خمس خطوات مجرّبة لحل معضلة قفلة الكاتب

الرئيسية » خواطر تربوية » خمس خطوات مجرّبة لحل معضلة قفلة الكاتب
writing3

"قفلة الكاتب" هي حالة معروفة عند من يمارسون الكتابة كمهنة أو مهارة نظامية، يصلون فيها لمرحلة ينضب فيها مَعين الأفكار، فلا يجود مِداد القلم بقطرة، أو تتداخل شباك الخواطر بحيث لا يكاد يمكن فض اشتباكها على الورق!

وقد تطول هذه الفترة أو تقصر، لكنها تظل مثار فزع أهل هذا الاشتغال، فكانت السطور التالية من ثَمّ مشاركةً لطرق جرّبتها ولمست نفعها في مداواة هذه الحالة:

1. ابدأ بقائمة أفكار:

من أسباب القفلة الأساسية لدى الكاتب مهما تخضرم، الشعور برهبة البدء إثر مرأى الصفحة البيضاء التي عليك أن تملأها ببنيان مرصوص من العبارات المحكمة!

من أسباب القفلة الأساسية لدى الكاتب مهما تخضرم، الشعور برهبة البدء إثر مرأى الصفحة البيضاء التي عليك أن تملأها ببنيان مرصوص من العبارات المحكمة

والحل العملي أن تشرع في ملء الصفحة بالفعل، لكن بقائمة مرقّمة من الأفكار الأساسية التي تريد تناولها في إنشائك. القوائم من أيسر ما يمكن الشروع فيه في الحال؛ لأن الترقيم لا يتطلب الجهد الثقيل لصياغة عبارات كاملة، ولا يشترط فيه توخي التسلسل والتريب في البداية، بل يكفي رصُّ الأفكار واحدة تلو الأخرى كما تخطر في بالك. من جهة أخرى، بانتهاء هذه القائمة المبدئية يرتسم التصور الكامل لمادة الإنشاء في فكرك، فتستقيم لك معالم الرحلة وخارطة الطريق قبل الاستغراق في تفاصيل السير. لكن حين يقع العكس، ستجد أنك غرقت في بحار الإنشاء دون بوصلة اتجاه، وانتشال نفسك بعد الغرق أصعب من التأني ريثما تستقيم لك الوجهة . وبسبب الفارق بين النهجين يظل الإنشاء -حتى عند الهاوين له- مهمة ثقيلة.

فإذا تمّ لك سرد ورصّ كل ما في بالك من أفكار، يمكنك معاودة قراءة القائمة، ثم تعديل ترتيبها بحيث تتسلسل الأفكار في اتساق، ويبقى بعد ذلك تناول كل فكرة على حدة، وإضافة أو حذف أفكار أثناء ذلك.

2. اهتم بالزّبدة أولاً ثم الزينة:

بعد تجاوز رهبة البدء الأولية واستقرار الأفكار، قد يقع الكاتب في معضلة ذات طرفي نقيض عند الشروع في متن الإنشاء نفسه: فإما أن يتزاحم الكلام ويسبح هائمًا في رأسك بحيث لا تكاد تمسك بأي خيط من طرفه لتخرجه من فضاء رأسك الواسع لحيز الورق الضيق، أو تهطِل الخواطر بلا نظام آخذة بك ذات اليمين وذات الشمال، فإذا أمامك فيضان كلامي وفقرات متداخلة أو لا رابط بينها، وربما سطور غير مكتملة.

والحل لهذه المعضلة أن تُلزِم نفسك بكتابة سطر واحد فقط أو جملة واحدة، هي زبدة الرسالة الأساسية وخلاصة اللب المقصود الذي تود إيصاله بخصوص الفكرة أو الموضوع قيد الإنشاء. اكتبها كما تحضر في ذهنك مباشرة دون أدنى عناية بتنقيح أو صياغة، أو التفرع في أية تفاصيل كاستدلال أو تبرير. ميزة هذه الخطوة أنها ترفعك فوق الفيضان بدل الغرق فيه، وتصفّي ذهنك للرسالة الأساسية المراد إيصالها قبل أن تبسطها في عبارات أو تنشئ حولها فقرات. ستجد بعد ذلك أن تلك الجملة، أو ما تعبر عنه، سيكون بمثابة رأس البرج الذي تدور حوله الجمل/الفقرات السابقة له تمهيدًا أو التالية له ختاماً.

ميزة الاهتمام بالزبدة أولاً ثم الزينة أنها ترفعك فوق الفيضان بدل الغرق فيه، وتصفّي ذهنك للرسالة الأساسية المراد إيصالها قبل أن تبسطها في عبارات أو تنشئ حولها فقرات

واعتماد هذا النهج هو الفيصل في التفرقة بين سطحية المواضيع التي قِوامها حشد فقرات متناثرة البنيان، وإن كانت ملصقة بالغراء الإنشائي تحت عنوان ما، وبين إنشاء متين الفكر قوامه بنيان مرصوص من الفقرات واضحة المعالم والمقاصد يُسلِم بعضها لبعض في تناغم وانسجام.

3. الالتفات لمرادك لا لمراد المتلقي:

لا تبدأ أي إنشاء والمتلقي في ذهنك، حاملًا همّ انطباعه ومدى استيعابه، إلا أن تكون محتاجًا لذلك أو يلزمك ذلك، كأن يكون إنشاؤك مخصوصًا ومقتصرًا على متلقٍ أو متلقين بعينهم (كاستشارة أو رد على جواب)، أو تكون كتابتك كتابة وظيفية لغرض آخر غير شخصي.

لا تبدأ أي إنشاء والمتلقي في ذهنك، حاملًا هم انطباعه ومدى استيعابه

أما الغرض الرئيس من الكتابة الحرة أو الشخصية فهو التعبير عن دواخل صاحبها، وأشد ما يعرقل ذلك أن يشتغل صاحب الخاطرة بالتعبير عنها بوجدان نفسٍ أو نفوس غير نفسه التي نشأت فيها!

وفارق بين أن يكون غرض المنشئ بإنشائه التعبير الحر أو تحصيل انطباعات معيّنة . لذلك فليكن همّك عامة في إنشائك تمام الإبانة عن نفسك وفكرك وحسن البيان عن مرادك ومقصودك فيما تنشئ، ثم اترك للمتلقي أن يتلقى ما يتلقاه، وللمتذوق أن يتذوق ما يشتهي، وللناقد أن ينقد ما يرتئي ؛ وكلٌّ يَرى بعَينَيْ طبعِه.

4. لا تؤخر البيان عن وقت الولادة:

كثيراً ما قد تولد الخواطر في رأس الكاتب أو يشعر بلحظة إلهام يحضره فيها الكلام حضوراً حتى كأن الإنشاء ماثل أمامه، ويكون الإلهام قوياً كفاية؛ ليحفر أثره في رأس صاحبه، بغض النظر عن طول أو قصر زمانه. وتتناسب قوة أثر الإلهام طرديًا مع سرعة الكاتب في اغتنام الفرصة وإثبات ما أُلقِيَ في رُوعِه على الورق. لكنه إذا تكاسل يبدأ الأثر في التداعي والخفوت شيئًا فشيئًا حتى يجهض تمامًا، فإذا حاول إثباته بعد طول عهد لم يجده شيئًا!

لذلك على كل ذي قلم وإنشاء أن يحتفظ بمفكرة أو كراس أو أوراق في متناول يده ومحيطه على الدوام؛ لتسجيل الإلهام عفوًا ورأسًا حين يحضره ، ثم يعود لمراجعته والإفادة منه في أقرب فرصة صفاء.

5. عود نفسك التوقف عندما تبلغ المراد:

وقد بلغت مرادي من هذه المقالة، فهذه نقطة الختام.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة ومحاضِرة في الأدب والفكر وعُمران الذات. محرّرة لغوية ومترجِمة. مصممة مناهج تعليمية، ومقدّمة دورات تربوية، وورش تدريب للمهارات اللغوية. حاصلة على ليسانس ألسن بامتياز، قسم اللغة الإنجليزية وآدابها.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …