اللباقة في خطر !

الرئيسية » حصاد الفكر » اللباقة في خطر !
Friendsshakinghands-GettyImages-478167145-5a3dee1b4e46ba003694cbe9

منذ شهرين تقريبًا، وتحديدًا في 31 مايو نشرت مجلة «نيتشر» مقالاً أصنفه أنا ضمن المقالات بالغة الأهمية، نظرًا لأن نتيجته تفيد بأن اللباقة في خطر!

فقد قالت الصحيفة إن كلمة «شكرًا» يندر سماعها حول العالم، فقد تم تركيب كاميرات مزودة بميكروفونات في أماكن عامة في خمس قارات، مما سمح للباحثين برصد محادثات جرت بثماني لغات، وكانت النتيجة صاعقة فمن بين ألف شخص طلبوا معروفًا أو إسداء خدمة أو السؤال عن جهة معينة وقام الآخرون بالتجاوب معهم فأسدوا إليهم الخدمة، أو أجابوهم عن أسئلتهم، قام خمسة وخمسون شخصًا فقط بالإعراب عن الامتنان والتقدير سواءً بقول شكرًا أو حتى بإيماءة توحي بالامتنان!

ومن فواجع الأمور أن المتحدثين بلغة تشابالا في الإكوادور لم يعبروا عن شكرهم ولو مرة واحدة خلال سبع وتسعين مرةً تلقوا فيها معروفًا طلبوه!

فاعل المعروف في الغالب لا ينتظر كلمة «شكراً» على معروفه.. أنتم وأنا، لن نتردد في إرشاد شخص تائه، أو مساعدة شخص طلب أية مساعدة، ولو عرفنا مسبقًا أننا لن نسمع منه كلمة شكر أو امتنان، والسبب أننا حين نُقدّم معروفًا للآخرين فنحن نخدم أنفسنا أولاً، لأننا نحقق إنسانيتنا! وما سمي الإنسان إنسانًا إلا لأنه يأنس بغيره وغيره يأنس به كما يقول ابن جنى لغوي العرب الفذ، ولكني لا أفهم لماذا يبدو البعض بهذا الجفاء وهذه الأنانية فلا يردون المعروف بكلمة لن تكلفهم شيئًا!

قيل قديمًا: ليس عليك أن ترد المعروف، ولكن كن أرقى من أن تنكره!

عندما تاب الله على كعب بن مالك بعدما تخلف عن غزوة تبوك، دخل المسجد مستبشرًا، فقام إليه طلحة يهرول واحتضنه: بقي كعب كلما حدث بالقصة يقول: والله لا أنساها لطلحة!

على الإنسان أن يكون نبيلاً مع الناس، لبقًا ابتداءً، أما إذا كان الآخرون نبلاء معه أولاً ولبقين، فإن نبلهم ولباقتهم دين في رقبته، ولم يعد مخيرًا في أن يكون نبيلاً وإنما هو مجبر، لهذا إن الذين لا يبادلون النبلاء نبلهم هم في الحقيقة يسيئون إلى أنفسهم!

يعجبني الأهل الذين يعتبرون أن كلمة «شكرًا» للآخرين يجب أن يتعلمها أولادهم كما يتعلمون سورة الفاتحة، وهذا هو الفرق بين التربية والإعالة، إن تقديم الطعام والشراب والرعاية الطبية للأولاد إعالة وليس تربية، فهذا يفعله كل إنسان اقتنى حيوانًا أليفًا مع حيوانه الأليف! أما التربية فهي غرس الأخلاق والقيم والمبادئ، وإن تقدير فعل الخير الذي تتلقاه جزء مهم من الأخلاق.

والشيء بالشيء يُذكر، قرأتُ عن مقهى في مدينة نيس في فرنسا يقدم القهوة أرخص للزبائن المهذبين! فإذا قلتَ للنادل: قهوة! فستدفع 7 يورو، أما إذا قلت له: صباح الخير، قهوة من فضلك! فستدفع 2 يورو!

صحيح أن الأدب والأخلاق لا تُقدر بثمن، ولكن من الجميل أن نجد في هذا الكوكب أشخاصًا مازالوا يعيرون هذه الأشياء اهتمامًا، ويحرصون أن يروا الآخرين مهذبين!

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • الوطن القطرية
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

قراءة سياسية في عبادة الصيام

عندما نضع الصيام في سياق العبادة في الإسلام نجد أن العبادة وسيلة تحقق غايات عليا …