في ندوة دينية عقدها رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو عام 2017 في منزله هو وزوجته سارة بمناسبة "عيد العرش" أعرب خلالها _ وفق صحيفة "هآرتس" العبرية_ عن مخاوفه من "زوال “إسرائيل”" وعلى ضرورة الاستعداد لتلك التهديدات، مشيرا إلى أنه يعمل من أجل ضمان أن تبقى “إسرائيل” بأمان وسلام وأن تصل إلى 100 سنة دون أي تهديد ضدها، حيث ذكر نتنياهو أن "مملكة الحشمونائيم" نجت فقط 80 عاما، وأنه يعمل على ضمان أن دولة “إسرائيل” سوف تنجح هذه المرة والوصول إلى 100 سنة، مضيفا (إن وجودنا ليس بديهياً).
ما قاله نتنياهو ليس شعوراً فردياً بل هو شعور جماعي ينتاب الكثيرين من الصهاينة وخاصة أولي الأمر والعلم منهم، لأنهم يعلمون أن وجودهم في هذه الارض هو وجود يفتقد لأي مسوغ، فها هو "إبراهام بورغ" رئيس الكنيست سابقا في مقدمة الذين يتنبؤون بـ" أن “إسرائيل” غيتو صهيوني يحمل بذور زواله في ذاته" كما شكك العالم الصهيوني الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد "“إسرائيل” أومان" باستمرار وجود الدولة العبرية على المدى البعيد، كما تنبأت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الحليف الاستراتيجي لـ"إسرائيل" من جهتها بزوال "إسرائيل" مؤكدة: "إن انهيار “إسرائيل” خلال عشرين عاماً المقبلة أمر محتوم ولا مفر منه".
إن نتنياهو ولمن لا يعرف هو ليس رجلاً سياسياً وفقط، بل يمكن اعتباره مفكراً ويتعامل مع الفعل السياسي من باب الخلفية الدينية والخلفية الفكرية والتاريخية فهو قد كتب عدة كتب أبرزها (مكان تحت الشمس) حاول خلالها الإيحاء بأنه سيصنع مكاناً تحت الشمس لدولتهم المزعومة، وقد اصدر الدكتور محمود الزهار كتاباً رد فيه على أكاذيب وافتراءات نتنياهو سماه: (لا مستقبل بين الأمم).
إن زوال “إسرائيل” هي في عقيدة الكثير من المسلمين ومن غيرهم هي أمر ممكن ومسألة وقت وإن زوالها حتمية قرآنية، ويتبعون قول الله عزوجل في تعاملهم مع اليهود وخاصة "وأعدوا" و"قاتلوهم"، لكن وفي الجهة المقابلة نرى بعض العرب من الذين اتبعوا الهوى وناموا في حضن الخرافات الصهيونية، يصرون على النظر لـ”إسرائيل” على أنها أمر واقع لا مفر لإنكاره، وأن زوالها مستحيل.
ألا يرى هؤلاء أنهم بقناعاتهم هذه إنما يشككون في فعالية ومصداقية آيات قرآنية وأحاديث نبوية تحدثت وأكدت على زوال الكيان المسخ؟ وهل هذه الفئة أكثر معرفة من بعض أحبار اليهود سواء المؤيد لـ”إسرائيل” أو المعارض لها، بأن زوال “إسرائيل” هو مسألة وقت؟
يبدو أن هؤلاء يبنون رأيهم ومعتقداتهم السياسية على المبدأ القائل بضرورة الانسجام والتعايش مع الواقع، وأن الشعارات التي روجناها والخطب الرنانة التي أتخمنا وأرهقنا فيها الجماهير، والتي تدعي أن زوال “إسرائيل” حتمية قرآنية، هي بلا رصيد واقعي في عالم لا صوت فيه إلا للقوة وفقط، حتى لو تجرد صاحب القوة من الأخلاق.
فكيف نفرق يا ترى بين هذا الفريق وذلك؟
من الواجب علينا ونحن نتطرق لفكرة بقاء أو زوال “إسرائيل” من حيث مبررات وجود و موجبات زوال “إسرائيل” أن ننظر بعين العقل والنقل.
ومن حيث النقل: فثمة آيات قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة تؤكد زوالها، ولنا في سورة الاسراء مثال صادق حيث تشرح الكيفية التي ستؤول إليها دولة يهود، ثم إن في القرآن {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ..} وكما يقول أهل التفسير أن حبل الله قد قطع عن اليهود، فلم يتبق إلا حبل الناس يمدهم ويساعدهم، حتى هذا الحبل لم يبق على ما كان عليه منذ بدايات تأسيس دولة الكيان الصهيوني بسبب أن العالم كله قد عرف جرائمهم بحق كل من يخالفهم الرأي ويأبى الانصياع لأوامرهم.
أما من حيث العقل: فمن حيث العقل، فالكل يعلم أن دولة الاحتلال هي دولة ذات وظيفة محددة ينتهي أجلها بانتهاء وظيفتها، ولا تملك مقومات البقاء الذاتي، وأذكر أنني سمعت محمد حسنين هيكل وهو الخبير في السياسة يقول: (بأنه من الممكن أن تستيقظ يوماً ولا تجد “إسرائيل” على أرض الواقع، بينما يصعب تخيل ذلك مع ايران، لأن “إسرائيل” دولة مصنوعة ووليدة ظروف معينة تنتهي بانتهاء ظروف وجودها، بينما إيران لها جذور تاريخية وتملك مقومات الاستمرار والبقاء).
هذه فكرة هيكل منطقية، وأعتقد أنه قالها ليس حباً في ايران، وليس كرهاً في “إسرائيل”، بل لأن ما قاله هو إحدى مسلمات التاريخ.
علينا ألا نقف عند حدود أن زوال “إسرائيل” حتمية وفقط، بل إن السعي مطلوب لإيجاد أدوات وآليات زوال هذا الكيان المسخ.