ساعات قليلة ويغيب هلال رمضان، حيث أذِن بالرحيل وانتهاء الشهر المعظم عند الله وعند العباد لما فيه من عظيم الأجر والعمل والعطايا والمنح الربانية لعباده، وفي نهاية ووداع هذا الخير الكبير والبحر الوفير من البركات والطاعات أحببت أن يكون هذا المقال حاوياً لرسائل عاجلة في وداع هذا الشهر الأغر المكرم.
الرسالة الأولى: إلى الفرد صاحب الرسالة
إن صاحب الرسالة ليس ككل البشر والمقصد ليس تعالياً لكن يقيناً في كل أمة نخبتها الفكرية والرسالية وصاحب الرسالة نخبة، فهو شخص متميز له عقل واعٍ وهدف محدد ويسعى في تطوير ذاته وطاقاته وأيضا عبادته وطاعاته لذلك الرسالة الأولى له.
اعلم يا صاحب الرسالة أنك لست في عصمة من الزلل وأن رصيد العبادة مهما كثر فهو مرهون بالإيمان القلبي.
اعلم يا صاحب الرسالة أنك لست في عصمة من الزلل وأن رصيد العبادة مهما كثر فهو مرهون بالإيمان القلبي
وهنا مكمن النجاة لذلك فالعمل العمل والمزيد المزيد والإخلاص الإخلاص لرسالتك وفكرتك ودعوتك وسيرك ومسيرك إلى الله، فلا تتكئ على طاعات حتى لا تهبط عزيمتك أو تتعلل بالرخص فتميل للراحة ودون شعور يصبح الكسل عادتك، لكن أكثر من الطرق على الباب بقوة، ولا يغررك عملك ولا علمك و اسأل ربك الستر والإخلاص، ففيهم الخلاص والنجاة دنيا وآخرة، وليكن حصادك في رمضان زاداً للطريق وقوة في فهمه وثبات على محرابك وطاقة نور لصدق تجردك مع الله.
الرسالة الثانية: للمسلم الطائع لربه
هو ذلك النور الذي يسير في طرقات الدنيا علاقته بربه قائمة على الحب، يقوم من أفضل ساعات الراحة والنوم لينتصب إليه يدعوه يرجو رحمته ويخشى عذابه.
هو ذلك الكنز المتجرد من الآباء والأمهات الذين فطنوا حقيقة دنياهم فأتعبوا أجسادهم ليهنؤوا ويرتاحوا يوم القيامة بجزائهم الأوفى من الله المنعم المتعطف عليهم بالقبول والرضوان.
إلى هولاء أقول أنتم ذخر لنا بل من أسباب الرضا الإلهي بحسن دعواتكم وفضلكم ونقاء سريرتكم وفطرتكم الطاهرة لذلك لا تتكاسلوا أو يصيبكم الروتين في الطاعة، فالمسلم مجدد دائماً مبدع في الوصول إلى ربه بشتى الوسائل طالما الغاية عظيمة وطاهرة ويقينا لاتحرمونا من صالح دعواتكم بعد رمضان.
الرسالة الثالثة: للشاب العائد إلى ربه
لذلك الشاب الذى تخطفته الدنيا قبل رمضان وظل معرضاً أياماً وأياماً حتى دعا داعي الإيمان في قلبه فاستجاب وأناب وذهب مهرولاً لصلاة الفجر واقفاً خاشعاً يسمع الإمام وهو يقول {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} [الزمر:53] فانهمر بحر الدمع والندم على وجهه دون شعور منه معلنا عودته وتوبته واستقامة قلبه ووجدانه وإعلان صلح مع الله في بيته.
لهذا الشاب أقول اثبت على طريقك، لا تغتر بمن حولك، لا تسمح لمعوقات الطاعات أن تحول بينك وبين ربك مجدداً، اركل شياطين الإنس بقدميك وتقدم، فأنت قوي، فقد رفضت كل إعلامهم وضالاتهم ومغرياتهم في رمضان وذهبت إلى ربك عائدا مستغفراً فمسيرك الآن أقوى فلا تتكاسل أو تركن للمعاصي مجددا فالمرء لا يدرى على أي حال يباغته الموت، فاحرص أن تكون في قوافل العائدين التائبين وأن لا تتوقف عن المسير إلى ربك بعد رمضان.
الرسالة الرابعة: للمتردد في العودة
هو ذلك الفرد الذى يناديه قلبه للطاعات فيفكر ويطيل التفكير وفجأة يناديه عقله للبعد عن الطاعة والاستمتاع واللهو فيفكر لكنه يستجيب على مضض وكأنه يخاطب نفسه قائلا "ما باليد حيلة" فهو بين التلاوم تارة والإعراض أخرى وتمني الخير والنجاة مرات ومرات وهذه النوعية من العباد مقلقة لنفسها ولمن حولها، فالتردد حول حياته ارتجالية غير منضبطة ومن كان متردداً في علاقته بربه فهو في علاقاته مع الآخرين أشد تردداً.
لكن يا أخي الحبيب إن الخير فيك وفي قلبك وهو موجود بأمتنا الإسلامية إلى يوم القيامة لذلك حدد بوصلة قلبك وثبتها تجاه الطاعات ولاتستجب لوساوس العقل أو شياطين الإنس فيوم القيامة يتبرأ كل حبيب من حبيبه إلا رفقاء طريق المحراب والتواصي بالخير والعبادة.
كما قال ربنا {الأخلاء يؤمئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} [الزخرف:67]، وإن كان قلبك تردد أن يستقيم في رمضان فألح على ربك أن يغفر تقصيرك وأن يتعلق بالطاعة ويشتاق إليها في الأيام الخوالي بعد ذلك، المهم لا تجعل ترددك حائلاً بينك وبين ربك فالطريق واضح فلا تتأخر.
الرسالة الخامسة: للتائه عن الطريق
هو ذلك الفرد الذي تتخبطه الدنيا تارة ورفقاء السوء تارة وميله للمعصية تارة وسعيه لجمع الأموال من حرامه وحلاله مرات ومرات.
هو ذلك العبد الذي تاه قلبه وعقله عن طريق ربه فلا يتذكره في حياته أو يجعله في قاموسه، فلا زال القلب به مشكلة دليل الوصول والعقل به معضلة اتجاه الطريق.
فهو أبعد نفسه بعيدا عن ربه وجعل بينه وبين ربه مسافات كبيرة حولها لمطبات وعقبات بناها من كثرة إعراضه وطول غيابه فهو تائه بنفسه عن ربه.
فيا أخي الحبيب الطريق واضح وبوصلته معروفة ومعالمها محددة أخبرنا بها ربنا في كتابه {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} [الأنعام:153].
إن اتباعك أي سبيل غير سبيل الله يزيد من التيه ويعمق الغفلة وإن كنت تدرك وضعك فاعلم كم أنت على خطر ولن ينفعك إلا العودة ولن تشعر بكيانك إلا باستقامة روحك وعقلك وجسدك إلى سبيل ربك.
ولن تهنأ في حياتك إلا برجوعك إليه وبالسعي صوب محرابك فهو طوق لنجاة من التيه والقلق والخوف والحزن فاستعن بالله ولب نداءه واجعل من حياتك الجديدة إعلاناً لزوال إعراضك عن ربك.