احذر تلبيس النفس في رمضان!

الرئيسية » خواطر تربوية » احذر تلبيس النفس في رمضان!
MuslimPrayer-58c6d6483df78c353cb322c5

لطالما سمعنا بتلبيس الشيطان أو "تلبيس أبليس"، وهو أيضاً عنوان لكتاب لأحد أئمة المسلمين (ابن الجوزي) رحمه الله تعالى، وفكرة الكتاب أو العنوان تدور على أن هناك خدعاً شيطانية يزينها الشيطان للمسلم وهو يلْبسها ثوباً من الشرعية أو التواضع أو الورع أحياناً، فتنزلق قدم ابن آدم إلى النار وهو يظن نفسه محسناً أو يقنع نفسه بأنه قد أحسن.

واليوم ونحن في رمضان رأيت كثيراً من الناس وقرأنا لهم عبر مواقع التواصل ما لبّستْ عليهم أنفسهم – أو ربما الشيطان- مما يخالف أمر الله أو سنة نبيه أو مما يدعو إلى التثبيط وقلة الهمة وترك العبادة أو ربما التوجه إلى معصية الله وهو يظن نفسه أنه مصيب وأن ما يفعله صحيح، إلا أنه كالراعي حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، وإذا رتع فقد وقع.

سنعرض هنا لبعض من هذه المظاهر التي قد تصيب أحدنا كل رمضان يأتي علينا، فلعل غافلاً قرأ أو سمع فانتبه لنفسه واتعظ، وأدرك ما يمكن إدراكه قبل فوات الأوان:

1. قراءة القرآن: اعتاد المسلمون في كل رمضان أن يتسابقوا أو أن يزيدوا في وردهم اليومي والسعي جاهدين لختم القرآن الكريم ولأكثر من مرة في هذا الشهر العظيم، والناس في هذا الشأن شتى، فمنهم من يقرؤه بصمت متعجلاً تلك الختمات، ومنهم من يقرؤه بتؤدة واطمئنان إلا أنه يعتكف على ذلك في بيت من بيوت الله، ومنهم من يقرؤه قراءة متوسطة بحيث يُسمع نفسه إلا أن هذه القراءة لا يمكن معها التوقف والتدبر لكل معنى من معاني الآيات العظيمة، إلا أن هناك فئة قد لبّستْ عليها نفسها أن القرآن يجب أن يُقرأ بخشوع وتدبر، وأن غير ذلك لن ينفع صاحبه مهما تعددت الختمات، وتراه ينافح ويقول: أن تقرأ آية بتدبر خير من أن تقرأ القرآن كله دون تدبر وخشوع، والكلام آنفاً صحيح، لكن أين تكون المشكلة؟

تكمن مشكلة بعض من هؤلاء الناس أن النفس تلبس عليه من وجوب تحسين القراءة وأدائها بحقها إلا أنه لا يلتفت إلى المصحف في رمضان إلا القليل القليل، فلا هو قرأ، ولا هو خشع، فتمر عليه أيام رمضان تترا وهو لا يفتح كتاب الله ولا ينظر إليه، بحجة أنه لا يجب أن يقرأ إلا وهو خاشع، ويمضي الشهر وتراه لم يكمل سوى أجزاء بسيطة من كتاب الله.

إذا كنتُ ناصحاً لك فإنني سأقول: يا أخي، اقرأ كما ذكرتَ من خشوع وتدبر، لكن إياك أن يفوتك الشهر دون أن تختم، فأنت تستطيع أن تزيد وقت القراءة والتلاوة، فاقرأ وتدبر ولكن لا تخدعنك نفسك فتمر عليك الأيام والليالي وأنت لم تنظر في كتاب الله، وإذا أنت لم تختم القرآن في رمضان، فبالله قل لي متى ستختمه؟

إياك أن يفوتك الشهر دون أن تختم، فأنت تستطيع أن تزيد وقت القراءة والتلاوة، فاقرأ وتدبر ولكن لا تخدعنك نفسك فتمر عليك الأيام والليالي وأنت لم تنظر في كتاب الله

2. صلاة التراويح: في أغلب العالَم الإسلامي تنعقد جماعة التراويح كل ليلة على عشرين ركعة، ومن الأئمة – هداهم الله- من أراد أن يخفف على الناس فجعل من صلاته سباقاً مع الزمن كي يكسب –باعتقاده- أكبر عدد من المصلين، وهذا في البعض لا في الكل، ويأتي صاحبُنا نفسُه ويقول: ما هذه الصلاة التي لا خشوع فيها ولا تدبر، صلاة ركعتين بخشوع أفضل من هذه الركعات التي تتعب النفس وتشغل الفكر، ولكن المشكلة الكبرى تكمن هنا أيضاً بأن تراه يخرج من المسجد بعد صلاة العشاء متوجهاً إلى بيته، وتمر عليه الليالي وهو لا يركع فيها ركعة واحدة لله، وقد يصلي أحياناً لكن صلاته لا تتجاوز الركعتين وربما أحياناً أداهما بغير خشوع وتدبر.

أيها المسلم: أين أنت من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" (متفق عليه)؟

إذا لم تستغل رمضان في قيامك الليل فمتى ستنهض وتقوم هذه الركعات؟

إذا لم تعجبك صلاة أحدهم من الأئمة، فاسعَ إلى مسجد آخر تكون الصلاة فيها بحقها، أو قم بالاتفاق مع مجموعة من الأصدقاء بأن تُحيوا هذه الليالي في قيام الليل في مكان ما، أما أن تترك، فهذا من تلبيس النفس.

إذا لم تعجبك صلاة أحدهم من الأئمة، فاسعَ إلى مسجد آخر تكون الصلاة فيها بحقها، أو قم بالاتفاق مع مجموعة من الأصدقاء بأن تُحيوا هذه الليالي في قيام الليل في مكان ما

3. نهار رمضان: ومن المظاهر المؤسفة اليوم في العالم الإسلامي أن الصيام أصبح سمة للتعب والغضب والمشاجرة، والنفس تخدع صاحبها بقوله مع كل موقف: يكفي أنني صائم، وغير هذا من أحاديث النفس التي تشعر الإنسان بأنه مْجهَد تعب وأن الصيام قد جعله متوتراً مشاحنا ومغاضباً، ومنهم من يقضي يومه بقتل وقته – للأسف- إما نائماً أو جالساً أمام شاشة التلفاز أو ممسكاً بهاتفه إما لاهيا وإما قاتلاً لوقته، وهذا كله أيضاً من التلبيس، فالأصل أن المسلم يستغل نهار رمضان بتلاوة القرآن أو بذكر الله أو بمساعدة الأهل أو معتكفاً في المسجد أو بعمل يتكسب فيه الأجور، فالأجر في رمضان مضاعف، إلا أن البعض قد لبست عليه نفسه فجعل ليل رمضان سهراً بين الأكل والشرب واللهو حتى الفجر، ونهاره نائماً لا يعمل شيئاً بل وربما يقضي بعض الصلوات منه .

4. في العمل: ومن الناس من تلبس عليه نفسه أن نهار رمضان فقط للعبادة والتنسك، وأن الذهاب إلى العمل ما هو إلا كمن يقتل وقته، فتراه يؤخر معاملات الناس، ولا يرغب في إنجازها، وتراه يصلي الضحى أربعاً أو ثمانياً في مكتبه وكذلك صلاة الفريضة تأخذ أضعاف وقت ما تستحق، وهذا كله في غير مكانه، وهو ليس من دين الله في شيء، فالأصل في الصيام أنه باعث على النشاط، لأن الإنسان يكون خفيفاً منطلقاً لا ثقيلاً هابطاً، فتراه ينجز للناس للتخفيف عنهم من حر الصيف وهم يغدون ويروحون في معاملاتهم، لا أن يكون هو أيضاً عبئاً عليهم، وفي هذا الأجر العظيم؛ لأن من سعى في حاجة مسلم، سعى الله في حاجته.

الأصل في الصيام أنه باعث على النشاط، لأن الإنسان يكون خفيفاً منطلقاً لا ثقيلاً هابطاً، فتراه ينجز للناس للتخفيف عنهم

5. الإسراف في رمضان: ومن مظاهر التلبيس أيضاً أن يملأ الإنسان مائدته بشتى ألوان وأصناف الطعام، والتي غالباً ما ينتهي بأغلبها الحال في أكياس القمامة، وترى هذه المأساة – للأسف- مرة عند وجبة الإفطار ومرة عند السحور، كل هذا بحجة الصيام، وبعضهم يزين لنفسه قائلاً حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "تسحروا فإن في السحور بركة"، هذا صحيح لكن تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان سحوره التمر والماء، وهذا لا يمنع أن يأكل المؤمن ما اشتهى أو ما لذ وطاب، لكن دون إسراف ودون أن يكون مصير الطعام الزائد في أكياس القمامة .

إن تلبيس النفس على صاحبها فيه من التفصيل ما هو أكبر من أن يُحصر في مقال، وكل نفس أدرى بهواها وأعلم بمبتغاها، فالأصل في المسلم أن يرى كل أمر يدعو إلى ترك طاعة أو توجه إلى معصية فلينظر فيه جيداً وليمحصه تمحيصاً، فإن كان فيه بُعد عن الله، فليتركه مهما كانت وساوس نفسه.

كتب ذات صلة بالموضوع

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …