ما أجمل الحب! وما أطيب مذاق حروف الكلمة! وما أخفّها على اللسان! وما أروعها في القلب المؤمن حين يسلّم لأمر الله، ليس لعجزه، وإنما "لأنه يحب".
هل يمكن أن يعيش إنسان دون أن يحبه أحد؟ هل تريد أن يحبك الناس؟ هل تتمنى أن يكون لك القبول في الأرض والمودة من الطيبين؟
إذن فكن ممن يحبهم الله، ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا أحبّ عبداً دعا جبريل، فقال: إني أحب فلاناً فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبّوه فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبداً دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء أن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، قال: فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض) (رواه الشيخان).
إن حبّ الله عز وجل من أعظم العطايا، ومن أعظم ما يمكن أن يرزقه الإنسان على الإطلاق، وخلافاً لما يحسبه بعض الناس، أن الله تعالى إذا وسّع لإنسان في الرزق فهو يحبه، ومن ضيق عليه في رزقه فهو سبحانه لا يحبه، وفي هذا قال رب العزة مصححاً هذا التصور الخاطئ: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ(15)وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ(16)} [سورة الفجر]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قسّم بينكم أخلاقكم، كما قسّم بينكم أرزاقكم، وإن الله ليعطي الدنيا من أحب، ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من أحب، فمن أعطاه الدين، فقد أحبه) [رواه الحاكم].
وإذا أردت أن تعرف من يحبهم الله تعالى، ومن لا يحبهم؛ كي تعرف أين أنت منه سبحانه، فتعال نقف مع صفاتهم من خلال كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
أولاً- الإحسان:
قال تعالى: {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} [البقرة، الآية:195].
إن الإحسان الذي يذكره الله عز وجل في الآيات الكريمة هو الإحسان بمفهومه الشامل: إحسان في العقائد، وفي العبادات، وفي الأخلاق، وفي معاملة الخلق، أمر الله به ووعد بالجزاء الحسن في الدنيا والآخرة على من أحسن في دنياه، قال تعالى: }هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ{ [الرحمن، الآية:60].
وفي حديث جبريل الشهير حين يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان، فيقول عليه الصلاة والسلام: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك) (متفق عليه).
-ما هو الإحسان؟
فالإحسان إذن هو مراقبة الله في السّر والعلن، وفي القول والعمل، وهو فعل الخيرات على أكمل وجه، وابتغاء مرضات الله.
-أنواع الإحسان:
الإحسان مطلوب من المسلم في كل عمل يقوم به ويؤديه، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، ولْيحد أحدكم شَفْرته، ولْيُرِح ذبيحته) (رواه مسلم).
ومن أنواعه:
الإحسان مع الله: وهو أن يستشعر الإنسان وجود الله معه في كل لحظة، وفي كل حال، خاصة عند عبادته لله -عز وجل- فيستحضره كأنه يراه وينظر إليه.
قال صلى الله عليه وسلم: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) (متفق عليه).
الإحسان إلى الوالدين: المسلم دائم الإحسان والبر لوالديه، يطيعهما، ويقوم بحقهما، ويبتعد عن الإساءة إليهما، قال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا} [الإسراء، الآية:23].
الإحسان إلى الأقارب: المسلم رحيم في معاملته لأقاربه، وبخاصة إخوانه وأهل بيته، وأقارب والديه، يزورهم ويصلهم، ويحسن إليهم. قال الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} [النساء، الآية:1].
وقال صلى الله عليه وسلم: (من سرَّه أن يُبْسَطَ له في رزقه (يُوَسَّع له فيه)، وأن يُنْسأ له أثره (يُبارك له في عمره)، فليصل رحمه) (متفق عليه)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فَلْيَصِل رحمه) (رواه البخاري).
كما أن المسلم يتصدق على ذوي رحمه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان: صدقة، وصلة) (رواه الترمذي).
الإحسان إلى الجار: المسلم يُحسن إلى جيرانه، ويكرمهم؛ امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننتُ أنه سيورِّثه) (متفق عليه).
الإحسان إلى الفقراء: المسلم يحسن إلى الفقراء، ويتصدّق عليهم، ولا يبخل بماله عليهم، وعلى الغني الذي يبخل بماله على الفقراء ألّا ينسى أن الفقير سوف يتعلق برقبته يوم القيامة، وهو يقول: رب، سل هذا -مشيرًا للغني- لِمَ منعني معروفه، وسدَّ بابه دوني!
ولابدّ للمؤمن أن يُنَزِّه إحسانه عن النفاق والمراءاة، كما يجب عليه ألا يمنّ بإحسانه على أصحاب الحاجة من الضعفاء والفقراء؛ ليكون عمله خالصًا لوجه الله، قال تعالى: {قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم} [البقرة، الآية:263].
الإحسان إلى اليتامى والمساكين: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الأيتام، وبشَّر من يكرم اليتيم، ويحسن إليه بالجنة، فقال: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا) وأشار بأصبعيه: السبابة، والوسطى، وفرَّج بينهما شيئًا. (متفق عليه).
وقال صلى الله عليه وسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله) (متفق عليه).
الإحسان إلى النفس: المسلم يحسن إلى نفسه، فيبعدها عن الحرام، ولا يفعل إلا ما يرضي الله، وهو بذلك يطهِّر نفسه ويزكيها، ويريحها من الضلال والحيرة في الدنيا، ومن الشقاء والعذاب في الآخرة، قال تعالى: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم} [الإسراء، الآية:7].
الإحسان في القول: الإحسان مطلوب من المسلم في القول، فلا يخرج منه إلا الكلام الطيّب الحسن، يقول تعالى: {وهدوا إلى الطيب من القول}[الحج، الآية:24]، وقال تعالى: {وقولوا للناس حسنًا} [البقرة، الآية:83].
الإحسان في التحية: قال الله تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها} [النساء، الآية:86].
الإحسان في العمل: والمسلم يحسن في أداء عمله حتى يتقبله الله منه، ويجزيه عليه، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) (رواه البيهقي).
الإحسان في الزينة والملبس: قال تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف، الآية:31].
جزاء الإحسان:
المحسنون لهم أجر عظيم عند الله، قال تعالى: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} [الرحمن، الآية:60]. وقال تعالى: {إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملاً} [الكهف، الآية:30]. وقال تعالى: {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} [البقرة، الآية:195].
قرأ صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}[يونس، الآية:26] وقال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى منادٍ: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يثقّل موازيننا، ويبيض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، ويزحزحنا عن النار؟ قال: فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه، فو الله ما أعطاهم الله شيئاً أحبّ إليهم من النظر إليه ولا أقرّ لأعينهم) (رواه مسلم)، قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ... [القيامة، الآية:22،23].
ذلك هو الإحسان الذي يستجلب محبة الله عز وجل، وهناك صفات أخرى تستوجب محبته سبحانه موعدنا معها في مقالات مقبلة.