تحدثنا في الجزء الأول من المقال عن الإباحية الفكرية تعريفاً وأسباباً، وبيّنا أن أهم أسبابها هو: ظلم الطغاة، ووجود الأنظمة القمعية التي تسعى لتفريغ الشباب كمستهدف من الخارج والداخل، فارغ العقل والمضمون، وصيداً ثميناً لكل تحرر مكذوب هادم للثوابت، طاعن في العقيدة والأصول.
واليوم نتحدث عن العلاج والنجاة من هذه الإباحية المنتشرة، والتي تتمدد بفعل عوامل عدة، أبرزها: غياب العدل، وضعف التربية الذاتية، والعائلية.
وتتمثل خطوات العلاج والنجاة من هذه الإباحية الفكرية بأمور منها:
أولاً- العدل والحرية:
وربما يستغرب البعض لكوني وضعت العدل والحرية معاً كأول علاج، لكنني أعتقد أن العدل إذا انتشر وصار الكل في مأمن الحرية، عندها يكون التلقي الطيب واضحاً، وبضاعة الخبيث ضعيفة، إذ لا سلطان يدعمها، أو طاغية يتبنّاها، ولا إعلام فاسد يخدم عليها، والحرية هنا ضمانة أساسية لتلاقي العباد على الفطرة التي جبلوا عليها، والتاريخ خير شاهد أن الحرية لمّا توفرت كان الوازع الديني أكبر وأكبر، ولِمَ لا؟ والشعوب العربية بطبيعتها الطيبة عاشقة للتدين.
بقي الأمر الأهم في هذا البند، أن الحرية والعدل يضمنان تصدر من يعي ويفقه، ويأخذ بالناس للمفاهيم الصحيحة بلا إفراط أو تفريط.
ثانياً- استنفار الطاقات المخلصة:
إن الجهد البشري والهمة العالية في توصيل رسالة الخير والحرية وتصحيح مسار الأفكار، هي درجة مهمة في صلاح المجتمعات؛ إذ لا خير في مجتمع يجلس فيه الصالحون في برج عاج، بعيداً عن أحوال الناس ومشاكلهم، ويقيناً لا خير في مجتمع يقلّل من شأن المصلحين فيه، أو يسخر منهم، أو يسعى لإيقاع الأذى بهم، فهذه مواصفات الدولة البوليسية التي يتذوق شعبها سوء العذاب شاء أو كره، وعليه فإن على كل واعٍ فاهم صاحب رسالة أن يستنفر طاقاته في محيطه، وبين من يحب كبداية؛ لتصحيح مسار أفكارهم، وأهمية أن يبين خطورة الأفكار المتحررة، ومدى تعارضها مع كثير من تعاليم الدين الحنيف.
ثالثاً- متانة البيت المسلم:
إن البيت المسلم هو المحضن التربوي الأول، وهو المؤسس لكل أفكار وتطلعات وتوجيهات وقيم، وأفكار الأولاد، ولما كان دوره كذلك، كانت الحرب عليه -على مدار الساعة- عبر إعلام مضلل يجعل الأبناء لا يُقدِّرون آباءهم، فضلاً عن توجيه الشباب للعلاقات غير المنضبطة، واعتبارها تحرراً.
ولم نعد في حاجة للتأكيد على خطورة الإعلام، فالواقع يؤكّد أن حجم المسلسلات ورسالتها التي تؤسّس للزنا والإباحية الفكرية والأخلاقية، حتى في الشهر المبارك، فاق كل الحدود، بل وصل الأمر لتأصيل العلاقات الجنسية، واعتبارها أمراً عادياً، بل يتم فرد مساحات في الإعلام؛ لتبني هذه الزاوية الإباحية بشكل رسمي.
وعليه فإن البيت المسلم لو ضعف أو تهاون أو انعزل عن واقع المجتمعات، ولا يتعايش بفهم الدين وثوابته، وعمق القيم السليمة الصحيحة، بلا تجمّل أو تهاون، -ستكون العاقبة كارثية، لذلك على الأب أن يحسن الاختيار في بداية المشوار، فليس كل ما يلمع ذهباً.
رابعاً- أهمية الكتاتيب:
إن الحرب على التعليم عامة، والأزهري خاصة، تتم على قدم وساق، وكما أسلفنا في مقالات سابقة أن الغرب يدرك عظمة رسالة التعليم، وأهمية دور المعلم كصاحب رسالة في تربية المجتمعات، وأن الأزهر كان هو منبع الثورات، والأزهري له مكانة كبيرة في الغرب، لكن التجريف القائم بفعل السياسات الخاطئة، ومحاولة تفريغ الرسالة الأزهرية من مضمونها، وفتح مجالات للاختلاط في محاولة لمواكبة التحرّر الفاسد، لذلك فإن تعليم الأبناء منذ الصغر في الكتاتيب، وحفظ القرآن، هو الضمانة الخالصة لعدم وصل أية أفكار فاسدة، أو تلبيس عقلي بأفكار ماجنة تستهدف النشء في مهده.
خامساً- فهم الشباب:
إن الشباب المسلم صاحب الرسالة يتعرض اليوم لموجات إلحادية وإباحيّة، وتشكيك في مساره ومسيره على مدار اللحظة، وقناعتي أن الحرب على الشباب المسلم تطورت بشكل رهيب، حتى أصبح الإلحاد في الجامعات والزواج العرفي بنسب مرعبة ومقلقة، ولا يجد الشباب المانع والعاصم في ظلّ ضعف العلاقة مع الخالق سبحانه، وبريق المحرمات، والأخطر غياب القدوة، أو إن شئت فقل تغييب القدوات عمداً وقسراً، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
إن الشباب الواعي الفاهم لدوره ورسالته، وأهمية وعظمة انتشاره بهذا الفهم، وذاك الوعي بين أقرانه، هو طوق نجاة للمجتمع كله، وأن تكاسله عن السعي للفهم الصحيح يؤخِّر المجتمعات والأوطان، لذلك فالشاب وفهمه لقضية الإباحية وخطورتها والتحذير منها، هو الأمل المبشر؛ لأن الأمر برمته يستهدفه هو، ويسعى لإفساد عقله وقلبه.
ختاماً، الإباحية الفكرية أكبر من مقالات أو كتب، فالأمر جداً خطير، لكننا نسعى لوضع أيدينا على الداء، ووصف الدواء، وفق متطلبات المرحلة التي نحياها، والتي -مع الأسف- اجتمع على مائدة الفضيلة والعفة كالذئاب، الفكر والتحرر المكذوب؛ سعياً للقضاء على ما تبقى من قيم حضارية مستمدة من إسلامنا العظيم، لكن يقيناً لن يدوم مجدهم، أو زهوهم، فالبقاء لكل مخلص صالح صاحب رسالة وغاية مقدسة.