ربما من أكثر المصطلحات بروزاً وشيوعاً في الساحة السياسية الفلسطينية هي مصطلح "عملية السلام" ومصطلح "المصالحة الفلسطينية" فلا يكاد يخلو حديث إلا ويتم ذكرهما، وكل يذكرهما بما يناسب هواه، فبعضنا يذكرهما مدحاً، وبعضنا يذكرهما قدحاً، ولكل ذاكرٍ أسباب.
لكن ما الذي يجعل هذين المصطلحين مشهورين، و لا يفارقان حديث أي مُشتغلٍ أو مُنشغلٍ بالسياسة الفلسطينية؟ و ما الذي يجمع بين المصطلحين، وما الذي يفرقهما؟
بداية وجب التأكيد على أن مصطلح "عملية السلام" هو من مواليد 1990 في أوسلو،، وقد شهد ولادته الجيل القديم وتراوحت الآراء حوله بين مؤيدٍ ومعارضٍ، بينما مصطلح "المصالحة الفلسطينية" ولد عام 2007، وقد شهد ولادته جيل جديد ومن تبقى من الجيل القديم، وبرغم بعد المسافة الزمنية بينهما وطبيعة الدوافع، واختلاف طرفي كل مصطلح، وبغض النظر عن مكان وزمان الولادة ومن أشرفَ على الولادة وموقف الاخرين، يجب التأكيد أن كليهما لم يثمرا شيئاً حقيقايً لصالح فلسطين وأهلها حتى الآن، وهنا يطرح السؤال لماذا لم تثمر شجرة عملية السلام والمصالحة الفلسطينية الثمار المرجوة منها:
1_ أن لعملية السلام (طرفين) طرف يريد السلام ويطبق ما يلتزم به "السلطة الفلسطينية"، بينما الطرف الآخر "الكيان الصهيوني" يدعى أنه يريد السلام، ويمارس عكس ذلك، وهذا نجده في المصالحة، ففيهما طرفان أحدهما يريد مصالحة وقدم كل ما تم الالتزام به وبشهادة الجميع "حماس"، وطرف يدعى أنه يريد المصالحة، لكنه يمارس عكس ذلك "السلطة الفلسطينية".
2_ أن الطرف القوي في عملية السلام "الكيان الصهيوني" لا يعترف بغير الولايات المتحدة الأمريكية راعياً للسلام، لأنه يعرف تماماً أنها لن تجبره على فعل شيء لا يراه مناسباً، وكذا السلطة الفلسطينية لا تعترف بغير مصر وسيط وراعٍ للمصالحة، لأنها متأكدة أنها لن تجبرها على شيء، وكل ما يُقال من ضغطٍ مصريٍ على السلطة لإنجاز المصالحة هو أمر لا يقبله عقل.
3_ أن الطرف القوي وبالتعاون مع الوسيط يريد حرق سمعة ومصداقية الآخر الفلسطيني من خلال إظهاره أنه لا شيء في كل شيء، من خلال إفراغ جولات التفاوض من أي مضمون فعلي حقيقي، وهذا يفعل الطرف القوي وبالتعاون مع الوسيط في المصالحة.
4_ يهدف الاحتلال من خلال عملية السلام إلى توسيع رقعة الشرخ في الصف الفلسطيني من جهة والعربي من جهة أخرى، بينما الطرف الآخر الفلسطيني يهدف إلى إنهاء النزاع، وفي المصالحة يهدف الطرف القوي إلى فرض رؤيته السياسية فقط دون الأخذ بعين الاعتبار أنها فاشلة، وإقصاء أطراف سياسية أخرى ذات رؤى مختلفة،على عكس الطرف الحريص على جمع شمل الرؤى السياسية على قاعدة مشتركة تخدم الوطن والمواطن.
5_ إن مصطلح "عملية السلام" مطلوب منه أن يشير إلى ضرورة خلق السلام مع عدو وإحلاله بدل حالة الحرب التي كانت موجودة، أما عملية المصالحة فتشير في أبسط معانيها إلى إعادة ما كان من وئامٍ بين "طَائِفَتَينِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلا" فالواجب على ذوي القربى "فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا".
6_ الموقف الشعبي والفصائلي داخلياً وعربياً لم يجمع على عملية السلام مع الاحتلال بحكم أن ذلك تنازل وخيانة للقضية الفلسطينية، بينما المصالحة تجد إجماعاً فلسطينياً أكبر، هذا لا ينفي وجود من يتربص بالمصالحة كي لا تستو على سوقها، لأن يرى فيها تهدد مصالحه.
يبقى القول بأن التحرك الذي نتيجته "لا شيء" لصالح القضية الفلسطينية هو أكثر التعابير دقة وصدقاً لأنه من وحي الواقع، وليس من وحي الخيال، فعملية السلام الأكذوبة انطلقت من أجل جملة من الأهداف يتم تنفيذها وفق جدول زمني محدود، انتهت هذه المدة بأن أخذ القوي ما يريد وبقي الضعيف يصرخ أعطوني نصف حقي أعطوني أي شيء، وهذا ينطبق على عملية المصالحة التي يأخذ فيها الطرف القوي ما يريد ويُبقي الطرف الآخر في قفص الانتظار حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، وهذا ماقاله ذات يوم زعيم المقاطعة "مش مستعجل".