بعد إغلاق المدارس والجامعات أبوابها، معلنة انتهاء العام الدراسي، وبدء الإجازة الصيفية، يشرع الكثير من الشباب والشابات في إهدار وقتهم دون أي استثمار، رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ) (رواه البخاري)، وكثير من الطلبة يجهلون كيفية استثمار عطلتهم بما هو مفيد، ويعود بالمصلحة عليهم بالدرجة الأولى.
وهنا، لا بدّ أن يكون للآباء وقفة مع أبنائهم في توجيههم للاستفادة من الإجازة الصيفية، فكيف نحثّ أبناءنا على قضاء إجازة صيفية مفيدة؟
مدرب التنمية البشرية "محمد أبو القمبز" يرى أن الإجازة ليست من أجل الراحة المطلقة، وإنما الأصل فيها أن تكون للاستثمار بالشكل الإيجابي، مع وجود أوقات كالفواصل بين الإنتاجية والراحة.
وعن كيفية ومضمون الاستفادة من الإجازة قال "أبو القمبز" في حديث لـ"بصائر": "يفضّل أن يكون هناك توازن في الاستثمار؛ لتحقيق أفضل النتائج المرجوة من استثمار الإجازة، التوازن بين نواحٍ مختلفة: تطوير واكتساب مهارات جديدة، وزيادة الوعي بالتزوّد بالمعارف الجديدة، وتبني سلوكيات واتجاهات إيجابية".
الإنتاجية والراحة يمكن أن تَتَحققا معًا بتنظيم الوقت، ويقول "أبو القمبز": "يمكن تحقيق أعلى إنتاجية من خلال تقسيم الوقت إلى عدة مهام، تحقق أهداف مختلفة ، من بينها الاستعداد للعام الدراسي القادم، من خلال تطوير المهارات، وتعميق المعارف، إضافة إلى إيجاد وقت للراحة، وممارسة الهوايات التي تساعد على زيادة الطاقة والنشاط".
وعمن لم يتعود تنظيم وقته يضيف: "بداية الطريق إلى ذلك الشعور بقيمة الحياة، فعند شعور الشخص بأهمية ما يقوم به، يرجع إلى تنظيم وقته بالشكل الأفضل، وهناك أدوات مختلفة وسهلة تساعد على هذا التنظيم، من أهمها برامج الجدولة المتوافرة على أجهزة الجوال، ودفاتر الملاحظات التي تساعد على كتابة المهام".
ومن يتعلّل بأن الحصول على الدورات وغير ذلك من أساليب تطوير المهارات يحتاج إلى المال، ينصحه "أبو القمبز" بالحصول على المعارف والمهارات المطلوبة من خلال البحث على (الإنترنت)، والتعلم الذاتي، أو من خلال البحث على دورات مدعومة من قبل مؤسسات المجتمع المدني.
خطوات عملية:
ومن الخطوات العملية التي يمكن اتباعها -بحسب ما يذكر أبو القمبز- وضع أهداف محددة، ووضعها في مكان يُرى يوميًّا، وكتابة خطة عمل؛ لتحقيق الأهداف المرجو تحقيقها، إضافة إلى تحقيق أعلى توازن في الخطة من خلال وضع مهام بين الاستثمار الإيجابي والراحة، مع ترتيب الأولويات.
من جهته أشار الدكتور "ماهر الحولي" -أستاذ الفقه وأصوله في الجامعة الإسلامية بغزة- إلى حديث الرسول صلى الله عليه سلم حينما قال: (اغتنموا خمساً قبل خمس، ومنها: فراغك قبل شغلك) (رواه الحاكم)، وقال: "حديث نبينا الكريم إن دلّ على شيء، فإنما يدلّ على ضرورة استثمار الوقت، واستغلال الطاقات والقدرات والإمكانيات التي توجد عند الأطفال والشباب".
وأضاف في حديث لـ "بصائر": "لذا من واجبنا أن نحثّ أولياء الأمور على ضرورة توجيه أبنائهم لما هو مفيد، كحفظ القرآن الكريم، وحفظ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، والرياضة المفيدة، والاشتراك في المخيمات الهادفة التي تحمل جملة من الوسائل الطيبة، وصاحبة الأهداف السامية والمعروفة، فواجب ولي الأمر في هذا أن يوجّه ابنه لاستثمار الوقت وفق الآداب والأخلاق التي جاءت بها الشريعة".
وأكمل حديثه: "يخطئ من يظن أن الإجازة الصيفية للراحة واللعب فقط ومضيعة الوقت، علينا أن ننتبه إلى خطوات أبنائنا، واستغلال الإجازة في الاستفادة ، وهناك أبواب كثيرة في هذا الجانب، منها: المخيمات الصيفية التي تعلّم الأبناء بعض القواعد المهمة".
-السباحة والرماية:
وأشار إلى: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شجّع على هذا من خلال كلامه: "علموا أبناءكم الرماية والسباحة وركوب الخيل"، وفي كلامه هذا، يشير إلى ثلاثة أنواع من الرياضات يمكن قضاء الوقت في تعلمها، كما أنها تقوّي البنية، وتساعد على نشوء شباب مسلم قوي يعرف أساليب الجهاد".
وزاد: "كذلك في حديث آخر لرسولنا الكريم يقول: (ألا إن القوة الرمي) (رواه مسلم)، فمجموع هذه النصوص وغيرها تدل على الاهتمام بجسد الإنسان وبنيته بوسائل متعددة، كما أن هناك الكثير من الرياضات والنوادي الخاصة في هذا الأمر، ومنها الكاراتيه والتيكواندو وركوب الخيل".
ومضى بالقول: " كذلك فالأمر ليس بالهيّن كما نعتقد، وهذا كله يعتمد على مدى الثقافة التي يتمتع بها ولي الأمر، فليس من المعقول أن تكون بنية الطفل ضعيفة، ولا يستطيع القتال، ونسجله في الكاراتيه أو الألعاب القتالية الأخرى، التقدير له دوره الخاص الذي يجب أن نأخذه بعين الاعتبار، كذا فإن بعض الأطفال يتمتعون بقدرة عالية على الفهم، وهم أذكى من أقرانهم، هؤلاء يمكن استغلال ذكائهم هذا على سبيل المثال في برامج حساب الذكاء العقلي".
-تنمية القدرات:
وشدد "د.الحولي" على "دور الأمهات كذلك في تنمية القدرات عند الفتيات، فكلٌ مِنْ أبنائنا له هوايته الخاصة التي يجب علينا أن ننميها وأن نستغلها في شيء مفيد، يستطيع من خلاله أن يبني شخصيته القيادية فيما بعد، ويعزز من ثقته بنفسه".
أما الداعية "عمر نوفل" فقال : "الأجدر بالإنسان -كبيرًا وصغيرًا- العمل على الاستفادة من وقته بما يعود بالمصلحة عليه؛ لأنه مُحاسب على كل دقيقة في حياته؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديثه: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع -ثم ذكر- عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه) (رواه الترمذي)".
وذكّر "نوفل": "بما ورد في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، وإن لزورك عليك حقاً) (رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري)، -مبيناً- أنه يجب على الإنسان أن يعمل على إحداث حالة من التوازن بين جميع الأمور بما يحقق مصلحة شخصية لنفسه، وفي تعامله مع الآخرين وأهله، ومع الله سبحانه وتعالى".
وبيّن: "أنه لا بدّ من أن يكون التوازن في العمل حسب الأولويات، فموعد الصلاة للعبادة، وكذلك الأهل لهم أولوية، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (روحوا عن القلوب ساعة فساعة) (رواه الديلمي وأبو نعيم والقضاعي)، -لافتاً إلى- ضرورة الحصول على قسط من الراحة، فهي تجعل الإنسان يعود للعمل بنشاط".
ونوّه نوفل إلى: "أنه يقع على الآباء دور مهم في وضع برنامج صيفي لأبنائهم، تتنوع فقراته ما بين حفظ القرآن، ومراجعة الأمور الشرعية، والمحافظة على الصلاة، ومتابعة بعض القضايا التربوية، والترفيه والتنزه الذي يمكن استغلاله في تسريب معلومات عامة، ونصائح تربوية".