قبل أيام قلائل ودّعنا شهر رمضان، شهر البر والإحسان، والمغفرة والعتق من النيران، الذي كان يحضّ ويسارع فيه الناس إلى الطاعات، كالذكر والصدقة، والتبكير إلى الصلوات، وغيرها، ولكن العجيب بعد انتهاء الشهر الكريم، نجد ظاهرة عجيبة هي انصراف الناس عن تعمير المساجد، وحضور الصلوات، وختم القرآن، وكأنّ عبادة الله وقراءة القرآن مقصورة على هذا الشهر، مع أنه الله تعالى قد أمرنا بالثبات على الطاعات حتى الممات، في قوله تعالى: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}[الحجر،آية:99]، كما أمرنا أَنْ نسأله عدة مرات في اليوم الواحد أَنْ يهدينا الصراط المستقيم.
فكيف نحافظ على همّتنا والتزامنا بالطاعات بعد رمضان؟ وكيف نبعد أنفسنا عن كل ما يغضب الله سبحانه وتعالى؟
الداعية "صقر أبو هين" أكّد أن الله عز وجل فضّل شهر رمضان على سائر الشهور والأزمان، واختصه بكثير من رحماته وبركاته، ويسّر فيه الطاعة لعباده، فينطلق المسلمون فيه بكل أريحية إلى طاعة الله، وقد أغلقت أبواب الجحيم، وفتحت أبواب النعيم، وغُلّت فيه الشياطين.
وقال "أبو هين": "هذه ظاهرة صحيّة أن المسلمين يحرصون على التزوّد من الخيرات والطاعات في هذا الشهر المبارك، والإقبال على قراءة القرآن، والصلاة والصدقة، وهو دليل على حب الناس لهذا الدين، وخوفهم من الله عز وجل، ورغبتهم في الخير، والتزوّد منه للوصول إلى الدرجات العلا في الجنة".
وأشار "أبو هين" إلى أن: "المشكلة تبرز عند البعض بعد شهر رمضان، عندما يبدأ الناس الإعراض عن طاعة الله، وكأنهم في رمضان يعبدون ربًّا غير الذين يعبدونه بعد رمضان، مشدّدًا على وجود ثوابت في الإيمان، لا يستغني عنها المؤمن".
وأضاف: "الكارثة الكبرى أن بعض المسلمين ينسون أن ربّ رمضان هو ربُّ ما بعد رمضان، ويعتقدون أن العبادة تنتهي بانتهاء شهر رمضان، في حين أن شهر رمضان هو الشهر الذي يحصل فيه المسلم على الزاد الروحي الذي يعينه على عبادة أحد عشر شهراً متبقية من السنة، وهي فرصة عظيمة لتجديد الإيمان في القلب، وإصلاح العبادة، والتدرّب على الخلق الحسن، وللتجنب والتخلص من الصفات غير الإسلامية".
وتابع القول: "ولكننا هنا نستطيع أن نقول: إن الذين تفتر همتهم بعد رمضان هم أبناء الحدث، أو أبناء الانفعال المؤقت؛ لوجود الروحانيات في رمضان، فهذا الإنسان قلبه سقيم، ولابدّ أن يبحث عن شفاء لقلبه من هذا المرض، وليكن هذا بالتوجّه المخلص لله تعالى، والاعتقاد أن عبادة الله عز وجل يجب أن تستمر لما بعد رمضان".
ولفت "أبو هين" إلى أن: "الدين الإسلامي فيه العديد من الثوابت التي لا يجوز أن يؤديها المسلم في مواسم معينة، ويُعرض عنها في مواسم أخرى، وأولها: الصلاة، وهي الركن الثاني من أركان الدين الإسلامي، فقال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة، آية:238]. وعن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما يُحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر) [رواه الطبراني بسند جيد]".
وذكر ثابتًا آخر من الثوابت الإيمانية، هو: المداومة على قراءة القرآن الكريم، فالقرآن هو حياة القلوب والأرواح، وحياة للنفوس والصدور، وحياة للأبدان، متسائلًا: "فكيف يستغني المؤمن عن روحه وأصل حياته!".
وبيّن أن: "من أراد أن يُكلِّم الله، فليدخل في الصلاة، ومن أراد أن يُكلِّمه الله، فليقرأ القرآن -مشددًا على- ضرورة استمرار المسلم في قراءة القرآن بعد شهر رمضان بتخصيص ورد يومي لذلك".
من جهته لفت الشيخ الداعية "صلاح نور" إلى: "أهمية المحافظة على ثابت آخر من الثوابت الإيمانية، ألا وهو المحافظة على ذكر الله -مشيرًا إلى- أن الذكر فيه شفاء من الأسقام، ومرضاة للرحمن، ومطردة للشيطان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها لدرجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟، قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: ذكر الله عز وجل) [رواه أحمد في مسنده وغيره]".
وأشار "نور" في حديث لـ"بصائر" إلى ثابت آخر من الثوابت الإيمانية، ألا وهو الإحسان إلى الناس، فيجب على أهل الكرم والجود إظهار الإحسان إلى الفقراء والمحتاجين في رمضان وما بعده، وألا يلبسوا أقنعة البخل والشحِّ فيما بعد شهر رمضان.
وذكر "نور" أن: "الإحسان من الثوابت الإيمانية التي لا يستغني عنها المؤمن في شهر رمضان، ولا في غيره من الأشهر، حتى يلقى ربه جل وعلا، راجيًا الثواب الكبير الذي وعده الله به في يوم القيامة، ومن الثوابت الإيمانية أيضًا قيام الليل، إذ يُوفَّق الكثير من الناس إلى قيام الليل، وأداء صلاة التراويح طوال الشهر؛ وذلك لقول الرسول الكريم: (عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات) [رواه الترمذي وغيره]".
وذكر أن: "من ذاق حلاوة الإيمان في رمضان، فعليه أن يلزم هذا الدرب المنير، والاستقامة على الصراط المستقيم، ففي حديث عائشة رضي الله عنها، أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أَيها الناس، عليكم من الأعمال ما تطيقون، فإِن الله لا يملّ حتى تملّوا، وإن أَحب الأَعمال إلى الله ما داوم عليه، وإن قل) [رواه الشيخان]".
وختم "نور" حديثه بالقول : "اختر لنفسك مع من تكون، وتدبر دائماً قول الحق سبحانه وتعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[سورة القصص،الآية 83]".