كلنا يعيش الأزمات المتلاحقة، فقد تضيق الدنيا في عيون البعض، لكن الأزمات والابتلاءات لم تأت إلا اختباراً للعباد، تأتي ليطهر الله تعالى عباده، وعندما يشتد الضيق ضيقاً، و يزيد الهم هماً، فلا يلبث إلا ويلاحقها الفرج؛ لقوله تعالى: {إن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً} [الشرح، الآية:5-6].
والحزن واردٌ أن ينتابنا في أي وقتٍ وحين، وتلك هي طبيعة الحياة، وتلك هي النفس البشرية التي تملك الكثير من المشاعر، فكان لا بد وأن تستقبل الحزن كاستقبالها لأيٍّ من المشاعر الأخرى، لكننا إن كنا غير قادرين على منع الحزن من مشاعِرنا فإننا قادرون على دفعِه ومنعه من التحكّم بمصير حياتِنا وحياة أهلِنا وأطفالِنا ومستقبلِنا.
في هذا الإطار يوضح الدكتور بسام سعيد -المختص بالإرشاد الأسري- أن: "الأكثر ابتلاءً في الدنيا هم الأكثر اصطفاءً عند الله تعالى"، ويرتبط الحزن الذي يعتري الإنسان في مواقف الحياة بحال قلب الإنسان وعقيدته، فإن كان لديه سوء ظنّ بالله فإنه لن يفرح أبدًا، وسيبقى الحزنُ مخيمًا على كل مناحي حياتِه.
ووفق سعيد، يبرّر الكثيرون حزنهم دائمًا بالقول: "اللي إيدو بالمية مش زي اللي إيدو بالنار"، وكذلك ترى الكثيرين يائسين من التغيير من حولِهم، ومستبعدين لتحقيق أية خطوةٍ أمامية، فيظل الحزن ملازمًا لهم، فتسمع الأمَّ -المريض ابنها- تسأل: "معقول سيُشفى وهو يعاني كل هذه المعاناة!"، وتجد المغترب يقول بيأس: "معقول يرجع الأمن للبلاد ونعود إليها!" وتسمع عبارة: "معقول هذا الولد ينجح وهو الذي لا يعرف كتابة اسمه؟".
ويعلق: "تلك الأمثلة وغيرها الكثير، لا تفسير لحال هؤلاء الأشخاص إلا أن قلوبهم تعاني من سوء ظنّ بالله، وكأن الله تعالى مالك الملك والكون غير قادر على تغيير الحال للأفضل!".
ويقول سعيد: "ما دام هذا هو حال القلب فإن الحزن سيبقى مسيطرًا على الشخص وعلى كل من حوله" مشيراً إلى أن الله تعالى يقول في كتابه العزيز: {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم منْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ} [الأنعام، الآية:64].
وأضاف: "لو تذكّر الإنسان كم من مصيبةٍ ومشكلةٍ كان يظنّ أنها القاضية وأنها لن تُحلّ أبدًا ثم حُلّت، أو انتهت على خيرٍ -لما جلس يومًا حزينًا ، فلا يجب على الإنسان أن يكون جاحدًا أو منكرًا لما أعطاه له الله، فاليأس هادمٌ للحياة والأشخاص، فلا يجب أن نتركه يصل في قلوبنا حدّ الانهزامية والانكسار".
وأردف قائلاً: "حين تكون حالتك النفسية إيجابية، وهذا لن يحدث إلا بحسن الظنّ بالله، فإنه لن يكسرك أحد، وسترى الحياة جميلة، وستجد ابتسامتك تزين وجهك ووجه أهلك وزوجك وأطفالك، وكل من حولك، مهما كانت الظروف الصعبة متوالية عليك".
وأضاف: "فالنّكد والكدر إذن يأتي من الدّاخل، والإنسان هو من يستحضره أو يطمسه، وقد راعى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحالة النفسية للبشر".
وتابع: "لذلك فإننا نرى أناسًا مهزومين منكسرين، يرفضون الضحك والفرح وإن أتى إليهم، يستاء من رؤية المبتسمين ويهزأ بهم، ويكبر الأمور، ويعطيها اهتمامًا أكثر مما تستحق".
ويكمل: "أما المؤمن الذي لا يطوله حزن فهو الذي لا يترك نفسه للحزن، ويلقي بحمله على الله تعالى، ويكون ظنّه به جميلًا حسنًا، والله تعالى يقول في كتابه العزيز: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} [آل عمران، الآية:139]، ففي تلك الآية الكريمة تهييج لمشاعر المؤمنين لدفع الحزن والكدر".
الدكتور فضل عاشور -استشاري الطب النفسي والعصبي- يرى أن الحزن يصاحب الفقدان أو التغيرات فى حياتنا فى أمور أقل شدة من الوفاة، وقد يكون بعد الانفصال والطلاق والإصابة بالأمراض الخطيرة، مثل فقدان الوظيفة أو عدم النجاح في امتحان أو الفشل في الحياة العملية... هناك أيضاً الحزن بعد فشل علاقة عاطفية أو خيبة أمل في صديق أو حتى وفاة حيوان أليف!
وأشار عاشور إلى: "أن الحزن هو دورة من المشاعر الطبيعية، لكنها تختلف من شخص لآخر، فلا يوجد شكل مثالي للحزن، فكل يحزن حسب سمات شخصيته وقدرته على التعامل مع الحزن وخبراته السابقة ومدى رضاه بالقدر".
وقال في حديث لبصائر: "الشعور بالحزن هو من أكثر المشاعر حساسية عند البشر، لذلك يفضل أن يقدر الناس هذا الشعور ولا يستخفون به؛ لأن الاستخفاف بحزن الآخرين يزيدهم حزنًا، وقد يجعلهم يدخلون في دوامة الاكتئاب، فرفقًا بالحزانى!".
وأضاف: "هناك الكثير من الأسباب الغير عضوية التي قد تؤدي إلى الشعور بالحزن، وهي غالبًا تكون أسباباً نفسية وليس لها علاقة كبيرة بالحالة الصحية، فالضغوط النفسية أشد الدوافع للشعور بالحزن".
وأكمل حديثه قائلاً: "عندما يكون الشخص مضغوطاً بشكل مستمر في العمل والأسرة وتوفير الماديات، وكل حياة هذا الشخص تتحول إلى أنه يفعل أشياء لا يريدها؛ لأنه مضطر أن يفعلها، فيتحول الأمر فيما بعد إلى حالة من الشعور بالحزن وعدم الرضى عن هذه الحياة".
وتابع: "أيضًا افتقاد الأحباب، فلا قدر الله أحيانًا يحدث نوع من الفقد للأحباب، وهذا السبب كفيل جدًا أن يسبب الشعور بالحزن لفترات طويلة دون سبب مفهوم، فهناك أشخاص في حياتنا نكون قد اعتدنا عليهم بصورة يومية قوية، عدم وجودهم بشكل مفاجئ يجعل الشخص يتذكر كثيرًا افتقاد هذا الشخص، فكل موقف يحدث للشخص الحي ولا يكون بجواره الشخص المفتقد يجعل هذا الشخص يتذكر الأوقات التي كانوا يعيشونها معًا" وفق حديث عاشور.
واتفق المختصان على عدة خطوات لخروج الإنسان من حالته الحزينة وهي:
1- اللجوء لله تعالى ساعة الكرب، ولا نلجأ للعباد، نلجأ للسميع البصير، القادر على خلاصنا من أحزاننا، العليم بحوائجنا، الرحمن الرحيم {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا..} [الأنعام، الآية:43].
2- حسن الظن بالله تعالى، والثقة بأن الذي يذهب ما نحن فيه هو سبحانه؛ لقوله في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي) (رواه الشيخان)، وعدم اليأس، والأمل فيما عند الله، والصبر والصمود أمام التحديات، وانتظار البشرى التي وعد الله تعالى بها عباده الصابرين.
3- الدعاء المتواصل ، يقول الله تعالى: {أمّن يجيب المضطر إذا دعاه و يكشف السوء} [النمل، الآية:62]، ويقول سبحانه أيضاً: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان} [البقرة، الآية:186]، خاصة الدعاء بالأعمال الصالحة.
4- ملازمة الاستغفار؛ لقوله تعالى: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً} [نوح، الآية:10-12].
5- ذكر الله كثيراً؛ لقوله تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} [الرعد، الآية:28]، فذكر الله تعالى يغير القلوب من حال لحال ، فالذكر يملؤها بالطمأنينة والسكون والراحة بدلاً من التوتر والقلق والخوف، ومنه قراءة القرآن.
6- مناصرة ومعاونة المحتاج ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة) (رواه مسلم).
7- التوكل على الله وليس التواكل؛ لقوله تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [الطلاق، الآية:3].
8- برّ الوالدين والإحسان إليهما، وطلب الدعاء منهما، ففي البر منجاة من مصائب الدنيا، بل هو سبب تفريج الكروب وذهاب الهمّ والحزن كما ورد في شأن نجاة أصحاب الغار، وكان أحدهم باراً بوالديه يقدمهما على زوجته وأولاده.
9 - ردّ المظالم، ورعاية الأمانات، وأداء الحقوق، ولاشك أن ردّ الأمانات والحقوق ورعايتها دفع للحجاب بينك وبين استجابة الدعاء وكشف للبلاء، وفيه تنقية للنفس مما يعلق بها من رغبات الدنيا والتكالب على متاعها.