جميعنا يعلم أن لكل شيء مقدمة يتم بها و يرتكز عليها و بما أن الله تعالى خلق البشرية شعوباً، و قبائل؛ كي يتعارفوا، فتمتد بينهم جسور المحبة، و الألفة، و الوئام، وكما جاء في كتابه المجيد {يا أيها الناس إنا جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا، إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم}.
ومن هذا المنطلق الأساس في سير حياة الإنسانية المهم، فإننا أمام نظرية متكاملة الأطراف؛ كونها قد أعطت الأسس التي تحقق ميزان التفاضل بين الافراد، و بين المجتمعات، و كذلك أيضاً نلاحظ وجود قاعدة ثابتة، وهي أن الله (جل و علا) قد صنف البشرية إلى شعوب، و قبائل متعددة توحدها أساسيات التقوى، و الإيمان، و سُبُل الحياة الكريمة، و تطرح بينها الأواصر الاجتماعية، و لغة التفاهم الثقافية ذات الأبعاد المختلفة، لكنها تصب في نهاية المطاف إلى معين واحد لا ينضب، وهذه الشعوب أو لنقل الأسرة هي المرتكز الأساس الذي يقوم عليه المجتمع، فكيفما تكون سيكون المجتمع. فهي كلما كانت ذات ثقافة عالية، و حِس أخلاقي حسن، ونسيج اجتماعي متين، و متقارب، و بينها تواصل قوي، و تسودها مثالية عالية بين الأفراد، و تربطها أسس المحبة و التعاون، كانت حقاً المثال الأسمى في قيام المجتمع المثالي.
و إذا وجدنا العكس في الأسرة، فماذا نتوقع من المجتمع حينها؟ و كيف سيكون حاله؟ فالكتاب يُعرف من عنوانه، فسوف نرى مجتمعاً متفكككاً تتلاطم فيه أمواج التفرقة، و الفُرقَة، و التشتت، و الأنانية، و حب الذات، و شيوع الأنا، و عدم الشعور بالمسؤولية الملقاة على عاتق كل فرد، فضلاً عن الانهيار الكامل في الأخلاق، و سوء لغة التفاهم بينهم، و بالتالي سنرى مجتمعاً متهالكاً متناحراً، و الانهيار الكامل في الأسرة التي أصبحت مرتعاً للمشاكل، و النعرات الاجتماعية، و فريسة سائغة لآفة الطلاق، والخلافات الأسرية، و التي تنتهي بضياعها، و تفرق شمل أفرادها.
فالأسرة هي نواة المجتمع، وصلاحه، ونجاحه يبنى على أساس التماسك الأسري الذي يأتي من خلال التفاهم والودّ بين أفراد العائلة، وأساسها هو (الزوجان)، فالأسرة السعيدة تراها يسود أجواءها الثقة، والوئام، والتفاهم، وإشاعة الحنان والعطف بين أفرادها، ومن ثم تكون سببًا لتطور، ورقيّ المجتمع، بخلاف ذلك تجد الأسرة التي تعيش أجواء الشكّ، وعدم التفاهم بين أفرادها، والبغض، والقسوة تراها عرضة للانهيار في أية لحظة، والذي يؤدي إلى الفشل في تفاهم كلا الزوجين، وبدوره يكون بؤرة للمشاكل التي تؤدي إلى الطلاق الذي يفتت، ويقوّض بناء المجتمع، والذي لا تنعكس آثاره على الزوجين فقط؛ بل تتعدى إلى الأبناء الذين يكون مستقبلهم مجهولًا، وبائسًا، وتأثير ذلك على نفسياتهم الذي قد يجعل منهم مجرمين حاقدين على المجتمع.