التمذهب “دراسة تأصيلية مقارنة”

الرئيسية » كتاب ومؤلف » التمذهب “دراسة تأصيلية مقارنة”
876

أصل الكتاب الذي نعرض له اليوم رسالة ماجستير، يناقش فيها الباحث تساؤلات تخطر لعوام المسلمين عندما يسمعون عبارة "مذاهب إسلامية" في الفقه، كالمذهب الحنفي والشافعي... من تلك التساؤلات: ما معنى تمذهب المسلم؟ ولماذا التمذهب إذا كان الإسلام واحدًا؟ ومن أين نشأت اختلافات المذاهب إذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام قد تركنا على المحجة البيضاء؟ وهل يُقتدى بغير المذاهب الأربعة؟ ولماذا؟

مع الكتاب

يبدأ الكتاب بتمهيد عنوانه (في قبول الحق ممن جاء به)، ثم مقدمة في أسباب كتابة البحث وهيكلته. بعدها ينقسم الكتاب إلى ستة فصول، وفي كل فصل مباحث، ولكل مبحث فروع:

1. الفصل الأول: في الاجتهاد

وفي مباحثه يناقش المؤلف: مرتبة المجتهد المستقل، مراتب غير المجتهد المستقل، خلو العصر من المجتهد المستقل، ويخلص من ذلك للجواب عن سؤالي: هل يوجد في زماننا مجتهدون مستقلون؟ وهل باب الاجتهاد المستقل مغلق؟

2. الفصل الثاني: التمذهب والتقليد

وفيه يعرض الباحث لقضايا تشمل: الإجماع على مشروعية التمذهب والتقليد لغير المجتهد ودليل ذلك، اعتراضات المعترضين على التمذهب والتقليد والجواب عنها، الأئمة ليسوا قسيما للكتاب والسنة بل مقربون لهما، أسباب الاختلاف بين العلماء وأنواعه والترجيح بينهم، العصبية المذهبية، من يحق له أن يفتي في النوازل وغيرها، مراعاة التخصصات وفقه الواقع... ويختم الفصل ببيان حكم لزوم مذهب.

3. الفصل الثالث: حكم الخروج عن المذاهب الأربعة
ويناقش فيه القضية المعروفة بالتلفيق بين أقوال العلماء وتخير أحكام مختلفة من مذاهب مختلفة بما يوافق حال السائل.

4. الفصل الرابع: هل مذهب الظاهرية معتبر؟

5. الفصل الخامس: العمل بالحديث الضعيف في الفضائل ونحوها.

6. الفصل السادس: متفرقات ذات صلة بالتمذهب.

وفي مباحثه: بين الفقه والحديث؛ فوضى علمية لم يشهد لها التاريخ مثيلا؛ كيف تصل إلى المعتمد في مذهب الشافعية.

وفيما يلي مقتطفات من شرح الباحث لأكثر 3 مسائل ذيوعًا في باب التمذهب:

1. كيف "يبتدع" الأئمة مذاهب لم يكن عليها عمل سلفهم من الصحابة والتابعين وهم كانوا أحرص على العلم وفقه الدين؟

لم يخترع الأئمة قواعد المذاهب في حقيقة الأمر، وإنما حرروا القواعد والأصول التي بدأها الفقهاء من الصحابة وتابعوهم، ولم يكن تدوينها معمولاً به وقتها، مع تأصيل أسس ومناهج البحث والاستنباط التي تخيروها بدقة وعناية واستقصاء أفنوا فيه الطلب، وفق ما فهموه من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة واجتهاداهم.

لقد كان معلوماً ضمنياً وبالضرورة وبداهة أن أهل العلم الراسخون فيه معدودون ثقات، ولم يكن الصحابة كلهم ولا التابعون كلهم على قدرهم أهل فتيا يؤخذ عنهم الدين، إنما كان في حملة القرآن العارفين بأحكامه وناسخه ومنسوخه.. إلخ.

وقد اقتضت حكمة الله وسنته في خلقه أن يتفاوت الناس في العلوم والمعارف عموماً وفي درجة معرفة أحكام الشريعة خصوصا. فكان لا بد أن يتمسك الجاهل بالعالم، والعالم بالأعلم، ليكون الكل على صراط واحد مستقيم.

وقد كان في الصحابة من لا تطمئن نفسه إلا لفتاوى ابن عباس، وعاش أهل العراق زمنا طويلا يلتزمون مذهب عبد الله بن مسعود متمثلا في شخصه أو تلاميذه، كما ظل أهل الحجاز أمدا يلتزمون عبد الله بن عمر، ولم يعرف إنكار عليهم في ذلك. بل إن عطاء ابن رباح ومجاهد انفردا زمنا بالفتوى في مكة ومنادي الخليفة يصيح: لا يفتي الناس أحد إلا هذان الإمامان، فما قام أحد من التابعين ينكر ذلك.

2. لماذا يلزم اتباع مذهب؟

أجمع أهل العلم على مشروعية التقليد في الفروع لمن لم يكن أهلا للاجتهاد، وقد قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَھلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. والمقلد غير عالم فلا يصح له إلا سؤال أهل الذكر وإليهم مرجعه في أحكام الدين، وما لا يتم به الواجب إلا به فهو واجب.
ويوضّح ابن القيم في كتابه "إعلام الموقّعين عن رب العالمين"، في فصل التقليد والاتباع في الدين، مرتبتين:

1. التقليد المذموم بل المحرّم: ويشمل
• الإعراض عما أنزل الله أصلا في كتابه وعلى لسان رسوله، لتقليد ما كان عليه الآباء والأسلاف.
• أخذ الدين والفتوى ممن ليس ثقة ولا أهلا في الأخذ عنه.
• اتباع قول أو رأي لا حجة ولا دليل ولا سند له.
• العناد على رأي بعد قيام الحجة على بطلانه وظهور الدليل على خلافه.

2. والتقليد المحمود بل الواجب
• هو لمن يبذل جهده في اتباع ما أنزل الله، لكن خفي عليه بعض وجوهه، فاتبع من هو أعلم منه بذلك، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم، العلماء ورثة الأنبياء، من حيث إنهم ورثوا عنهم علمهم ويقومون في الأمة مقامهم في تبليغ أحكام الله تعالى إلى الخلق، وهم أولوا الأمر المعنيون في قوله تعالى {أَطِيعُوا اللَّه وَأَطِيعُوا الرَّسُول وَأُولِي الْأَمْر مِنْكُمْ} [النساء: 59]. لكن طاعتهم واتباعهم دائما مشروطة بطاعة الله ورسوله، فهي تبع لها لا مستقلة عنها.

فالمذاهب الأربعة ليست ندا للكتاب والسنة، بل هي فهم وعمل على منهاج الكتاب والسنة، منضبط بأصول محددة ومنهجية مستقرة وغاية محددة المعالم، وليس مجرد أهواء فهم أو ميل نفس.

3. هل باب الاجتهاد مغلق من بعد الأئمة الأربعة؟

بداية الاجتهاد ليس أمرا هينا كما جرى تسطيحه على ألسنة الناس بتعميم مقولة "باب الاجتهاد مفتوح"، كأن كل من عرف كلمتين صار له أن "يرى" في أمور الدين بحسب فهمه. بل هو علم له أصول وضوابط تحفظ من الإفراط والتفريط، وهو كذلك مراتب تفنى في تحصيله أعمار ولا تدركه، لأنه فتح رباني في المقام الأول يختص به الله من يشاء من عباده. فلا يمكن أن نوكل الأمر إلى غير أهله لعدم وجود أهله، كما لا يمكن أن نقول لغير متخصص في الجراحة: اعمل عملية جراحية في القلب، لأنه إن عملها هلك وأهلك، نعم نقول للناس: تأهلوا لذلك ولا نقول لمن ليس أهلا: اقتحم ذلك.

والمجتهد قسمان: أحدهما: من جمع شرائط الاجتهاد كلها وضابطها وله أن يُحدِث أصولا وقواعد وفروعا لم يسبقه إليها أحد؛ وهذا متعذر الوجود لاستيعاب المتقدمين من السلف لسائر الأساليب. فلا يمكن أن يقال عندها: إن ذلك ما زال الباب مفتوحا له. (وتفصيل هذا التقرير بالأدلة مسرود في موضعه من الكتاب)

والنوع الثاني من المجتهدين، المجتهد المنتسب على مرتبتين: من يختص بمذهب واحد من الأئمة كالشافعي وعرف مذهبه وصار حاذقا فيه بحيث لا يشذ عنه شيء من أصوله فإذا سئل في حادثة فإن عرف لصاحبه نصا أجاب عليه وإلا يجتهد فيها على مذهبه ويخرجها على أصوله وهذا أعز من الكبريت الأحمر. ومن يرجح بين أقوال الأئمة الأربعة، ومن يفتي في النوازل عن اجتهاد.

فباب الاجتهاد في ذاته مفتوح له وفضل الله واسع لكن أين الهمم والعزائم؟ هذا ليس بالأمر الهين، فيجب التحري والاعتناء حتى لا يدعيه غير أهله فيحصل الفساد العريض في الدين والفوضى العلمية في الإفتاء ونحوه كما قد حصل في زماننا فعلا.

عن المؤلف:

المؤلف هو عضو الإفتاء بوزارة الأوقاف القطرية، عبد الفتاح قديش اليافعي، من اليمن، الحاصل على درجة الماجستير من كلية أصول الدين بجامعة وادي النيل في السودان.

معلومات الكتاب:

اسم الكتاب: التمذهب (دراسة تأصيلية مقارنة للمسائل المتعلقة بالتمذهب)
اسم المؤلف: عبد الفتاح بن صالح قديش اليافعي
الناشر: دار الصالح
عدد الصفحات: 343

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة ومحاضِرة في الأدب والفكر وعُمران الذات. محرّرة لغوية ومترجِمة. مصممة مناهج تعليمية، ومقدّمة دورات تربوية، وورش تدريب للمهارات اللغوية. حاصلة على ليسانس ألسن بامتياز، قسم اللغة الإنجليزية وآدابها.

شاهد أيضاً

تراث القدس.. سلوة النفس

يعد هذا الكتاب القيّم تراثًا مقدسيًّا فلسطينيًّا مبسّطًا - إلى حد ما - ومجمّعًا بطريقة …