قلت: يا ترى! ما هو الحدث الذي إذا وقع في أمة الإسلام؛ سيوقظها من غفلتها وتنتفض، ويُنهضها من رقادها؟
قال: لو أن أحداً اعتدى على بيتك؛ ألا تنتفض عليه؟
قلت: بلى.
قال: ولو اعتُدي على أوطاننا فإن هذا كفيل لأن تستيقظ أمة الإسلام من رقدتها.
قلت: كأنك تعيش في عالم غير الذي نعيش فيه.. ألا ترى الصهاينة يعيثون فساداً في فلسطين، والأمريكان يستبيحون أرضنا في أفغانستان، والروس يصولون ويجولون في سوريا؟
قال: حسناً.. عرْضُ المسلم أعلى عليه من نفسه، فلو اعتُدي على أعراضنا لثُرنا كالبركان الهائج.
قلت: ألا تذكر حينما انتُهكت أعراض نسائنا في العراق؟ أنسيت سجن أبو غريب حيث انتهكت أعراضنا ولم نحرك ساكناً؟ أنسيت قصة الطفلة عبير التي اقتحم الجنود الأمريكيون بيتها وقتلوا عائلتها رمياً بالرصاص، ثم اقتادوها إلى الغرفة المجاورة وحاصروها في إحدى زوايا المنزل، ونزعوا ثيابها عنها، وتناوبوا العشرة على اغتصابها، ثم ضربوها بآلة حادة على رأسها - كما أفاد تقرير الطب الشرعي - حتى أُغمي عليها، ثم وضعوا وسادة على فمها وأنفها وخنقوها ثم أحرقوها بالنار..؟
قال: كفى.. كفى..
قلت: لماذا لا تريد أن تسمع؟ يجب أن تعرف إلى أي ذل وصلت أمتك.. أنسيت ما حصل في البوسنة والهرسك وكوسوفا والشيشان، وكيف كانت تموت أختنا هناك قهراً وألماً من اغتصابها على أيدي الملاحدة وعبّاد الصليب؟ ولماذا نذهب بعيداً؟ ألم تسمع عن اغتصاب آلاف النساء في سجون النظام السوري؟ ألم يقلها رئيس استخبارات سلاح الجو في حمص: "اذهبوا واغتصبوا نساء عائلاتهم! افعلوا ما يحلو لكم، ولن يحاسبكم أحد"؟ ألم تطلع على التقارير الحقوقية التي وثقت العديد من حالات الاغتصاب في سجون السيسي بمصر؟!
قال: أتوقع أن يتحرك المسلمون إذا انتهكت بيوت الله ومُزقت المصاحف.
قلت: ما أكثر ما اعتُدي على مساجدنا حرقاً وهدماً وقصفاً وتدنيساً! ما أكثر ما مُزقت مصاحفنا وأحرقت وأهينت! أتريد مني أن أعدد لك مشاهد الاعتداء على مساجدنا ومصاحفنا في الدنيا كلها؟
قال: ولكن للمسجد الأقصى خصوصية عند المسلمين، فلو هُدم لوقع الانفجار الكبير.
قلت: حُرق المسجد الأقصى في عام 1969، فخرجت المظاهرات في العالم الإسلامي، وعُقدت المؤتمرات، وأطلق حكامنا عبارات الشجب والاستنكار المعهودة، وانتهى كل شيء.. فهل سيحدث اليوم شيء مختلف عما حدث بالأمس؟
قال: هدم الكعبة..
قلت: وما الفرق بين الكعبة والمسجد الأقصى؟
قال: الكعبة بيت الله الحرام.
قلت: اسمع يا حبيبي.. قال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: رأيت رسول الله يطوف بالكعبة ويقول: "ما أطيبك وأطيب ريحك! ما أعظمك وأعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده! لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمةً منك".. وأي حرمة بقيت للمؤمن اليوم وقد أريق دمه، وسُلب ماله، وانتهك عرضه؟ فهل تحركت أمة الإسلام من أجله؟
قال: حيّرتني! إذن كيف تنهض الأمة؟
قلت: لن يُكتب دوامٌ لنهضة قائمة على ردات الفعل ، فإذا لم تكن نهضة الأمة قائمة على أسس علمية ومنطقية تتوافق مع السنن الربانية؛ فلا خير في نهضتها.
إذا لم تكن نهضة الأمة قائمة على أسس علمية ومنطقية تتوافق مع السنن الربانية؛ فلا خير في نهضتها
ولا يصلح أن يجيب على سؤال النهضة فرد ضعيف من هذه الأمة المليارية، وفوضى الإجابة على هذا السؤال إحدى مشاكل هذه الأمة، وهي أنها تفتقد العقل الجمعي الذي يرسم لها الطريق؛ لأنها أمة ارتضت أن تكون متفرقة، بل أصبحت تتقرب إلى الله بهذه الفرقة.
وقبل أن نسأل عن نهضة الأمة؛ يجب أن نسأل أولاً: كيف نوقظ هذه الأمة من سباتها؟ فالاستنهاض لا يكون إلا للمستيقظ المتقاعص، ولا يكون للمستغرق في نومه.
وحتى نوقظ هذه الأمة؛ يجب علينا أن نصارحها بما هي عليه من بُعد عن الله تعالى وأحكام دينه .. يجب أن تعلم أنها شريكة في إثم تغييب الشريعة عن الحياة؛ لأنها رضيت بأن تضعف أمام الشهوات والشبهات، وتنساق إلى الأهواء، وتركن إلى الظلمة والطغاة، بقصد أو بغير قصد.
وإيقاظ الأمة يحتاج إلى فئة متيقظة، تحب الخير لهذه الأمة، وتسعى بجد إلى إيقاظها من غفلتها، وهذه الفئة يجب أن تكون على معرفة واعية بدينها وبما يجري من حولها، وعلى صلة وثيقة بالله تعالى.. وإيجاد هذه الفئة مرحلة مهمة قبل أن نسأل عن الخطوات العملية لنهضة الأمة.
وإن نهضة هذه الأمة يجب أن تسير في سبعة خطوط متوازية:
1- إنهاض الجانب العقدي، وهنا نحتاج إلى إعادة تحرير مصطلح العقيدة، وقصره على القطعيات المتفق عليها، بالإضافة إلى التركيز على الآثار العملية لكل مسألة عقدية.
2- إنهاض الجانب الروحي، وهنا نحتاج إلى صناعة دعاة ووعاظ، يمتازون بصلاح أنفسهم أولاً، ثم بتقديم خطاب مؤثر يحتوي على جميع مقومات التأثير.
نحتاج إلى صناعة دعاة ووعاظ، يمتازون بصلاح أنفسهم أولاً، ثم بتقديم خطاب مؤثر يحتوي على جميع مقومات التأثير
3- إنهاض الجانب القيمي، وهنا نحتاج إلى مؤسسات تختص بإحياء القيم الإسلامية والإنسانية التي تفتقر إليها مجتمعاتنا، ولا تكتفي بالإحياء النظري، وإنما تمارس ذلك عملياً بين الناس.
4- إنهاض الجانب التخصصي، وهنا نحتاج إلى مراكز دراسات استراتيجية متخصصة، تحسن قراءة الماضي، وفهم الحاضر، واستشراف المستقبل.
5- إنهاض الجانب العلمي الشرعي، وهنا نحتاج إلى معاهد ومدارس وجامعات تعنى بهذا الجانب.
6- إنهاض روح العمل المشترك، وهنا نحتاج إلى بث الوعي بين الجماعات الإسلامية أولاً، ثم باقي فئات المجتمع، على ضرورة الالتقاء والتعاون على كل ما يدخل تحت عنوان "البر والتقوى" ، وإذا لم تخضع الجماعات الإسلامية لهذا الخيار؛ فلنتجاوزها ولا نشغل أنفسنا بها، فقد هرمت وشاخت، وما عادت قادرة على استيعاب متطلبات الزمن.
7- إنهاض الجانب الاقتصادي لتسخير المال في خدمة الجوانب السابقة، وهنا نحتاج إلى صناعة رجال أعمال، ومؤسسات تجارية ذات تأثير في السوق.
ويبقى ما سبق تنظيراً يحتاج إلى المزيد من البسط، أما التطبيق فيحتاج إلى إرادة التغيير الذاتي، لا إلى حدث خارجي يحركه.