ظن الاحتلال الصهيوني أن التطور التقني الهائل الذي يتمتع به سيكون حكراً عليه، ولن يفكر أحد أبداً في أن ينازعه فيه أو يجرؤ على اختراق حصونه خاصة من العرب، لأنه ينظر لهم نظرة دونية وأنهم رعاع، و ينظر لنفسه أن ما عنده أكبر من مستوى العرب، لكن تأتي الوقائع بما يُخَيب آماله ويكسر هيبته وسطوته على عالم التقنية، (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) من غزة المسكونة بالأوجاع والذي افترض العدو وأعوانه أنه بحصاره لها سيقتل روح المقاومة في نفوس الشعب، فإذا به يدفع المخلصين من الشعب إلى الابداع في توجيه ضربات قاصمة للعدو الصهيوني، فكانت "المقاومة الإلكترونية ".
ولست أقصد بالمقاومة الإلكترونية المقاومة بـ (الهاشتاق أو التغريد على قضية معينة) على أهمية ذلك، بل إنني أوجه وجهتي شطر ميدان مقاومة يحدد مساره العقل الفلسطيني المقاوم، مقاومة من نوع جديد تًدخلها المقاومة وتُدخلها إلى حيز التنفيذ باعتبارها ميدان لا يمكن تجاهله، وتسجل فيها نجاحات لتضيفها لسجلها الحافل بالإنجازات رغم قلة الإمكانيات وتواطؤ القريب والبعيد على تدمير نفسية عناصرها، ولكمة جديدة يتلقاها الكيان الصهيوني من المقاومة الفلسطينية _ والتي يشرفني أن أرفع القبعة احتراماً وتقديراً لها_ وهو تمكن المقاومة الفلسطينية من اختراق أجهزة جوال الكثير من الضباط والجنود الصهاينة الذين يؤدون الخدمة العسكرية في القواعد ومواقع الاحتلال المحيطة بقطاع غزة، والحصول على معلومات مهمة عنهم عبر تطبيقات الهواتف الذكية التي تسمح بالوصول إلى صور ومكالمات ورسائل نصية، ومن خلال تصميم تطبيقات للهواتف الذكية موجهة بشكل دقيق لفئة معينة، وقد أتاحت التطبيقات التي طورتها حركة حماس، من تحميل وإرسال ملفّات إضافية، وجمع ملفات وصور وفيديوهات مخزنة في الجهاز المخترق، وتشغيل كاميرا التصوير والتحكم بها عن بعد.
يعلق أحد الصهاينة على هذا النجاح بالقول: إن الصراع مع حماس ليس على السياج العازل فقط، وإنما على جبهة جديدة هي (السايبر) وإن نجاح حماس لم يقتصر على استخدامها الطرق البدائية للمواجهة، كالطائرات الورقية بل في مجال السايبر ايضاً، كما نقلت صحيفة "هآرتس" عن مختصين في العمليات السيبرانية أن التكنولوجيا التي استخدمتها حماس تعتبر متطورة، إذ نجحت في رفع تطبيقين على متجر "جوجل" الإلكتروني، بالإضافة إلى إعداد حسابات مزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي بحرفية عالية ودقة شديدة، واستخدام لغة عبرية سليمة إلى حد ما.
يبقى القول: إن المقاومة الفلسطينية إذ تُفعّل هذا الخيار، تؤكد على أن العقول الفلسطينية تبتكر أدوات وأساليب تنسجم مع ضرورة المرحلة و لا تتوقف عن استخدام كل ما هو ممكن ومُتاح من أجل إلحاق الضرر المادي والمعنوي والتقني في الكيان الصهيوني، وعلى أن المعركة مع الاحتلال معركة مفتوحة في كل زمان ومجال رغم قلة الإمكانيات المتوفرة لدى المقاومة، وأن المعركة هي ليست معركة بندقية أو صاروخ فقط، وأن الانبهار غير متوقف عما ينتج عنهما من قتل جنود العدو قتلاً جسدياً فحسب، بل إن البندقية هي وسيلة ضمن وسائل عديدة يتم استخدامها في وقت محدد وفي مكان محدد ولغاية محددة، وأن الحصار الذي يُراد منه قتل المقاومة فإذا به يزيدها قوة أفقياً وعمودياً.