إن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين الذين تربوا في مدرسة النبوة استوعبوا جيدا فضل الهمة العالية وعرفوا ما أعده الله تعالى لأصحابها فانتشروا في الأمصار والثغور في كل مكان لكي يظفروا بهذا الأجر ولكي يكونوا قدوة لمن بعدهم إلى يوم أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها. ويكفينا أن نعرف أنه لم يُدفن في مكة والمدينة من المئة ألف صحابي الذين شهدوا حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا بضع آلاف فقط والباقي قد دفنوا في مشارق الأرض ومغاربها.
- تحدثنا في الحلقة الأولى بفضل الله تعالى عن مقدمة لشحذ الهمم مزودة بأمثلة على ذلك، وتطرقنا لتعريفات مختلفة لمعنى الهمة، ثم ذكرنا بعض آيات القرآن الكريم في هذا الشأن.
- وفي الحلقة الثانية تحدثنا بفضل الله تعالى عن بعض الأحاديث التي وردت في شأن الهمة العالية ثم عن صورتين من صور الهمة العالية في حياة الصحابة والتابعين.
- وفي الحلقة الثالثة واصلنا الحديث عن صور الهمة العالية في حياة الصحابة والتابعين مع ذكر نماذج للصحابة الذين انتشروا في ربوع المعمورة فاتحين ومجاهدين وناشرين للعلم.
- وفي هذه الحلقة سنتحدث بفضل الله تعالى عن :-
- أقوال الصحابة والتابعين في علو الهمة.
- صفات صاحب الهمة في ضوء ما سبق.
خامساً: أقوال الصحابة والتابعين في علو الهمة
1- قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " لا تصغرنَّ همتكم؛ فإني لم أرَ أقعد عن المكرمات من صغر الهمم ".
2- وقال مالك رحمه الله: " عليك بمعالي الأمور وكرائمها، واتقِ رذائلها وما سفَّ منها؛ فإنَّ الله تعالى يحبُّ معالي الأمور، ويكره سفسافها ".
3- يقول ابن القيم رحمه الله: " ولله الهمم! ما أعجب شأنها، وأشد تفاوتها. فهمة متعلقة بمن فوق العرش. وهمة حائمة حول الأنتان والحش. والعامة تقول: قيمة كل امرئ ما يُحسنه. والخاصة تقول: قيمة المرء ما يطلبه. وخاصة الخاصة تقول: همة المرء إلى مطلوبه. [الحش: مكان قضاء الحاجة].
• وقال أيضًا: " العلم والعمل توأمان أمهما علو الهمة ".
4- قال الإمام ابن عقيل رحمه الله: " إنَّه لا يحلُّ لي أن أضيِّع ساعة من عمري، حتى إذا تعطَّل لساني عن مذاكرة ومناظرة وبصري عن مطالعة؛ أعملت فكري في حال راحتي ".
5- قيل للربيع بن خيثم: أتعبت نفسك في العبادة وإصلاح أمر الناس. فقال: راحتها أريد، فإن أفره العبيد أكسبهم لمولاه.
6- وقيل:" ذو الهمة وإن حط نفسه تأبى إلا العلو، كالشعلة من النار يخفيها صاحبها وتأبى إلا ارتفاعاً ".
7- قال المتنبي:
إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع، بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر صغير كطعم الموت في أمر عظيم
سادساً : صفات صاحب الهمة في ضوء ما سبق
إن صاحب الهمة العالية تراه دائماً مجاهداً لنفسه مشغولاً في كل ما هو مفيد، نافع لغيره ولدينه ولأمته، منظماً في شئونه ليس عنده ما يسمى بالوقت الضائع ولا الطاقة المُهدرة فلكل لحظة عنده ما يناسبها من العمل.
• تراه ينصح هذا ويعظ ذاك ويمد يد العون لكل محتاج بل يقترح المزيد والمزيد من الأعمال النافعة ويطلب من الله تعالى العون والتوفيق والسداد.
• تراه بشوشاً مبتسماً متفائلاً يفيض على الآخرين من همته فينصهروا في بوتقته ويدوروا في فلكه كالجسد الواحد.
• تراه مخالطاً لأصحاب العزائم بل منافساً لهم، يتهم نفسه دائماً بالتقصير ويفطمها عن الدنايا حتى يروضها وتسلس قيادتها.
• تراه متوازناً في كل أموره فلا يطغى أمر على أمر فلا تراه مغرورا ولا تراه عاجزاً مهموماً، وهو لا يتعجل الثمار قبل نضجها ولا يرمي بنفسه في معترك خلافات وعداءات لا تجر عليه إلا التثبيط وانفضاض الناس عنه.
• تراه لا يقتصر على علم قديم حصله، ولا أسلوب واحد أتقنه، بل تراه واسع الاطلاع جديد الأسلوب يسع الجميع بعلمه وبخلقه ويعطي لكل فرد قدره وما يناسبه من مكانة وأسلوب.
• تراه دائماً على وجل من عدم القبول ومن تسرب الشرك أو اليأس فيكون دائماً يلهج بالدعاء غير منقطع الرجاء طامعاً فيما عند الله الذي هو خير وأبقى.
اللهم إنا نسألك همة المتقين ومنزلة الصديقين ومرافقة إمام النبيين.