الشهادة والشهداء في الإسلام

الرئيسية » كتاب ومؤلف » الشهادة والشهداء في الإسلام
2323

في ظل عواصف الاستقطاب الفكري والسياسي، والتباس الحقائق على كثير من الأذهان، لا سيما فيما يتعلق بالمفاهيم الدينية المتعلقة بالجهاد، وما يتبعه من فوز بالانتصار أو الاستشهاد، باتت الأمة في أمس الحاجة لمن ينقّح لها الثوابت الإسلامية، ويفنِّد لها القيم الفكرية بإدراكٍ للواقع، وإلمامٍ بالأدلة الربانية والنبوية.

وإذا ما كان الجهل بفقه الجهاد، وحقيقة الاستشهاد، هو الركيزة الأساسية التي تقيم عليها التيارات المتطرفة خيمات تجنيدها للشباب، والنقطة الأبرز التي تدشن بها قوى الإلحاد حملات تشكيكها في الغيبيات، ففي مثل هذا الواقع تتجلى أهمية الكتاب الذي بين أيدينا، بمجرد التمعّن في كلمات عنوانه: "الشهادة والشهداء في الإسلام".

-تمهيد:

لقد نجح الكاتب في اقتحام عالم الشهادة عبر خمسة أبوابٍ، بيّن من خلالها مفهوم الشهيد في اللغة والاصطلاح، ومدلول استخدام القرآن لذلك اللفظ، وما بشّر به من النعيم لمن اختصه الله بذلك الفضل، متطرقًا لما قدمته السنة النبوية من تفصيل لأجر الشهيد ودرجات الشهادة، منطلقًا بعد ذلك لما يختص به الشهداء من أحكام فقهية تتعلق بالصلاة عليهم وتكفينهم وتغسيلهم، وأصنافهم...إلخ، عبر باب أفرده لذلك التبيان.

وتميز الكاتب بربطه بين الواقع والأحكام الشرعية من خلال الباب الرابع؛ إذ خصصه لتوضيح صور تكريم الأمة الإسلامية للشهداء، وتعظيمها لمنزلة الشهادة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وواجبها اليوم تجاه شهدائها، مستدلاً بالمملكة العربية السعودية كنموذج لتكريم شهداء الواجب من الجنود وحماة الوطن، ليختتم ذلك السفر بسرد سِيَرِ(27 شهيد) من الصحابة، في تصوير إنساني وعاطفي بسيط.

-بين دفتي الكتاب:

بدأ الكاتب سِفره بالتنبيه إلى أهمية البعد العقدي لدى المسلمين في معاركهم، فيقول: "قد أدرك أعداء الإسلام المصادر الروحية والعقدية التي يستمد منها المسلمون ثباتهم وصلابتهم في نصرة دينهم، مهما تكبّدوا في سبيل ذلك من جراح وتضحيات، فطفقوا يبذلون جهدهم للحيلولة دون استمرار التواصل بين المسلمين ومعتقداتهم".

واتضحت الخلفية الدينية واللغوية للكاتب بداية من الباب الأول؛ إذ أوضح فيه أن استجلاء مفهوم الشهادة في القرآن الكريم، يعتبر ضمن واجبات التدبر في آياته، مشيرًا إلى أن لفظ "الشهيد" لم يرد بالمعنى الاصطلاحي إلا في أربعة مواضع فقط، من أصل (56) موضعاً، معتبرًا أن البلاغة القرآنية آثرت استخدام ألفاظ القتل في سبيل الله، والموت في سبيله، فضلاً عن ألفاظ الإيذاء والتعذيب، والتهجير في بيانه للسبل المؤدية إليه؛ حتى يكون تصور المؤمنين لمضمون الشهادة واقعيًا مألوفاً، لا مجال للتأويل والمجاز فيه.

وعن غرس القرآن الرغبة القوية لدى المؤمنين في نيل الشهادة، وسعيهم للجهاد في سبيل الله، رغم تعلّق العرب بالحياة، ورؤيتهم للموت أنه شر محض، يقول الكاتب: "إن الحقائق التي عرضها القرآن عن الموت والحياة، والدنيا والآخرة، والبعث بعد الموت، والثواب والعقاب، صحّحت عقائد المسلمين وتصوراتهم عن العالم الأخروي الذي تتحقق فيه الحياة الأبدية بعد حساب دقيق عادل لا يفوت مثقال ذرة من خير أو شر، فانطلقوا راشدين دونما تردّد، يقاتلون في سبيل الله متمنيين الشهادة".

وسرد الكاتب ما بشّر به القرآن والسنة من عظيم الجزاء للشهداء، بدءاً من اختصاص الله لهم بالشهادة، واستمرار حياتهم بعد الموت، وعظم الأجر، مرورًا بما قدمته السنة من تفصيل عمّا يلاقونه من نعيم بمصاحبة الملائكة لروح الشهيد حتى ترفع، وتأمينه من فتنة القبر ومن الفزع الأكبر، ومن مقابلته للحور العين، وطوف روحه في الجنة، إلى غير ذلك من أنواع النعيم بما تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ، وَتَلَذه الْأَعْيُنُ.

وإذا ما امتلأت أعين القارئ بما عدّده الله من وعود للشهداء، فحزن لبعد المنال عن يديه، ساق إليه الكاتب علامات رحمة الله بعباده في تضمين أجر الشهيد لكل من المبطون والمطعون، والغرِق، والحرِق، والمجنوب، والمرأة تموت بجمع، ومن تمنى الشهادة صدقاً في سبيل الله، ولو وافته منيته على فراشه، وغيرهم ممن عدّتهم السنة شهداء.

وفيما يختص بالبعد الفقهي لمسألة الشهادة، أورد الكاتب أصناف الشهداء بين: شهيد الدنيا والآخرة، وشهيد الآخرة، وشهيد الدنيا، موضحًا بشكل تفصيلي ما يتعلق بكل صنف من أحكام، وفقًا للمذاهب الفقهية الأربعة.

وأظهر الكاتب جانبه البحثي في فصله الرابع الذي بدأ يستعرض فيه الصور الواقعية الممكنة لتكريم الشهداء في الدنيا من قبل الأمة، وأهمية رعاية ذويهم، وإعلاء شأنهم في المجتمع، دينيًا، و وطنيًا وإنسانيًا، ليختتم كتابه باستعراض سير شهداء الصحابة، ومواقفهم في الحرب بين الجسارة في رواية: "الشهيد الثائر"، والصدق في "الشهيد الذي دعي للجنة"، وبين العجب الذي يتجلى في قصة "الشهيد الذي لم يسجد لله قط"، و معاني الحزن في قصة "الشهيد الذي افتقده النبي".

ومع طي آخر صفحة في الكتاب يجد القارئ نفسه قد انتهى من وجبة دسمة فكريًا ودينيًا، وإن اقتصر جانبها الواقعي على شهداء الواجب، فلم يتسع لشهداء المقاومة، إلا أن ذلك لم ينقصها الجانب التأصيلي، أو الروح الواقعية، أو النزعة العربية المنعكسة على اللغة الأدبية والأبيات الشعرية المتناثرة على صفحات ذلك السفر الشامل.

-مع المؤلف:

هو يوسف كامل عبد المجيد خطاب، باحث استراتيجي بكلية الملك خالد العسكرية بالرياض، وعضو هيئة تحرير المجلة الفصلية الصادرة عن الكلية.

تخرج في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، بعد حصوله على درجة الليسانس في (اللغة العربية والعلوم الإسلامية)، وحصل على درجة الماجستير في الإعلام الإسلامي، من كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

له العديد من المقالات والأبحاث المنشورة في بعض الصحف والمجلات العربية، كما أصدر بعض الكتب بينها: كتاب "اليمن ... بين الثورة والحزم والأمل".

-بطاقة تعريف الكتاب:

اسم الكتاب: الشهادة والشهداء في الإسلام.
اسم المؤلف: يوسف كامل خطاب.
دار النشر: دار النحوي للنشر والتوزيع، الرياض.
سنة النشر: 2009م
عدد الصفحات: 426

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
باحثة مصرية في شؤون الصراع العربي- الصهيوني والقضية الفلسطينية، حاصلة على ليسانس الإعلام من جامعة الأزهر بالقاهرة، كاتبة ومحررة في عدد من المواقع العربية

شاهد أيضاً

تراث القدس.. سلوة النفس

يعد هذا الكتاب القيّم تراثًا مقدسيًّا فلسطينيًّا مبسّطًا - إلى حد ما - ومجمّعًا بطريقة …