على غرار ما قاله الشاعر العباسي أبو تمام (السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ... في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ) والذي أكد فيه على دور السيف في تحقيق المراد وفعل ما يعجز عن فعله الكتاب، يمكننا القول بأن (الصورة أصدق إنباء من الكلمات) لأن ما تراه العين سواء كان صورة ثابتة أو مشهد فيديو متحرك له وقعٌ كبيرٌ في تحريك نفسِ المتلقي، فرب صورة تقوم مقام ألف كلمة، لأنها تختزل الكلمات وقد تغير سياسة فرد أو تنظيم أو دولة إلى النقيض، وقد تحشد جماهير غفيرة لنصرة قضية معينة وتغير اتجاهاتها، ورب فيديو بسيط يحرك مشاعر جياشة في نفس المشاهد فهو يُظهر المشهد من جوانب عديدة خاصة إن كان في الصورة أو المشهد قصة انسانية مؤثرة.
وهذا ما حدث مع فيلم "طريق السموني" الذي أوصله المخرج الإيطالي "ستيفانو سافونا" إلى حيث "مهرجان كان" جنوب فرنسا، والذي يتحدث عن مجزرة راح ضحيتها تسعة وعشرون شهيداً من عائلة واحدة في قطاع غزة بتاريخ 4يناير عام 2009خلال العدوان الذي شنه الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة عام 2008_2009.
ولأن "ستيفانو سافونا" استخدم عناصر مرئية قوية التأثير جعلت لجنةُ التحكيمِ بعدما رأت المشاهدَ والمآسي تبدي تضامنها، وتقف دقيقة صمت ترحماً على أرواح الضحايا،ةوتمنح "طريق السموني" جائزة "العين الذهبية" لأفضل وثائقي في المهرجان، رغم أن جوائز مهرجان "كان" تمنح لأعمال بعيدة عن هذا النوع من الأفلام.
يقول مخرج "طريق السموني" الذي كان يصور العدوان على غزة يوميا: إنه حاول أن ينقل بدقة ما جرى لعائلة السموني، ونظراً للكم الهائل من شهادات الناجين التي وقف عليها، قرر العودة بعد ذلك بعام ليحضر حفل زفاف للعائلة نفسها، ثم عزم على رواية حكاية العائلة قبل وأثناء وبعد فقدانها فلذات أكبادها، وفي مواجهة نقص الصور، استعان "سافونا" بسينما التحريك التي تسمح بطريقة ما بإرجاع الموتى، مضيفا "كان الوضع مأسويا في غزة قبل 25 عاما، وقد تفاقم الوضع، وجلّ ما أردته هو إبراز هؤلاء الأشخاص وإعطاؤهم الكلمة".
إن ما قام به "ستيفانو سافونا" إنما هو من قبيل ممارسته لإنسانيته الرافضة للظلم الذي يقع على الإنسان بغض النظر عن جنسه وجنسيته وديانته وموقعه الجغرافي، وإلا ما الذي يدفعه وهو غير مسلم وغير عربي أن يتناول قضية كهذه، وما الذي ينقصه كي ينسى الانشغال بها؟ الجواب نجده في يافطة لمواطنة غربية تتضامن مع أهل غزة حينما قتلت دولة الاحتلال اكثر من 100شهيد خلال مسيرة العودة تقول: (لا يلزمك أن تكون مسلماً لتقف مع غزة، يلزمك أن تكون إنسانا).