جمالية الدين… معارج القلب إلى حياة الروح!

الرئيسية » كتاب ومؤلف » جمالية الدين… معارج القلب إلى حياة الروح!
index

نشهد في أيامنا هذه طغيان الشبهات والفتن على معالم السنن، واختلاف الموازيين لدى كثير من الناس بفعل سحرة العصر وشياطين الإعلام وكهنة الثقافة، حيث صوّروا الدين بصورة "كاريكاتورية" مرعبة، ومما زاد من بشاعة هذه الصورة سلوك بعض المتدينين الجهلة، وخطابهم الفج، حيث ضاع جمال الدين وسط هذه الخطوب، ولهذا فمن واجبات الدعوة إلى الله أن ينهض أهل الفضل والعلم بإنجاز شتى دروب البيان، مما يحتاج إليه إنسان هذا الزمان الذي كان ضحية التغريب والتخريب في السلوك والاعتقاد، ووقع صيداً سهلاً في شراك الشبكة التي نصبها له الإعلام وسحرة الفضائيات!

ولهذا جاء الكتاب؛ ليقرر حقيقتين اثنتين هما:

-الأولى: أن الجمال جوهر أصيل في الدين، تفيض أنواره من كل حقائقه الإيمانية والتشريعية.

-الثانية: أن تجميل التدين وتحسينه، حتى يكون غاية في الحسن والجمال، هو قصد مبدئي أصيل من الدين.

-مع الكتاب:

تناول المؤلف في التمهيد في مفهوم الجمالية بين الإسلام والفلسفة الغربية، إذ إن الجمال في الإسلام أصل أصيل سواء من حيث هو قيمة دينية "عقديّة وتشريعية"، أو من حيث هو مفهوم كوني، وكذلك من حيث هو تجربة وجدانية إنسانية، لذلك كان التفاعل بين الإنسان المسلم مع قيم الجمال ممتداً من العبادة وحتى العادة، ومن كتاب الله المسطور إلى كتابه المنظور، فالفرق بين المفهوم الغربي والإسلامي في الجمالية كما الفرق بين الطبيعة والتمثال، أو بين الحقيقة والخيال، فالصورة التي يبدعها المسلم ليست بصورة جامدة في متحف من المتاحف، وإنما هي صورة حية تتمثل في سلوكه اليومي في شتى عباداته؛ ليكون للجمال فيها روح نابضة.

جاء تقسيم الكتاب مخالفاً للتقسيم المألوف، فاستبدل مسميات الأقسام بالإشراقات، وكأن المؤلف يحاول أن ينفذ بإشراقات وجماليات هذا الدين إلى روح وقلب القارئ، فيعيش القارئ بكل حواسه مشاهد الجمال والنور المتدفق من المعاني والحقائق التي يحاول المؤلف أن يوصلها، بل ويحلق بالقارئ الكريم في فضاءاتها، فجاء تقسيم الكتاب في أربعة إشراقات، ويندرج تحت كل إشراق مشاهده الخاصة به.

الإشراق الأول- في جمالية التوحيد ويتحدث فيه عن:

المشهد الأول- العقيدة الإسلامية بين جمال القرآن وتقسيمات علم الكلام: تحدث في هذا المشهد عن جمال العقيدة الإسلامية التي لم تكن في القرآن الكريم ولا السنة النبوية إلا لمسة تربوية، لها الأثر الروحي على الوجدان والسلوك، والتي تلقاها المسلمون الأوائل بعباراتها القرآنية بعيداً عن التقسيمات العقلية الجامدة، إذ بهذا التلقي لحقيقة لا إله إلا الله بعيداً عن العلم الجدلي استطاعوا أن يتحولوا من بشر عاديين مرتبطين بعلائق التراب، إلى خلائق سماوية تنافس الملائكة في السماء.

المشهد الثاني- في جمالية التعريف القرآني بالله: أفاض الحديث في هذا المشهد عن مفهوم كلمة الرب وما تحمل من معاني جمالية فيها، وأنّ هذه المعاني جالبة للمحبة لمن عرف ما تتضمنه كلمة الرب حقاً وصدقاً، فمعرفة الربوبية مورثة لمحبة الله تعالى، فالهبة والعظمة في ذات الرب تورث العبودية في القلب المؤمن، عبودية قائمة على المحبة الخالصة.

المشهد الثالث- في جمالية التفكر الإيماني: تناول جمالية التفكر بالخلق والنفس ومجال الإحسان الرباني المنعم المتكرم، وقد سلّط الضوء على جمالية بعض من الآيات في هذا المجال، إذ إن الإسلام في هذا المجال ليس كأي دين، ولكنه يحتاج لذواقين ليتذوقوا الجمالية فيه، فهو دين المحبة، والمسلم يسلك مدارج المحبين، وأنّى لقلب المسلم الخافق بهذه المعاني من المحبة والأشواق أن يحمل في ثناياه شراً أو أي أذى، فالقلب الممتلئ بمثل هذه المحبة والأشواق والمواجيد لا يفيض إلا بذلك.

الإشراق الثاني- في جمالية عقيدة اليوم الآخر ويتناول فيه:

المشهد الأول- في جمالية العمر: العمر هبة ربانية كبرى للإنسان؛ إذ تكمن حقيقته فيه، ولا يقتصر العمر على الامتداد الطولي المتعلق بالماضي والحاضر والمستقبل، بل له امتداد عرضي يتعلق بالأعمال والمنجزات، وإذا أحسن الإنسان فهم هذا استطاع أن يستغل المساحة العرضية من عمره، وإن قصر عدد السنوات في الامتداد الطولي.

المشهد الثاني- في جمالية الإيمان بالغيب: تتجلى جمالية الغيب في مظاهر كثيرة، فالإنسان يسيح في هذا الفضاء الواسع الذي تهبه له العقيدة الإسلامية، ولا تقتصر نظرته على حدود هذه الحياة القصيرة، إذ يتحرر بشعوره وعقله وفكره من حدود الأرض، فهناك عوالم وخلائق أخرى غير هذه التي يشاهدها، وشعور الإنسان بحياة أخرى هي امتداد لحياته هذه يشعره بالأنس، لذلك ارتبط تدين المرء المسلم بالإيمان بالغيب الذي هو مصدر القوة في تدفق الشعور الديني عنده، وإخلاص العمل لله، كما أنه شرط الفلاح والفوز في الحياة الدنيا والآخرة عند الله.

المشهد الثالث- في جمالية الموت: لا تُدرك حقيقة الموت وجوهره إلا عندما يتذوقه المرء، فبمجرد أن يموت الإنسان يدرك حقيقة الموت الكاملة وتزال عنه الحجب، والكل سيتجرع الموت، والكل عنده مشاعر الحيرة والاضطراب والخوف إزاء هذه الحقيقة، لكن المسلم وحده يختلف في مشاعره تجاه الموت عن غيره، فحيرته تعبدية، فيسلم لله، ويكفي الموت جمالاً وبهاء أنه يحمل في طياته متعة، وحقيقة الوصول، فما أشبه الموت بانتهاء غربة الغريب والعودة لدياره ولقياه بالأحبة بعد طول سفر.

المشهد الرابع- في جمالية الحياة الآخرة: الحياة الآخرة مقابل للحياة الدنيا، وشتان بين حقيقة الحياتين، فحياة بدايتها تكون أول الخطوات في طريق انتهائها تختلف عن حقيقة الحياة التي بدايتها تكون أول مدارج الخلود، وهل تخبطت البشرية وتعثرت خطاها إلا بعد أن غفلوا وتضاءل شعورهم بالحياة الأخرى، ولو لم تحمل الحياة الأخرى في حقائقها غير جمالية الفصل بين الخلائق لكفاها جمالاً، فكيف إذا أضافت لذلك جمالاً آخر من لقاء الأحبة من الصالحين والأنبياء منذ عهد آدم حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ويُكلّل كل معاني الجمال السابقة جمال رؤية الله جل شأنه!

الإشراق الثالث- في جمالية العبادة وفيه المشاهد الآتية:

المشهد الأول- في جمالية الانتساب التعبدي: العبادة هي عنوان الجمال في الإسلام، وشعار المحبة؛ إذ يخاطب الله سبحانه من يحبه: (يا عبدي)، خطاباً يفيض محبة وأنساً، إذ للعبودية معنى يدل على الخضوع والتسليم عن محبة ورضا، بعيداً عن السخط والإكراه، ويكفي المسلم من مشاعر الجمال جمال انتسابه لسيده وربه ومولاه.

المشهد الثاني- في جمالية الصلاة أمّ العبادات: للصلاة جمال الدخول في موكب الكون الذي يدور في فلك العبودية بين تسبيح وسجود وركوع، فالمسلم في صلاته يتناسب مع كل الكائنات من حوله، ويدور معها في فلك العبودية، وعبادة الله في الصلوات الخمس إنما يعني أن نعبد الله في العمر كله، ففوات وقت من أوقات الصلاة يعني أنك خرجت في ذلك الوقت عن المدار الصحيح.

الإشراق الرابع- في جمالية منازل العبادة وفيه:

تمهيد: في معنى المنازل والأحوال:

المشهد الأول- في جمالية التوبة: إن كان الوضوء طهوراً للأعضاء البدنية، فكذلك التوبة طهوراً للنفس من خبائثها، وهي أول باب يدخله السالك في معراج المحبة. والتوبة نوعان: توبة العبد الآبق الشارد عن باب الله، وتوبة العبد السالك إلى الله، وتتجلى جمالية التوبة أنها الأمل الممتد في الطريق إلى الله، فلا قنوط ولا يأس بارتكاب الذنوب مادام باب التوبة مخضراً مفتوحاً.

المشهد الثاني- في جمالية الخوف والرجاء: هما الجناحان اللذان نطير بهما، ونسعى إلى الله، كما جناحي الطير فلا تحليق ولا طيران إلا إذا استويا، والرجاء الجناح الأيمن، وهو المسيطر على سير الطيران، والخوف خادم له ومحرك، إذ إن أصل علاقة العباد بربهم هو الرجاء.

المشهد الثالث- في جمالية المحبة: إنّ للمحبة من الأهمية في تقرير حقيقة التدين ما لا يجب أن يغفل عنه المسلم، ولكنها لم تأخذ المكانة اللائقة بها في حياة المسلمين اليوم، فانتشرت في أفهامهم وسلوكهم الآفات، فمن أضاعها أخل بجوهر الدين وبروح التقوى.

خاتمة المشاهد- (إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ) (رواه مسلم) بناء على هذا، كان لا بد من التركيز على إنتاج الإنسان الجميل حتى تكون الحياة الجميلة، فالجمال في الإسلام يهتم أساساً بجمالية الروح، فالأصل أن تكون الصورة تابعة للروح وليس العكس.

مع المؤلف:

فريد الأنصاري، ولد في إقليم الرشيدية في المغرب عام (1960م)، حاصل على عدة شهادات منها: دكتوراة في الدراسات الإسلامية تخصص أصول فقه. له عدة مؤلفات: "قناديل الصلاة"، "سيماء المرأة في الإسلام بين النفس والصورة"، "ميثاق العهد في مسالك التعرف إلى الله".

بطاقة الكتاب:

اسم الكتاب: جمالية الدين معارج القلب إلى حياة الروح.
المؤلف: فريد الأنصاري.
مكان النشر: مصر -القاهرة.
دار النشر: دار السلام للطباعة والنشر.
سنة النشر: 2009م.
عدد صفحات الكتاب: 296صفحة.

كتب ذات صلة بالموضوع

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة حاصلة على الدكتوراة في العقيدة والفلسفة الإسلامية من جامعة العلوم الإسلامية العالمية في الأردن. و محاضرة في جامعة القدس المفتوحة في فلسطين. كتبت عدة مقالات في مجلة دواوين الإلكترونية، وفلسطين نت، وشاركت في المؤتمر الدولي السادس في جامعة النجاح الوطنية حول تعاطي المخدرات. مهتمة بالقضايا التربوية والفكرية، وتكتب في مجال الروحانيات والخواطر والقصة القصيرة.

شاهد أيضاً

كيف تمسك بزمام القوة: ثمان وأربعون قاعدة ترشدك إليها

حتى يتمكن الإنسان من التعامل مع الناس والنجاح في الحياة يحتاج إلى قواعد عامة وخطوط …