم الله على المؤمن، وذلك أن سكون النفس واستقرارها هو الدافع للخير والشعور بالغبطة والسعادة، وبقيمة الحياة وهدفها، والثقة بالله ووعده ولذا كانت طُمأنينة القلب هي حصنه الحصين الذي يستعصى على الشياطين.

إن النفس المطمئنة والقلب الثابت الموصول بربه لا سبيل إلى زعزعتهما بإذن الله تعالى "أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ".

لله در القائل :

فليتك تحلو والحياة مريـرة وليتك ترضى والأنام غِضَاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خـراب
إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب

أخيراً :

أود أن أقول لكل مبتلى : إنك في منحة من الله عز وجل يغبطك عليها غيرك، منحة يصطفي الله بها من يشاء من عباده ويتخذ بها من يشاء من عباده شهداء ويرفع فيها أجراً ويحط فيها وزراً .

إننا في هذه المنحة نتعلم في مدرسة الصبر وجامعة الشكر.

إننا في هذه المنحة نكتسب زاداً نُربي به من خلفنا ليكونوا أصلب منَّا عوداً وأقوى منَّا عزيمة وشكيمة فلا يُؤتى الإسلام من قِبَلهم كما أنه لن يُؤتى من قِبَلنا إن شاء الله تعالى.

افرحوا جميعاً بعيدكم وزينوا بيوتكم واملئوها بالفرحة وأنا لست بهذا الطلب أريد أن أجردكم من مشاعركم أو أخرجكم عن طبيعتكم البشرية ولكن لأن فرحكم هذا هو السهام التي تصوبونها نحو صدور أعدائكم.

إن وقع ابتسامتكم على أعدائكم أقوى من وقع سياطهم على ظهوركم.

إنكم بفرحكم تُعكرون صفو عيدهم وتُفسدون فرحتهم فأنتم أحق بالفرح في العيد منهم وهم ما لهم إلا الهم والغم والحسرة والندامة بل وسوء المنقلب.

اللهم أدخل على قلوب الصامدين الصابرين المحتسبين الفرح والسرور، واجعله اللهم عيد شؤم على ظالميهم

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
خبير تربوي وكاتب في بعض المواقع المصرية والعربية المهتمة بالشأن التربوي والسياسي، قام بتأليف مجموعة من الكتب من بينها (منظومة التكافل في الإسلام– أخلاق الجاهلية كما صورها القرآن الكريم– خير أمة).

شاهد أيضاً

بين عقيدة الإسلام و”عقيدة الواقعية

للإسلام تفسيرٌ للواقع وتعاملٌ معه بناءً على علم الله به ومشيئته فيه، كما يثبتهما الوحي. …