الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوقِ الأطفالِ هي كثيرةٌ من حيث العدد، ورائعةٌ من حيث النوعِ على المستوى الشكلي النظري، فهي تمنحهم حقوقاً في غايةِ الروعة، حيث تتيح لهم حق الحياة، وحق اللعب، والتعليم والحماية في أوقات الحرب والسلم، وحق الرعاية الصحة، وتطول قائمة حقوق الطفل.
لكن هل جمال القانون يشفع له حين يُنفذ بطريقة غير صحيحة، وهل جمال القانون يعفيه من النقد حين يغض طرفه عن قاتلٍ لأنه قوي، ويدين القتيل لأنه ضعيف؟
المؤكد أن جمال القوانين ليس كافياً ليكون أدائها على الأرض جميلاً، فكثير من القوانين قد عجزت عن حماية نفسها من تغول الكبار عليها وعلى الصغار المظلومين، لأنها فقدت مقومات إلزام الجميع باحترامها، فالكثير من الأطفال في العالم يموتون يومياً، ومن يبقى على قيد الحياة يعاني من الكثير من المآسي.
في فلسطين وخاصة في غزة_ ارتقى في مسيرة العودة أكثر من 20 شهيداً من الأطفال حتى الآن -رغم أنهم لا يحملون أي نوع من الأسلحة- نموذج حي على أن القانون فقط يُطبق على الضعفاء، فالاحتلال الصهيوني يقتل الأطفال بلا شرعٍ أو أدب، فهو ينظر للطفل الفلسطيني على أنه إرهابيٌ محتملٌ ،لذا لا يدخرُ جهداً في إلحاق الأذى به سواء قتلاً أو اعتقالاً أو التسبب له بإعاقة جسدية او نفسية.
إن الطفل الفلسطيني منذ بداية الاحتلال الصهيوني لفلسطين وهو يضع بصمته في صناعة التحرير، فمن الأطفال من استشهد ومنهم من اعتقل ومنهم من عاش مرارة الحرمان من والده الشهيد أو المُعتقل أو المُبعد، لكنه رغم ذلك يصر على إكمال مشوار النضال والمقاومة حتى النصر والتحرير.
إن الجرأة التي يتمتع بها أطفالُ فلسطين كانت مثار اهتمام وحازت على إعجاب أصحاب الفكر والرأي، وكتب فيهم الشعراء شعراً يعبرون عن إعجابهم بصنيع أطفال الحجارة في وجه الاحتلال الصهيوني، وهنا نذكر قصيدة للشاعر الكبير نزار قباني حيث يصف تلاميذ غزة:
بهروا الدنيا..
وما في يدهم إلا الحجارة..
وأضاءوا كالقناديل،
وجاءوا كالبشارة ..
قاوموا،
وانفجروا،
واستشهدوا،
وبقينا دببا قطبية
صفحت أجسادها ضد الحرارة
قاتلوا عنا
إلى أن قتلوا
وبقينا في مقاهينا
كبصاق المحارة
واحد
يبحث منا عن تجارة
واحد
يطلب ملياراً جديداً
وزواجاً رابعاً
ونهوداً صقلتهن الحضارة
واحد..
يبحث في لندن عن قصر منيف
واحد..
يعمل سمسار سلاح
واحد..
يطلب في البارات ثاره
واحد..
يبحث عن عرش وجيش
وامارة
آه.. يا جيل الخيانات
ويا جيل العمولات
ويا جيل النفايات
و يا جيل الدعارة
سوف يجتاحك مهما أبطأ التاريخ
أطفال الحجارة.
ولم يخجل نزار قباني أن يطلب من تلاميذ غزة أن يعلموه قائلاً :
يا تلاميذ غزة علمونا بعض ما عندكم فنحن نسينا
علمونا بأن نكون رجالاً فلدينا الرجال صاروا عجينا
علمونا كيف الحجارة تغدو بين أيدي الأطفال ماساً ثميناً؟
كيف تغدو دراجة الطفل لغما وشريط الحرير يغدو كمينا؟
كيف مصاصة الحليب إذا ما اعتقلوها تحولت سكينا؟
يا تلاميذ غزة لا تبالوا بإذاعاتنا ولا تسمعونا،
اضربوا اضربوا بكل قواكم واحزموا أمركم ولا تسألونا
ويختم: يا مجانين غزة الف أهلا بالمجانين إن هم حررونا.
لن تقف تضحيات الأطفال عند هذا العدد، فلم تزل قافلة الأطفال تزرع في رحم الأرض بذور النصر إن شاء الله.