أظهرت مسيرة العودة معادن عشاق الوطن وميزت المحب الحقيقي ممن يدعي حب الوطن، لأن حب الوطن الذي يقف عند حدود الكلام وفقط، هو حبٌ كاذبٌ سرعان ما تكشفه الأيام والأحداث.
في مسيرة العودة كان للكثيرين دورٌ فاعلٌ في إثباتِ حبهم للوطن، فقد شارك حامل شهادة الدكتوراه، وشارك من لم يحالفه الحظ في دخول المدرسة، وشارك الكبير والصغير والمرأة والرجل، شارك من يختلف مع هذا الفصيل ومن يتفق معه، لأن الوطن أكبر من الجميع.
في مسيرة العودة رأينا عنفوان الشباب الثائر الذين عبّروا عن حبهم لوطنهم بأفضل ما يكون، حيث سارعوا للمبادرة وتشكيل وحدات مختلفة لكل منها دور مناط به، من وحدة الكوشوك وقص السلك والطائرات الورقية الحارقة والسواتر الترابية وغيرها من الوحدات الميدانية، وكان لهم بصمات واضحة في أوجاع العدو خاصة وحدة الطائرات الورقية الحارقة.
وكثيرة هي الفئات التي شاركت في مسيرة العودة وكان لها دور بارز ولا زالت تقدم الجهود بكل رحابة صدر، وإن من أكثر الفئات التي أظهرت حباً جماً للوطن، وأظهرت قوتها ومناعتها ورفضت البقاء في كنف الراحة وآثرت الالتحام مع الجماهير لتقدم لهم خدمات تليق بحجم تضحياتهم، هم "أعضاء الأسرة الطبية"، حيث إن عطائهم واضح وضوح الشمس، فهم قد تركوا بيوتهم وذهبوا لميدان العودة كي يداووا جراحات أبناء وطنهم وهم يعلمون بأن الموتَ يتربص بهم، وأنهم قد لا يعودون لبيوتهم، فمنهم من قضى نحبه (رزان النجار) ومنهم من ينتظر.
ثم إن الاعلاميين قد أدركوا أن الإعلام نصف المعركة وعلى هذا الأساس أدركوا أن حبهم لوطنهم يقتضي إتقان دورهم بكل إخلاص في إيصال الرسالة للعالم وبرغم قوة الإعلام المضاد والإعلام الصهيوني فقد نجحوا في كشف اللثام عن وجه جيش الإجرام الذي ادعى أنه جيش أخلاقي، ولقد دفع الإعلاميون حياتهم وصحتهم ثمن حبهم لوطنهم بكل رضى ودون أن يرهبهم أو يرعبهم رصاص الاحتلال، فمنهم من قضى نحبه ( ياسر مرتجى) و (أحمد أبو حسين) ومنهم من ينتظر.
الكتاب وأصحاب الرأي: لا أخال أحداً من العقلاء يتأخر عن دعم أي فكرة يمكنها أن تخدم وطنه وتنهض به سواء كان هذا الوطن يخضع للاحتلال أم لا، فالواجب الديني حتى عند غير المسلمين يحتم عليهم دعم الوطن ولو بالكلمة أو الفكرة، ونحن كمسلمين لدينا أمر رباني (وحرّض المؤمنين على القتال)،فقد كان للكتاب دور كبير في دعم مسيرة العودة من خلال كتاباتهم التي تؤكد حقنا في ممارسة أي سلوك من شأنه إعادة حقوقنا وانتزاعها من براثن الاحتلال.
رواد الفن التشكيلي والرسم: أبدع أهل الفن والرسم في ترجمة أحداث مسيرة العودة وتحويلها إلى صور، خاصة الصورة ذات البعد الإنساني، والتي تترك أثراً في نفوس المشاهد الغربي وتدفعه للتفاعل مع مآسي غزة.
الخطباء والوعاظ في المساجد حيث إن لهم دوراً فعالاً في تحشيد الناس للمشاركة في مسيرات العودة وبيان أن حب الوطن هو جزء من العقيدة والدفاع عنه واجب شرعي (وحرض المؤمنين على القتال إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ).
هذه عينة بسيطة من جنود مسيرة العودة مما عرفهم الناس، وثمة جنود لا نعلمهم الله يعلمهم، نسأل لله أن يوفق كل مخلص لخدمة دينه ووطنه، و ختاما: يجب القول بأن مخطئ من يظن أن البندقية وحدها هي التي تؤلم الاحتلال، ومخطئ أيضا من يظن أنه غير قادر على خدمة وطنه.