أعترف بداية أن الاكتفاء بوصف "كاتبة" للأخت لمى خاطر يدخل ضمن الضرورات التي يُحتِّمها قصر العنوان لا أكثر. فلمى خاطر ليست مجرد كاتبة وحسب، ولكنّها بحقّ، مدرسة في التحليل السياسي الناضج والتوصيف الواقعي الدقيق، لا نبالغ إن قلنا أنها مرجع أمين موثق للقضية الفلسطينية لإلمامها بتفاصيل المشهد الفلسطيني والإحاطة بأحداثه التاريخية وتعقيداته، بل والمشاركة في صياغته كونها ناشطة سياسية من الطراز الأول، فضلاً عن أنها أيضاً ناشطة نسوية نجحت في توجيه قريناتها لخدمة القضية فقدَّمت معهنَّ ما لم يقدمه الرجال في أحرج الأوقات التي مرَّت بها القضية الفلسطينية عامة والضفة المحتلة خاصة التي تعيش بقلبها لمى خاطر هي وعائلتها.
إنها تلك المناكِفةٌ العنيدة لنهج التسوية وأصحابه، ولا أكاد أّذكر أن أحداً أغاظ ويغيظ أيتام دايتون مثلها، ولا أعلم أن أحداً يكتوي بنار قلمها –بعد الاحتلال الصهيوني- مثل رئيس السلطة محمود عباس و"الأربعين" المحيطين به. وهي فوق كل ذلك مقاوِمةٌ شرسةٌ للاحتلال وأذنابه، فاضحة لمخططاته وجرائمه وألاعيبه، محرضة على مجاهدته والتمرد عليه، متفانية في الدفاع عن غزة ومقاومتها وأهلها. إضافة لكونها أديبة ترتقي بأدبها وعطائها إلى مصافّ كبار أدباء فلسطين، "فكلماتها ولَّادةٌ، وأفكارها وقَّادةٌ، وسماتُ فكرها حين تكتبُ ترفع القارئ إلى أعلى الدرجات، وتُنزِّهُهُ عن لهو الكلمات"، بوصلتها لا تحيد عن الأقصى والقدس، وانشغالها بهموم أمتها يترفع عن السقوط في حمأة تقسيمات سايكس بيكو البائسة.
متفائلة بقدر ثقتها بوعد الله في سورة الإسراء، حزينة بقدر افتقاد يعقوب فلذة كبده يوسف، حادبة كأمِّنا هاجر على طفلها إسماعيل، صارمة كأبي بكر يوم الردة..
انتُزِعت من بيتها عنوةً في زمن مشبوه تتعالى فيه أدخنة المؤامرات والصفقات الأممية والإقليمية، وحين وصلت دوريات العدو إلى بيتها لم يكن قد اعترضها أحد وهي تشق طريقها في شوارع الخليل المحسوبة ظاهراً على رجال سلطة عباس، بل إنهم قد يكونوا قد استحضروا روح أبي رغال لحظتها فاستنسخوا فعله وقاموا بإرشاد جنود الاحتلال إلى بيتها الذي يعرفونه جيداً، فقد اعتقلوا زوجها حازم الفاخوري وابنها أسامة من قبل وسلموا لها مراراً استدعاءات للتحقيق والاستجواب في أقبية مخابرات السلطة المظلمة.
تزامن كل ذلك مع حملة شعواء من الاعتقالات لناشطات وإعلاميات منهن الأسيرة سوزان العويوي -عضو بلدية الخليل- والأسيرة صفاء أبو سنينة والأسيرة دينا سعيد زوجة الشهيد نشأت الكرمي والأسيرة علا مرشود ومعهن أكثر من 60 أسيرة في معتقلات الاحتلال ما يشي بأن وراء الأكمة ما وراءها.
يبدو أن هنالك ما تسعى حكومة الاحتلال إلى إخفائه وطمسه وتمريره بعيداً عن أعين الإعلاميين الصادقين والناشطين المؤثرين، ولأنه في الغالب يتم بالتوافق مع سلطة محمود عباس فإن غالبية المعتقلين والمعتقلات تجمعهم الكثير من الصفات المشتركة في مناوأة اللاحتلال والنهج الاستسلامي الذي تتبناه سلطة عباس ما يعني أن أمر اعتقالهم لن يشغل بال الجهات الفلسطينية "الرسمية" ولن تتبناه في أي محفل يمكن أن يسهم في التقليل من معاناتهم.
وفي ظل الحراك الماراثوني السياسي بين غزة والقاهرة ودخول منسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط "نيكولاي ملادينوف" على الخط، فالأيام حبلى بتغييرات جذرية قد تلقي بظلالها على المنطقة برمتها، فدخول وفد حركة "حماس" إلى غزة برئاسة نائب رئيس الحركة الشيخ "صالح العاروري" رغم أن رأسه مطلوب لدى قوات الاحتلال، وتزامن ذلك مع إعلان رئيس وزراء العدو "نتنياهو" إلغاء رحلة رسمية إلى كولومبيا بسبب التطورات في الجنوب (غزة)، لا يمكن ربطه بمصالحة فلسطينية متعثرة، بل بمباحثات حثيثة حول صفقةٍ ما، تتعلق بتهدئةٍ بأبعاد متشعبة كثيرة، أو صفقة أسرى على غرار صفقة "وفاء الأحرار" مع حلول الذكرى الرابعة لأسر كتائب القسام الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" للجنديين "شاؤول أرون" و"هدار جولدن" خلال معركة "العصف المأكول" صيف العام 2014.
فهل نشهد إفراجاً سريعاً عن الأسيرات في سجون الاحتلال الصهيوني وفي مقدمتهن الكاتبة "لمى خاطر" مقابل مقطع فيديو يفيد بحالة أسرى الاحتلال لدى المقاومة الفلسطينية على غرار شريط جلعاد شاليط الذي تم بموجبه الإفراج عن عشرين أسيرة من سجون الاحتلال؟