للجمعة الحادية عشر على التوالي يواصل الفلسطينيون في غزة مطالباتهم بحق العودة لأراضيهم وديارهم التي هجروا منها قسراً قبل سبعين عاماً، فلا الصيام ولا حر الشمس ولا وابل الرصاص أوقفهم عن استمرار المسيرات على حدود غزة التي تكابد الحصار وتضحي بالشهداء والجرحى في كل يوم.
مشهد أذهل الجميع وأرعب الاحتلال الذي أصبح جل همه أن تتوقف الحجارة والطائرات الورقية الحارقة وأعمدة دخان "الكوشوك".
مسيرات العودة أحرجت الاحتلال عالمياً
الإعلامي ينال فريحات قال في حديثه لبصائر إن فترة ما قبل مسيرات العودة كانت حرجة جداً بالنسبة للمقاومة في غزة على الصعيد الداخلي والخارجي بسبب الحصار؛ فالمقاومة التي استطاعت من خلال السلاح تحقيق معادلات جديدة في جانب توازن الرعب إلا أن البيئة السياسية والإقليمية والدولية لم تساعد حماس في تحقيق إنجازات سياسية بعد انتهاء معركة العصف المأكول؛ حيث تم الاتفاق على فتح المعابر والميناء وبناء مطار وهذا كله لم يتحقق.
وأضاف فريحات: مسيرات العودة هي شكل جديد من أشكال النضال حيث تميزت من عدة نواحي، فهي وجهت الفتيل الذي كان سينفجر في وجه الحكومة بغزة نحو السبب الحقيقي للحصار وهو الاحتلال وهذا بحد ذاته انتصار، كما فندت الرواية الإسرائيلية الموجهة للمجتمع الدولي وعلى الرغم من عدم التكافؤ في القوى والإجرام الإسرائيلي بحق المدنيين في غزة إلا أن الاحتلال يتذرع دائما بأن الصواريخ التي تطلقها المقاومة هي سبب العدوان وأنها تضطر للرد عليها لكن المقاومة قلبت الطاولة على هذه الرواية وهنا يكمن النجاح الإعلامي كون أن المسيرات مدنية سلمية بحتة؛ ولا يوجد للاحتلال أي حجة لتقوية روايته؛ كما أن مسيرة العودة أحرجت كل من لا يؤمن بالمقاومة المسلحة سواء من العرب أو بعض التيارات الفلسطينية؛ إذ إن النضال السلمي أحرج الاحتلال فهو الآن يواجه مدنيين عزل بالسلاح؛ وقتلهم وارتكاب مجازر بحقهم هو إضعاف لموقفه ولروايته عالمياً.
واعتبر فريحات أنه ومما يقوي موقف المقاومة إعلامياً وجود القيادات وعائلاتها في الصفوف الأولى من المسيرة؛ ما يعني أن المقاومة لم تضع الشعب في المقدمة ولم تتاجر به وتتربع هي في الفنادق والقصور؛ هذا أعطى المقاومة قوة وقيمة أكبر في هذا النمط النضالي الجديد.
وأكد فريحات على أن المقاومة نجحت في تعطيل تصفية القضية الفلسطينية وصفقة القرن التي كان يخطط لها؛ كما عطلت موضوع نزع سلاح المقاومة؛ إذا كانت هناك نوايا بحرب عسكرية والقضاء على غزة وتطبيق صفقة القرن وترحيل السكان لسيناء وتوسيع المستوطنات في غزة والصمت عن الحصار المطبق على غزة بحجج واهية؛ الآن لم يعد الاحتلال يفكر بنزع السلاح هو أمام مشكلة إنسانية بحتة.
ابتكار جديد
الإعلامي عمر عياصرة قال في حديثه لـ"بصائر" إن القضية الفلسطينية وصلت لمرحلة مفصلية؛ ليست في إقدام الفلسطيني على تحرير الأرض، بمعنى أنه الآن هناك إرادة فعلية من الولايات المتحدة الأمريكية وانحياز أيديولوجي لتصفية القضية، وبالتالي لا بد أن يكون هناك استجابة من الفلسطينيين والمنطقة المؤهلة، صحيح أن غزة هي الأكثر فقراً وعوزاً وتعاني من الحصار وفيها إشكالات كبيرة لكن غزة هي الأكثر أهلية أن تقوم بهذا العمل بسبب التعبئة وفسيولوجية وبنية الإنسان الغزاوي والنظام السياسي الحاكم كونه نظام يقوم على المقاومة، وبالتالي هم ابتدعوا طرقاً خلاقة وإبداعية تتعلق بالمطالبة بالعودة بطريقة سلمية مفادها: "أنا إلي أرض بدي أرجع عليها" هذا أرعب الإسرائيليين وأحرجهم خاصة في توقيت نشوتهم المتعلقة بالسفارة.
وأضاف: ردود الفعل العربية ضعيفة وردة الفعل في الضفة لا ترقى لمستوى الحدث، لكن الفلسطيني وجه من خلال مسيراته رسائل واضحة من غزة أن صفقة القرن لن تمر وأن الفلسطيني متمسك بأرضه وأن كل الحلول النهائية لا زالت في عيون الفلسطيني خياراً لا يمكن التنازل عنه ناهيك عن هذه المسيرات التي أسقطت خيار أوسلو.
وأضاف: "إسرائيل" عاشت ثورة لم تعشها منذ عام 1948، فهي الآن أخذت انحياز أكبر دولة في العالم، فالرؤساء الأمريكيون السابقون كانوا منحازين للكيان سياسياً، لكن ترامب منحاز له دينياً وعنصرياً وعقائدياً وأيديولوجيا الأمر الذي جعل الاحتلال يعتقد أن هذه الخطوة ستحقق خطوات أخرى لتثبيت الدولة اليهودية لكن فعلياً القدس كانت ولا تزال محتلة والجديد اليوم هو التغير في الموقف الأمريكي.
ويرى عياصرة أنه رغم وجود إرث في قضية مطالبة الفلسطينيين بالعودة، كون هذه الفكرة متجذرة في عقل الفلسطيني منذ عام 1948، إلا أن الشكل وطبيعة مسيرات العودة الأخيرة تعتبر ابتكاراً غزاوياً.