ليس كالإسلام دين أنصف الإنسان كمخلوق، فالله كرّمه، ورفع شأنه، وفضله على كثير من خلقه، فصار مكرماً في ذاته البشرية، بكينونته التي تحمل كل الخصال المنتمية للسماء، بحكم نشأة الروح التي هي من أمر الله، وكل الصفات المادية النابعة من الأرض، والتي تهبه القدرة على الحركة فيها.
-"إنما النساء شقائق الرجال":
وقد ميّز الله عز وجل خلقته تلك بأمانة أشفقت منها المخلوقات جميعها، أمانة "الاختيار" و "الحرية"، والسير في السبيل الذي بيّنه الله بإرادته الكاملة، قال تعالى: {إنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}[سورة الإنسان، آية:3]، وفي كل آيات التكليف لم يميّز كلام الله بين رجل وامرأة، وفي قليل من الآيات خصّ خطاباً مفصّلاً لهما، ليس للتفريق، وإنما لتأكيد المساواة الإنسانية لكليهما، فقال تعالى: {من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب} [غافر،آية:40].
-تعطيل متعمد، أم أخطاء تاريخية؟
أصبحت فكرة التغيير الحضاري، والتغيير المجتمعي في بلاد المسلمين ضرورة حتمية، ترقى لأن تكون واجب الوقت لإنقاذ ليس المسلمون وحدهم، وإنما إنقاذ العالم من تغوّل المادة، وغياب الجانب الإنساني، مما يهدّد استمرار الحياة على الأرض، وتقتضي تلك المهمة استثمار كافة الجهود الموجودة على الساحة للعمل، فهل يمكن تحقيق فكرة بهذا الحجم بمؤسسات وتنظيمات تخلو من مشاركة واعية، وحضور قوي لنصف طاقة المجتمع بما يتناسب مع ما تمثّله المرأة في المجتمع والأمة؟ هل يمكن أن يحدث ذلك التطور المجتمعي والحضاري المنشود، بينما المرأة مستثناة تماماً في كافة التنظيمات بمختلف أحجامها؟
لقد أثارت قضية المرأة المسلمة جدلاً واسعاً بين أهل الفقه وأهل الحديث، والمجددين، والسلفيين وغيرهم، منهم من غالى في مسألة دور المرأة وحقوقها، ومنهم من قصّر لدرجة أن أفتى بتحريم تعليمها، أو خروجها من بيت أبيها إلا لبيت زوجها.
وبين التفريط والإفراط، ظلّت قضية المرأة مجرد جدال لغوي، فلا المرأة حصّلت حقوقها، ولا المجتمع استطاع أن يوظّفها كما يجب، استثماراً لإمكاناتها وطاقاتها الكبيرة.
فبعد مرور العالم الإسلامي بفترات انحطاط فكري وهبوط حضاري، اكتسبت المرأة أوصافاً وقوانين، فرّقت بينها وبين شقيقها الرجل، فحرمت من تحصيل العلم، وارتياد المساجد، والعمل، حتى بدأت الحركة الإسلامية في النصف الأول من القرن التاسع عشر مع ظهور "الطهطاوي" ثم "الأفغاني" ثم "محمد عبده"، وأخيراً الشيخ "البنا" رحمه الله الذي أولى المرأة اهتماماً خاصاً بإنشاء قسم الأخوات في جماعة الإخوان المسلمين، لكن يبدو أن ذلك الإجراء لم يكن كافياً للفت نظر القائمين على الحركة الإسلامية إلى أن هناك طاقة مهدرة، تمثل نفس حجم الطاقة العاملة بالفعل، فكيف نعطلها أو نستغني عنها.
-أين المرأة في الحركة الإسلامية اليوم؟
والإشكالية الكبرى، أننا حين نرصد وضع المرأة في الفكر الإسلامي، نجد أن من يعبر عن ذلك أقلام الرجال وليس النساء، وكان الأولى أن تقوم المرأة نفسها بتصدر المشهد، على اعتبار أنها الأقدر على فهم ما تعانيه، وما يمكن أن تعطيه للأمة.
حين نرصد وضع المرأة في الفكر الإسلامي، نجد أن من يعبر عن ذلك أقلام الرجال وليس النساء، وكان الأولى أن تقوم المرأة نفسها بتصدر المشهد، على اعتبار أنها الأقدر على فهم ما تعانيه، وما يمكن أن تعطيه للأمة
وكانت النتيجة مخرجات بعيدة عن الموضوعية، وبعيدة عن الجدّية في وضع الحلول، لتكون مجرد نظريات غير قابلة للتطبيق.
والحركة الإسلامية هي جزء من المجتمع الإسلامي الكبير، تأثرت ببعض التقاليد البالية ، بل لم تسلم العقيدة من الاختلاط بالتقاليد والعادات المتوارثة، وأصبح البعض يراها ديناً يجب اتباعه، منها على سبيل المثال: بعض مظاهر الاستبداد، والنظرة العامة إلى المرأة، فقد حاولت الحركة الإسلامية القيام بحركة تطوير وتجديد، وظلّت فكرة تطوير ملف المرأة بعيداً عن حركة التجديد تلك، فأبعدوها عن مراكز القيادة واتخاذ القرار، على عكس ما كانت عليه في دولة النبوة وحكم الراشدين، حيث شاركت الرجال في تحمّل تبعات إيمانها منذ اللحظة الأولى، والمأساة الكبرى أن تجد مراكز صنع القرار، مثل مجالس الشورى، والمكاتب التنفيذية والإدارية، تقتصر عضويتها على الرجال الذين يضعون السياسات الخاصة بالرجال والنساء معاً، فبأي منطق تكون مناهج التربية للفتيات أو النساء مما يضعه الرجال!
ويعلّل البعض ذلك بأنه لا توجد الكوادر النسائية المؤهلة لاحتلال تلك الوظائف، وفرض نفسها على الساحة، في حين لا يعترف هؤلاء أن كمّ المعوقات التي توضع أمام المرأة كبير، أدناها أن اعتراف الرجل بها غير كاف!
أمر آخر، وهو أن المطالبين بتحريك دور المرأة في الحركة قد حصروها فقط في العمل النسائي، على عكس ما حباها الله به من قدرات وطاقات تستوعب الكثير من المجالات.
إن المطالبين بتحريك دور المرأة في الحركة قد حصروها فقط في العمل النسائي، على عكس ما حباها الله به من قدرات وطاقات تستوعب الكثير من المجالات
-مسؤولية المرأة في تلك الإشكالية!
الإسلام وضع قواعد التعامل الإنساني حقاً وواجباً للإنسان ككل، وعلى كل فرد أن ينتزع ذلك الحق ممن يمنعه، والمرأة كما كانت جزءاً من المشكلة باستسلامها للوضع القائم عبر العصور، يجب عليها هي أن تنتفض وتعي حدود أزمتها، وتبادر وتضع حلولاً لها، ولا تنتظر أحداً أن يتحدث عنها، باعتبارها الأكثر قدرة على فهم طبيعة خلقتها.
والحل كما أراه ليس عند المفكرين في الحركة، ولا المنظرين، ولا المؤتمرات، أو مراكز القيادة، الحل يوجد لدى المرأة ذاتها، المرأة التي هي جزء من الصحوة والحركة الإسلامية، والتي أثبتت في وقت أزمات الأمة أنها قادرة على الصمود والعطاء والإبداع، نجدها في فلسطين ومصر واليمن وتونس وسوريا، وقد حملت قضية التحرير؛ لتكون شهيدة، وأُمَّاً لشهيد، وزوجة لشهيد، وأختاً لمجاهد، ومجاهدة تتقدم الصفوف.
إن أمام المرأة اليوم عدّة تحديات يجب أن تتوقف لها:
1 ـــ أن تقوم بتأهيل ذاتها بنفسها، تأهيلاً جامعاً يتوافق مع احتياجاتها أولاً، واحتياجات أمتها ثانياً، بغير انتظار تشجيع من الرجل، أو تقديم مساعدة منه، فالخطاب القرآني كان مباشراً لها وله على السواء، فليس عليها طلب المساعدة فيما يخصّها، بل القيام بالعمل الفعلي، وفرض ذلك على مجتمعها وحركتها.
2 ـــ أن تقوم المرأة بوضع تصوّر واضح يخص قضيتها، خاصة بعد أن خاضت كل التخصصات العلمية، فهي لا تفتقر للكوادر القادرة على صنع التحوّل المطلوب، وقد آن لها أن تكفَّ عن المطالبات والشجب والانتظار، وتفرض التصوّر الفقهي الواضح الذي يخرجها من دائرة المتفرج المنتظر، تصوّر يقدم حلاً واقعياً مستمداً من روح الشرع، ومسايراً لواقع الأمة، بل العالم، يعبّر عن العمق في الفهم والشمول المعرفي، وأن يكون ذلك بتعاون نسائي داخلي، لا نسائي رجالي، تتعاون فيه صاحبات الفكر على مستوى العالم العربي والإسلامي؛ لتكون الفكرة أوقع وأكثر عمقاً.
على المرأة المسلمة أن تعرف معنى التوازن بين حياتها كزوجة، ودورها في الحياة العامة، فحال المرأة الواعية قبل الزواج يختلف عما بعده بمراحل، وقليل جداً من تستطيع أن تتفادى الوقوع في ذلك
3 ــ على المرأة المسلمة أن تعرف معنى التوازن بين حياتها كزوجة، ودورها في الحياة العامة، فحال المرأة الواعية قبل الزواج يختلف عما بعده بمراحل، وقليل جداً من تستطيع أن تتفادى الوقوع في ذلك، ولذلك لا نجد أسماء مبدعات في المجالات المختلفة إلا معدودات على أصابع اليد الواحدة، تكون الواحدة منهن قد تجاوزت مرحلة الشباب من العمر، وذلك لانشغالها في بداية الحياة بأعباء البيت كاملة منفردة.
لقد آن الأوان أن تتبوأ المرأة مكانتها، وتتحمل تبعات تلك المكانة، وآن للقائمين على الحركة الإسلامية الاعتراف بقدرتها على الصمود، والثبات والتجديد والإبداع، إن هي توفّرت لها الظروف المناسبة.