"بلا طعمٍ، بلا لونٍ، بلا رائحة" هذه أبسط كلمات تعبر عن وصف أهل غزة لرمضان عام 2018 حيث تستقبل غزة رمضانها وهي محملة بالأوجاع التي راكمتها 12 عاما من الحصار لتصل إلى ذروتها في هذا العام، ليصبح وكأنه "عام الرمادة" فلا ماء ولا كهرباء ولا دواء ولا غذاء ولا أموال تصل لغزة، والسبب ظلم ذوى القربى الذي هو أشد مضـاضـة على المرء من وقع الحسام المهند كما قال الشاعر الجاهلي "طرفة بن العبد"، حيث الفقر يضرب أنيابه في جيوب أهل غزة فيمنعهم من الاستمتاع بالشهر الفضيل، فلا الأرحام وُصلت، بل كانت الأكثر تضرراً من قلة المال الوارد لغزة بحكم سياسة قطع الرواتب، فهي قد وضعت المواطن الفلسطيني بين خيارين: إما أن تذهب لزيارة أرحامك بلا هدية لأن الوضع صعب ويصعب معه حمل هدية، وإما ألا تزور رحمك، وهنا يجب الإشادة بالمبادرة التي انتشرت (لا أريد هدية منك... دعني أراك في بيتي).
كما أن الوضع الصعب أثر كثيرا على الزكاة، فكما أن الارحام لم توصل، فإن زكاة الفطر لم تدفع، لأن الغالبية العظمى لا تنطبق عليها شروط إخراج الزكاة بسبب قلة ذات اليد، ولا الفرحة دخلت قلوب الأطفال بحكم أن الأب عاجز عن شراء ما يسر الأطفال من ملابسٍ وألعاب، لأنه عن توفير الطعام والشراب والدواء، أعجز.
لقد غاب عن مائدة الإفطار والسحور أبسط أنواع الطعام، فالكثير من العائلات تفطر على القليل الذي بالكاد يشبع الصائم، وتتسحر على ما تبقى من طعام الإفطار الذي بالكاد يقيم صلبه و يقويه على الصيام في نهار رمضان الحار، ولك أن تعلم أن الكثير من العائلات لم تتناول اللحم أو الدجاج منذ بداية رمضان، ليس من باب الزهد بل من باب العجز، ورغم أن أسعار السلع رخيصة إلا أن المال معدوم لدى العائلات للشراء، ولك أن تتخيل أن أسرة لا تملك دولاراً واحداً في بيتها.
في غزة التي تعاني من مشاكل حياتية كثيرة، فإن مشكلة انقطاع الكهرباء تزيد المعاناة، حيث ارتفعت معدلات فصل التيار الكهربائي لتصل إلى 20 ساعة يومياً، حتى أنه بات من الصعب أن تُفطر وتتسحر بوجود الكهرباء، لك واحدة فقط، إما أن تُفطر وإما أن تتسحر، ويحدث أن تتسحر وتفطر على العتمة.
الكثير من المصانع والشركات والمحلات التجارية ومزارع الأبقار والدواجن أقفلت أبوابها وأصبح صاحبها بلا عمل وعاملوها بلا عمل، لأن الوضع الاقتصادي وصل لمرحلة متقدمة من التدهور وسوء الحال.
في غزة انسحب الكثير من الطلبة من مقاعدهم الدراسية الجامعية بسبب عدم قدرتهم على توفير الرسوم الجامعية، بعدما تدهورت أحوال أبائهم، وهناك من يهدد غزة بوقف الحوالات المالية التي يرسلها أبناء غزة في الخارج لذويهم.
قد يقول قائل: أين ما يأتي لغزة من مساعدات؟
إن الإجابة تكمن في أن غزة المنهكة بحصارها منذ عام 2006 قد فقدت كل مقومات الإنتاج المادي وأصبحت مستهلكة فقط، فصناعة أي شيء بغزة يتطلب توفير مواد التصنيع من الخارج، وهذا الأمر صعب بحكم إغلاق المنافذ من وإلى غزة.
وهذا جعل المساعدات القادمة لغزة لا تكفي ولو بنسبة 20% لأنها تحتاج أكثر مما يأتيها كي تنتقل من مرحلة ما تحت خط الصفر، وتصل إلى جانب الصفر ثم تبدأ بالنمو!
إن ربط القضايا الإنسانية بالسياسية هي أكبر كارثة قد وقعت على رأس غزة، فقد تم توقيف الرواتب وتقليصها واغلاق المعابر ومنع إصدار الجوازات لأهل غزة ووقف التحويلات الطبية للخارج، طبقا لرغبات سياسية.
لكن رغم ما بقلوب أهل غزة من غصة وألم، إلا أنهم سيستمرون في الحياة، ولن يستسلموا، وهذا أسلوب غزة في إعلان جدارتها بالحياة كما قال الشاعر محمود درويش.