هل يمكن اعتبار أن حبوب التخدير التي سقتها السلطة للجماهير على يد دايتون في الضفة الفلسطينية رغماً عنها منذ زمنٍ، قد بدأت تفقد مفعولها على دوار المنارة؟
وهل سيكون حراك المنارة عاملاً مهدداً لبقاء سيف عباس المسلط على ظهور الجماهير؟
وهل الحراك يؤكد الإيمان بشرعية منهج غزة في مقاومتها للاحتلال وكفر بمنهج السلطة الفاشل؟ وهل سينجح؟
لا شك بأن السلطة حاولت تعزيز فكرة الانقسام بين الوطن وأبنائه من حيث التقسيم الجغرافي والطبقي الاجتماعي وليس انتهاء بالتقسيم النفسي والقيمي من خلال خلق واقعين متناقضين، واقع مر متمثل في غزة_ بحكم أنها كما تدعى السلطة خارجة عن الشرعية_ وواقع أكثر رفاهية في الضفة بحكم أنها في نطاق الشرعية مع ما ترتب على ذلك من هبوط في بورصة القيم الدينية والوطنية عند البعض المتنفذ.
ولا شك أنها نجحت في ذلك بعض الشيء حيث استطاعت تمرير الكثير من القرارات المجحفة بحق القضية الفلسطينية وضد غزة على وجه الخصوص دون أن تجد رادعاً قوياً لها، لأن سيف الأمن هناك يطول كل لسان يعارضها.
لكن حراك المنارة _والذي لابد من الاقرار بأنه قد تأخر، لكن أن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي_، يؤكد أن التأخير ليس خللاً وطنياً عند الجماهير، أو أن الشعب هناك قد نسى الشعب هنا، بل إن مجموعة عوامل قوية تمنعهم من التعبير عن آرائهم فيما يتعلق بموضوع غزة وما تتعرض له من حصار وظلم ذوي القربى، ورغم ذلك تحركت الجماهير ليؤكدوا إعجابهم واعتزازهم بغزة وهتفت بأن (أيتها السلطة كفى ظلماً لأهلنا في غزة،،، ارفعوا ظلمكم الواقع عليها) وهذا يؤكد أن حبوب التخدير قد فقدت تأثيرها بعدما انكشفت سوءة قادة السلطة وكهنتها الذين يتفاخرون بأنهم يعملون مع الاحتلال ضد أحلام الشعب، والذين ما فتئوا يروّجون أن إجراءات السلطة ضد غزة تأتي في ظل المحافظة على المشروع الوطني الفلسطيني وأنها تمنع فصل غزة عن الضفة.
حراك من هذا النوع تخشاه السلطة وتخشى تمدده وتأصله والتي هي بالأصل تعاني من هشاشة في الموقف من غزة من حيث الوسيلة، فهم متفقون على الغاية التي هي تحرير غزة من حكم حماس إعادتها إلى حضن "الشرعية"، لذا بدأ الكثير من رموز السلطة بتشويه مظاهرات المنارة فقذفوها عن قوس واحدة بأبشع الاوصاف وبدؤوا يدغدغون مشاعر البسطاء بأنها مشبوهة، وتخدم أجندة خارجية، و بأن إجراءات الرئيس ضد غزة هي لمصلحة الوطن وبعضهم وقع في فخ التناقض بأنه لا يوجد عقوبات على غزة، ما يوجد في غزة إجراءات، وبدؤووا يبدون رغبتهم بالتوجه من جديد نحو قطار المصالحة رغبة منهم في امتصاص غضب جماهير المنارة..
تحركت الجماهير كي تعلن كفرها بمنهج السلطة التفاوضي الذي لم يجلب حقوقنا بل ضيعها في متاهات السياسة التفاوضية العبثية، وليعلن الحراك أن منهج غزة وبندقيتها وصاروخها وطائراتها الورقية الحارقة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني الذي عاني من نكبة ونكسة ولا زالت النكبات تتوالى والنكسات تتكاثر بعدما رمى الثوار البندقية في سلة المهملات.
وعن (وهل سينجح هذا الحراك في تصحيح مسار السلطة بخصوص غزة ولعب دور في صناعة القرار السيسي فيما يخص قضايا الوطن داخلياً وخارجياً؟) فيمكن القول إن قدرة هذا الحراك على تحقيق إحداث تغييرات في طريقة تعامل السلطة مع غزة يتطلب الاستمرار في الفعاليات وزيادة التحشيد الجماهيري لاستقطاب وضم فئات وفصائل واسعة إليه، ومنع اختراق أجهزة الأمن له، وعدم التعاطي مع وعودات السلطة التي ما منحت غزة أبسط حقوقها في الحياة رغم تهافت اتفاقيات المصالحة، وعدم الانصياع لمصطلحات فضفاضة لها رصيد لها على أرض الواقع، ثم إن ممارسة العصيان المدني في المؤسسات الحكومية هناك لمدة معينة قد يدفع السلطة بالتعاطي الايجابي مع هموم غزة.