أغبياء نحن إلى حد السخف حين نحطم رموز قضايانا الإسلامية والقومية والوطنية باحثين عن أي مآخذ عليهم، حتى إن كانت هذه المآخذ ظاهرية، تأتي على هوامش هوامش الأصول والقضية الكبرى.
يتحدث البعض عن الأستاذ سيد قطب فيقول: كيف نقبل منه فكره وفلسفته وهو حليق غير ملتح.
ويتحدث البعض عن الشيخ محمد الغزالي فيقول: وكيف نقبل من هذا وقد كان يسمع الغناء ويبيحه.
ولقد تحدثت يوما أنا وبعض الأصدقاء عن شيخ تُوفي في بلدتنا كان يعلمنا القرآن ونحن صغار، فقال أحدهم: لقد طلبت منه كثيرا أن يلتح قبل موته، فمات وهو حليق. يقولها وهو مقبوض كأنما يجزم له بالعذاب بسببها.
لا يوجد أكثر منا نحن الإسلاميين إصرارا على هدم الرموز وتشويه صورتهم بأي حديث عنهم، حتى إن كان حديثا هامشيا، أو حديثا غير موثق فيه مزايدات ومبالغات وكذب.
لا يوجد أكثر منا نحن الإسلاميين إصرارا على هدم الرموز وتشويه صورتهم بأي حديث عنهم، حتى إن كان حديثا هامشيا، أو حديثا غير موثق فيه مزايدات ومبالغات وكذب
جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وحسن البنا وسيد قطب ومحمد الغزالي ويوسف القرضاوي، وغيرهم الكثير.
وهم رموز لو وُجدوا في أي أمة أخرى، بل وفي أي تيار آخر غير التيار الإسلامي، لكانوا صنعوا لهم التماثيل، ونصبوهم فلاسفة ومؤصّلين، يرجع أهل الفكر والتأصيل إليهم، ويدفعون عنهم كل محاولات التشويه، حتى إن استندت إلى بعض الحقائق، وذلك على اعتبار بحر حسناتهم الكبير، الذي تغرق فيه قطرات سيئاتهم، فلا تُرى، ولا يُقام لها وزن.
من عاداتنا الأصيلة نحن الإسلاميين تشويه الرموز، الإسلامية والوطنية والقومية، بسبب وبغير سبب، وبسبب غير ذي قيمة..
عهد التميمي، تلك الفتاة الفلسطينية الصغيرة، التي أحدثت ضجة كبيرة في وسائل الإعلام المحلية والعالمية، حينما ظهرت في مقطعي فيديو، فيديو قديم وهي طفلة صغيرة، وفيديو حديث وهي شابة صغيرة، وفي كليهما تهاجم شرطيين صهيونيين، جاءا إلى بلدتها، فيعتديان على أهل البلدة، ويعيقان الحياة والحركة فيها.
الفيديوهان معبران خير تعبير عن القضية الفلسطينية، أو عن جانب كبير فيها، ولا نبالغ إن قلنا أنهما فيديوهان تاريخيان.
ففيهما فلسطينيون مدنيون في بلداتهم يعيشون بسلام، تأتي إليهم القوات الصهيونية لتعتقل الناس وتهدم البيوت وتعيق حياة الناس وحركتهم.
فيخرج إليهم المدنيون، وهم لا يملكون ما يدفعونهم به عنهم، إلا أيديهم المجردة، أو التي تمسك الحجارة كأقصى ما يملكونه ويدفعون به.
وعلى الرغم من كل ذلك، يُظهر المشهد كم هو جبن المحتل الغاصب المدجج بأحدث أنواع السلاح والعتاد.
وكم هي شجاعة أهل البلاد الأصليين، الذين يدافعون عن بلادهم التي يعيشون عليها، والتي ورثوها عن أجدادهم الضاربين في أعماق تاريخ البلاد.
اعتُقلت عهد التميمي بعد مقطعها المصور الأخير، وحوكمت بتهمة الاعتداء على القوات الصهيونية، وسُجنت لأشهر ثمانية.
لتصبح عهد حديث العالم كله، تلك الفتاة الشابة الصغيرة، التي تقف بشجاعة منقطعة النظير، أمام الجندي الصهيوني المدجج بالسلاح، وتصفعه على وجهه.
أي شجاعة هذه، وأي فتاة هذه، هذا هو شعب الجبارين كما يقولون!
وهو شعب جبارين حقا، ولو خُلّي بينه وبين السلاح، لما وقفت أمامه القوة الصهيونية، ولا القوة الأمريكية من ورائها.
ولذلك كان أكبر ما في المؤامرة عليه، إحكام حصاره، والحيلولة بينه وبين السلاح والعتاد، حتى لا يبقى في يديه إلا سلاح بدائي، وصورايخ يدوية.
لو خلي بين الشعب الفلسطيني وبين السلاح لما وقفت أمامه القوة الصهيونية، ولا القوة الأمريكية من ورائها
لكن المؤسف المحزن في قصة عهد، أن بعضنا لم يلفت انتباههم في المشهد إلا تبرج عهد التميمي، وعدم ارتدائها للحجاب الشرعي، وربما زاد من حنق البعض زرقة عينيها وصفرة شعرها!
مؤسف عندما نترك القصة بما أصبحت تحمله من رمزية، وبما أحدثته من ضجة في العالم كله، لنتحدث عن لباس الفتاة وشكلها.
ثم يتحدث عن بعض الأسيرات المحجبات، اللاتي لا يتحدث عنهن الإعلام ولا يأبه لهن، مع ما يحدثه لقصة عهد من هذه الضجة الكبيرة.
ولقد كان من العقل وحسن الرؤية، أن نتحدث عن هؤلاء النساء القابعات في سجون الاحتلال، مستغلين في ذلك حديث العالم كله عن عهد وقصتها، دون أن نلوك عهد بهذا الحديث عن حجابها ولباسها وشكلها، وكأننا نحملها ذنب اعتقال الأخريات المحجبات وعدم الحديث عنهن.
لماذا لا نبحث نحن الإسلاميين عن المشترك بيننا وبين الآخرين في كل قضية، فنجتمع معهم على ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه.
لماذا لا نجتمع مع القوميين في قضايانا القومية، لنناضل معا جميعا، حتى إن بقي البعض منهم على علمانيته وليبراليته.
لماذا لا نبحث نحن الإسلاميين عن المشترك بيننا وبين الآخرين في كل قضية، فنجتمع معهم على ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه. ولماذا لا نجتمع مع القوميين في قضايانا القومية، لنناضل معا جميعا، حتى إن بقي البعض منهم على علمانيته وليبراليته
لقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم حلف الفضول بعد الإسلام، وقد كان حلفا اجتمعت عليه القبائل في الجاهلية لنصرة المظلوم والوقوف في وجه الظالم، فلما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم قال (لو دُعيت إليه في الإسلام لأجبت).
ويعني ذلك، أن لو دعت القبائل النبي صلى الله عليه وسلم لمثل هذا الحلف بينها وبينه على الرغم من كفرها وجاهليتها، لأجابهم الرسول، وتحالف معهم من أجل هذا الهدف العظيم، نصرة المظلوم ومجابهة الظالم.
لسنا أوصياء على الناس، وليس لنا عليهم إلا أن ندعوهم، ونجلّي لهم حقائق الدين، ومن حقائق الدين حجاب المرأة وحشمتها وعدم تبرجها.
فإن بقيت امرأة على تبرجها فلها ذلك، وخصوصا إذا ما كنّا لا نزال في ظل أنظمة ليست بالأنظمة الإسلامية، التي تأخذ على يد البعيد عن دينه المجاهر بمخالفته.
ولهذه المتبرجة أن تدافع عن قضاياها الوطنية والقومية، بل والدينية. فمهما بلغ تبرجها، ففي داخلها عقيدة مستقرة، لها أن تدافع عنها.
ولقد رأينا في كثير من المشاهد، أن أكثر الناس بعدا عن ظاهر الدين، هم أشد الناس دفاعا عنه، إلى حد أن يموتوا في سبيله.
عهد التميمي شابة صغيرة، وتبرجها ليس تبرجا مُفتنا، فهي ما تزال صغيرة السن ضئيلة الجسد، وما كان ينبغي لنا أن نقف منها هذا الموقف المخزي.
ربما يكون تبرج عهد التميمي هو من الأسباب التي أدت لحدوث الضجة من حولها، واستقبال الرؤساء لها، وتهافت أجهزة الإعلام عليها.
لكن، وما ذنبها هي في كل ذلك، وهل كانت تقصده، وتبرجت من أجله؟!
نعم، العالم يهتم لعهد أكثر من اهتمامه بالأخريات المحجبات في سجون الاحتلال، ووسائل الإعلام كذلك.
لكن ذلك ليس ذنب عهد لنحاسبها عليه، ونهاجمها بسببه.
ولو كانت عندنا بقيّة عقل، لساعدنا على إحداث أكبر الدوي والضجة حول قضية عهد، فهي رمز للقضية الفلسطينية كلها، قضية الشعب الأعزل في مواجهة قوات الاحتلال الغاصبة، وهي رمز كذلك أكثر خصوصية لقضية النساء الفلسطينيات المعتقلات.
يقول الشاعر مصطفى الجوزو عن قصة عهد.......
ما هذا آنُ الفتوى يا أصحابي
ما هذا آنُ الفارق بين البرقع والجلبابِ
كفّوا............
صار الشارع في هولندا يدعى عهدا
والقدس تصيح أنا عهدُ
والأقصى هلل والمهدُ