توطئة:
مصطلح "القوة" حين يطرح يكون المقصود به عامة: القوة الصلبة التي تستخدمها الدول القوية للسيطرة والتحكم في الدول الصغرى، باستخدام العنف والإجبار والإكراه. وهناك قوة أخرى ربما هي الأكبر تأثيراً والأقل كلفة، لكنها الأكثر خطر على هويات البلاد، وثقافتها ومستقبلها، تلك هي القوة الناعمة التي تؤثر على سلوك الآخرين من خلال الجاذبية والإبهار!
مع الكتاب:
بعد الحرب العالمية الثانية تبنت أمريكا مفهوماً جديداً للقوة؛ لفرض الهيمنة على العالم عن طريق غير طريق الحروب والدمار، وهو ما يسميه اصطلاحاً "جوزيف ناي" بالقوة الناعمة، واستناداً عليه، اتجه العالم لتغيير سياساته بعد انهيار الاتحاد السوفييتي؛ ليبني خطاباً مفاهيمياً من جديد، يغيّر موازين القوة في العالم لصالح كتلة جديدة، وبأدوات جديدة.
ويؤكد "ناي" في هذا الكتاب على ضرورة احتفاظ الكبار بالقوة الصلبة؛ لضمان استمرار مسلسل العصا لمن لا يخضع لتلك القوة الناعمة في ظل التقلبات العالمية الحالية.
والكتاب يقدم عرضاً موجزاً لسبل ومفردات إيجاد هذه القوة، ومنها الدراسات والبعثات داخل الولايات المتحدة، ثم يعرض مظاهر تلك القوة لديها.
• فأمريكا هي أكبر مصدر للأفلام والبرامج التلفزيونية في العالم، وفيها أكثر من (86) ألف باحث أجنبي.
• تمثل المرتبة الأولى في الفوز بجائز نوبل في الفيزياء والكيمياء والاقتصاد، وتجدر الإشارة إلى أن المؤلف تطرّق إلى جدار برلين بقوله: "جدار برلين كان قد تم اختراقه بالتلفزيون والأفلام السينمائية قبل زمن طويل من سقوطه عام (1989)".
يتفرع كتاب القوة الناعمة لخمسة فصول، مع تقديم ومقدمة وإشادات، بالإضافة إلى الهوامش في نهاية الكتاب، جاءت الفصول بحسب عناوينها:
-الفصل الأول: (الطبيعة المتغيرة للقوة):
تطرّق المؤلف فيه لمفهوم القوة بقوله: "القوة تشبه الطقس، يعتمد عليه ويتحدث عنه كل شخص، ولكن لا يفهمه إلا القليلون"، وتشبيهه للطقس جاء معتمداً على حالة المزارع والعامل في الأرصاد، وطريقة تنبؤهم، كما يحاول الزعماء السياسيون والمحللون أن يصفوا علاقات القوة والتنبؤ بتغييراتها، كما وضّح في هذا الفصل مفهوم القوة الناعمة بشكل مفصل وموسع، موضحاً بشكل خطٍ بياني طبيعة العلاقة النسقية بين القوتين (الصلبة والناعمة)، كما حدّد الفصل الأول موارد القوة الناعمة لبلدٍ ما، فهي ترتكز على ثلاثة موارد:
• ثقافة البلاد: وهي الأماكن التي تكون فيها جاذبة للآخرين.
• قيمة السياسة، خاصة عندما تطبق بإخلاص في الداخل والخارج.
• سياسته الخارجية، عندما يراها الآخرون مشروعة، وذات سلطة معنوية أخلاقية.
كما تطرق الفصل الأول لحدود القوة الناعمة، والدور المتغير للقوة العسكرية، موضحاً ما أضافه العلم في القرن العشرين، وتأثير التكنولوجيا على موارد القوة الناعمة.
-الفصل الثاني (مصادر القوة الأمريكية الناعمة):
جاء في مقدمة الفصل تسليطه الضوء على مصادر الولايات المتحدة لهذه القوة، مشيراً إلى الاقتصاد وما تلعبه أمريكا من دور مهم تحتل فيه المرتبة الأولى عالمياً، مبيناً نمط المؤشرات الاجتماعية التي تحدّد القوة الناعمة فيها، فهي تجتذب ما يقارب ستة أضعاف المهاجرين الأجانب، كما أنها أول وأكبر مصدر للأفلام والبرامج التلفزيونية في العالم، ومن بين الـ (1.6) مليون طالب، مسجلين في جامعات خارج بلدانهم، نجد أن (28%) منهم موجود في أمريكا، بالمقارنة مع (14%) يدرسون في بريطانيا، كما أن أكثر من (86 ألف) باحث أجنبي كانوا مقيمين في مؤسسات تعليمية أميركية في العام (2002م)، كما أن أميركا تنشر كتباً أكثر من أي بلد آخر في العالم، وهي تبيع مؤلفات موسيقية ضعف ما تبيعه اليابان -التي تليها مرتبة في هذا المجال-، كما أن لدى الولايات المتحدة مضيفين على مواقع الإنترنت، يزيدون على ثلاثة عشر ضعفاً بالنسبة للمضيفين اليابانيين، كما أنها تحتل المرتبة الأولى في الفوز بجائزة نوبل في الفيزياء والكيمياء والاقتصاد، والمرتبة الثانية لصيقة -بعد فرنسا- بجوائز نوبل للآداب، كما أنها تنشر ما يقارب أربعة أضعاف المقالات العالمية والدولية التي تنتجها اليابان المنافسة التالية لها في هذا المجال.
-الفصل الثالث (قوة الآخرين الناعمة):
متمثلاً بالاتحاد السوفييتي (سابقاً) أثناء الحرب الباردة، إذ كانت تعدُّ روسيا آنذاك المنافس الأول لأميركا في القوة الناعمة، فهي بدورها انهمكت في حملة واسعة لإقناع العالم بجاذبية نظامها الشيوعي.
-الفصل الرابع (البراعة في استخدام القوة الناعمة):
عاد "جوزيف ناي" إلى منصبه بكونه مساعداً لوزير الدفاع، إذ إنه تطرّق في حديثه في هذا الفصل عن الحرب على العراق، وكيف أن النظام العراقي صمد بوجه العقوبات لفترة زمنية طويلة، عدّها جوزيف هي مرحلة القوة الناعمة، التي عبرها حاولت الولايات المتحدة من إقناع العالم بضرورة إنهاء نظام صدام، والقضاء عليه، لما يشكله من خطر على العراقيين، وعلى العالم أجمع.
-الفصل الخامس (القوة الناعمة وسياسة أميركا الخارجية):
وضع "ناي" أساس كتابه -وخاصة في هذا الفصل- على مفهوم العداء العالمي لأمريكا في الربع الأخير من القرن العشرين، خاصة أن الدبلوماسي المحنك "توماس بيكرينغ" عام "2003م" اعتبر أن العالم يمرّ بـ (أعلى قمة من العداء لأميركا)؛ إذ تُظهر الاستطلاعات أن أميركا تكبّدت خسائر كبيرة من قوتها الناعمة بعد حرب الخليج، وعليه استنتج مراقب استرالي بأن درس العراق هو أن قوة أميركا الناعمة آخذة بالانحطاط، خاصة وأن "جورج بوش" ذهب إلى الحرب بعد أن فشل في حصوله على ائتلاف عسكري واسع، أو حتى على تفويض من الأمم المتحدة.
-الخلاصة:
هذا الكتاب هو بمثابة جرس إنذار للقوى الإسلامية العاملة على الساحة العربية والعالمية، تنبهها أن الحرب اليوم ليست تلك الحروب المعروفة بسلاح في مواجهة سلاح آخر، إنما قوة عقول، وحرب أفكار وهويات في مواجهة أفكار أخرى، وثقافات أخرى تعبر عنها العولمة التي صارت تمثل خطراً على الثقافات الشعبية، والهويات الأصيلة في العالم ككل، هذا فضلاً عن أن الإسلام في مجمله يمثل القوة بكافة معانيها، خاصة القوة الناعمة التي تنبني على الحب والإقناع، جرس إنذار وتنبيه لتلك القوى والحركات أن الحق الذي يمثل القوة الناعمة، يلزمه قوة صلبة تحميه، وتحمي حملته وممثليه، وتمنع الباطل من مجرد التفكير في القضاء عليه أو مهاجمته، وأن صاحب الرسالة يجب أن يكون منظماً في كل خطوة يخطوها، وفي كل قرار، وأن المؤمن القوي هو واجب الوقت؛ لإنقاذ الأرض من دمار محقق بعد أن انقطعت علاقتها بالسماء على يد الرجل الأبيض.
لم تعد الحرب اليوم كتلك الحروب المعروفة باستخدام السلاح في مواجهة سلاح آخر، إنما تعتمد اليوم على قوة العقول، وحرب الأفكار والهويات في مواجهة أفكار أخرى
مع المؤلف:
جوزيف ناي، هو أحد الأكاديميين المؤثّرين في العلاقات الدولية، والسياسات الخارجية الأمريكية، أسّس بالاشتراك مع "روبرت كوهن" مركزاً لدراسات الليبرالية الجديدة في العلاقات الدولية، صاحب مركز استشاري، وهذا المركز من المراكز المؤثرة في قرارات الولايات المتحدة الأمريكية، وهو مبتكر مصطلح "القوة الناعمة"، وأستاذ في جامعة هارفارد، وقد تقلّد مناصب عديدة، منها: مساعد لوزير الدفاع للشؤون الأمنية الدولية، ورئيس الاستخبارات الوطنية الأمريكية.
معلومات الكتاب:
اسم الكتاب: القوة الناعمة
المؤلف: جوزيف س. ناي
الناشر: العبيكان للنشر
تاريخ النشر: 2007
عدد الصفحات:257