لقد حلّ بالمسلمين من المصائب والنكبات والخطوب الجسام والرزايا العظام التي يتألم منها كل مؤمن مخلص صادق مع ربه، وقد يسأل سائل ما سبب ضعف الأمة الإسلامية؟!
وما هو سبيل النصر على الأعداء؟
فأقول: الضعف مرض وهو يحتاج إلى دواء فعلينا أولًا أن نشخص المرض ثم نعالجه بالدواء الناجع، إن معرفة الداء يستلزم صرف الدواء الصحيح للحالة وهو من أعظم أسباب الشفاء والعافية، وإن تشخيص الداء جاء بصريح الكتاب والسنة:
قال تعالى ﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير﴾ وقال تعالى:﴿أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم﴾، وقال تعالى:﴿ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك﴾، وقال سبحانه: ﴿ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون﴾ وقال سبحانه وتعالى: ﴿إنّ اللهَ لا يغيرُ ما بقومٍ حتى يُغيروا ما بأنفسِهم﴾، وقال تعالى: ﴿ومن يتق اللهَ يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾، وقال: ﴿ ومن يتوكل على الله فهو حسبه﴾ .
ورى أبو داود (3462)، وأحمد 2/ 28 و 42 و 84، وأبو يعلى (5659) عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
"إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم".
ما هو سبب الذل؟
إنه الركون إلى الدنيا وملذاتها وترك الجهاد في سبيل الله، وإن آخر الحديث فيه الدواء لذلك الداء (حتى ترجعوا إلى دينكم)، أي دين نرجع إليه يا ترى وبأي منهج؟!
فأقول: لا وصول إلى الإسلام الصحيح إلا بمنهج سلف الأمة، فمن هم السلف؟!
هم الصحابة والتابعون وتابعوهم من الأئمة الذين يقتدى بهم كالأئمة الأربعة وسفيان الثوري والبخاري وسفيان بن عيينة وغيرهم من الأئمة الأجلاء الأعلام، الذي شُهد لهم بالإمامة في الدين والورع والتقوى، وهم أهل منهج النقل، ولهذا يعرفون بأهل الحديث والأثر، وإن أتباع الحق من الطائفة المنصورة اليوم ينسبون أنفسهم إلى السلف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 4/ 149:
"لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق، فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقًا".
والأدلة على صحة هذا المنهج كثيرة، أذكر منها:
قوله تعالى: ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيكَفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾، فجعل الله سبحانه وتعالى الإيمان بمثل ما آمن به الصحابة علامة على الهداية، وجعل التولي عن ذلك دليلاً على الشقاق والضلال.
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً ﴾، وسبيل المؤمنين ما كان عليه النبي ﷺ وصحابته الكرام منهجًا وسلوكًا واعتقادا، يَحرم الخروج عنها واتباع غيرها، وتوعد الله من أخذ بغير سبيلهم جهنم وسوء المصير.
وقوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوزُ الْعَظِيمُ ﴾، فأثنى الله تعالى على من اقتدى بالصحابة بقوله:
﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ﴾، وهذا لأن الصحابة رضي الله عنهم تلقوا الدين عن النبي ﷺ بلا واسطة ففهموا من مقاصده ﷺ، وعاينوا من أقواله وسمعوا منه مشافهة، وهذا مما لم يحصل لمن بعدهم.
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله:
"فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، وهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه ولئن قلتم إنما حدث بعدهم ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم، فإنهم هم السابقون، فقد تكلموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر، وقد قصر قوم دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوام فغلوا، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم". أخرجه أبو داود (4612).
وقال النبي ﷺ:
"خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء من بعدهم قوم تسبق شهادتهم أيمانهم، وأيمانهم شهادتهم".
أخرجه البخاري (2652) و (3651) و (6429) و (6658).
قال إبراهيم النخعي:
"لو بلغني عنهم - يعني الصحابة - أنهم لم يجاوزوا بالوضوء ظفرا ما جاوزته به، وكفى على قوم وزرا أن تخالف أعمالهم أعمال الصحابة".
ولقد أخبر النبي ﷺ أنه لا نجاة إذا حصل الافتراق في هذه الأمة، إلا باتباع ما كان عليه ﷺ هو وأصحابه....