تربية الأبناء أو العملية التربوية تقع في نطاق السهل الممتنع، فهي أهم وأصعب من أن يستهان بها وتترك للظروف، وهي في الوقت نفسه أسهل وأبسط من أن تثار حولها المخاوف فتُزاد تعقيداً ، وإنّما التوازن فيها هو الجانب الآمن، فلا يجب أن تترك عرضة لتحكم متغيرات الظروف، ولا ترسم كقالب جامد الملامح لا يمكن العبث بشكله ومحتواه.
التوازن في تربية الأبناء يحتاج إلى تحضير خطة تربوية قويّة والالتزام بتنفيذها، ومتابعة التقييم والتقويم من وقت لآخر، وهنا سوف يتعامل الوالدان مع الأطفال كأهم مشروع يجب وضع خطة تربوية مدروسة له.
والتخطيط ركيزة مهمة لتحقيق النجاح في العمل في أي مجال كان، ويقوم على وضع خطط تحدد المهام المطلوب أداؤها في وقت محدد، لتصاغ بعد ذلك على شكل أهداف قريبة، متوسطة، وبعيدة المدى، ويتوازى تنفيذها مع التوجيه، الرقابة والتنظيم.
التوازن في تربية الأبناء يحتاج إلى تحضير خطة تربوية قويّة والالتزام بتنفيذها، ومتابعة التقييم والتقويم من وقت لآخر
ملامح الخطة التربوية:
الخطة كما يقال: "خارطة طريق" وكأية خطة استراتيجية خاصة بمشروع أياً كان مجاله، يجب وضع ملامح عامة، شروطاً وعناصر ومحددات لها حتى تبنى الخطة التربوية بالشكل السليم، وتكون قابلة للتطبيق مباشرة .
وأهم هذه العناصر في الخطة التربوية التي تجب على الوالدين صناعتها لتربية الأبناء: دراسة الحالة والظروف المحيطة الداخلية والخارجية، وتحديد نوع الخطة، ثم وضع عنوان واضح ومحدد لها، ويضاف هنا ملخص يحمل أهم مبادئ وقيم الأسرة ورؤاها المستقبلية لكل ابن على حدة، ثم يأتي دور تحديد الوقت الزمني، وتفصيل الأهداف بأنواعها، بالإضافة إلى تحديد مستوى أهمية كل هدف من الأهداف، وتحديد استراتيجيات التنفيذ، وسائل التعزيز والتحليل والتحفيز والقياس، المتابعة والتقييم والتقويم، سرد العقبات والفرص والتهديدات، ودراسة البدائل في حالات الطوارئ والتعثر.
بالتزامن مع تطبيق الخطة في تربية الأبناء يؤدي الوالدان دورهما العاطفي والإرشادي والتحفيزي والتعليمي وغيره، بينما يجب أن تخضع الخطة بين وقت وآخر للقياس والتقييم والتقويم وإعادة التهيئة حتى تناسب المستجدات والظروف.
بالتزامن مع تطبيق الخطة في تربية الأبناء يؤدي الوالدان دورهما العاطفي والإرشادي والتحفيزي والتعليمي
حبذا لو أعد الوالدان لكل ابن من الأبناء خطة تربوية فردية حتى تؤخذ في الحسبان الفروق الفردية بين ابن وآخر، وطبقاً لمهارات وميول كل منهم .
أهمية الخطة التربوية في تربية الأبناء:
1. الخطة تحفز على تنظيم وتوجيه الجهود المبذولة في عملية تربية الأبناء بشكل سليم.
2. تدرس احتياجات الأبناء الفعلية بدقة وترصد الفرص والعقبات فيتم التعامل معها بتروٍ وذكاء.
3. تحدد مسؤوليات كل من الوالدين ولا تسمح بخلط الأوراق، مع المرونة في تبادلها.
4. تتيح فرصة التقييم المستمر والمتواصل للأبناء وتحسس احتياجاتهم ونقاط قوتهم.
إلى جانب وجوه أخرى من وجوه أهمية صناعة خطة تربوية لتربية الأبناء وإن كانت تلك الوجوه هي الأهم فعليًا.
تفاصيل مكوَنات الخطة التربوية:
يعرف الوالدان أكثر من غيرهما الكثير عن أهداف زواجهما، والمستقبل الذي يخططان له، ورغباتهما لأبنائهما فيبدآن بوضع الملامح العامة للخطة التربوية ، وسرد الظروف الحالية (اقتصادية، اجتماعية، دينية، تربوية...) ومقابلتها بما يطمحان إليه، وما يودان تحقيقه، ثم يبدآن بتحديد الوقت الذي يتوقعان أنه مناسب للوصول إلى ما يطمحان إليه في أبنائهما، ويصوغان أخيراً كل ذلك على شكل أهداف تربوية بأنواعها المختلفة: (سلوكية تعليمية، أو تربوية عامة).ولا يمكن للوالدين إهمال أي شيء يخص أبناءهما، صغيرًا كان على سبيل المثال: تعليم الطفل استخدام المرحاض تمهيدا لنزع الحفاض، أو كبيراً وساميًا على سبيل المثال: حفظ القرآن الكريم كاملا وإتقان تفسيره في سن لا تتعدى الخامسة عشرة.
وحين نتحدث عن الأهداف يقفز إلى الذهن مباشرة تساؤل عن أفضل طريقة لوضع الأهداف التي يمكن أن يصوغها والدان لتربية ابنهما، وهنا لا أجد أفضل من الإشارة إلى الهدف الذكي أو كما يطلق عليه (سمارت جول) وكلمة سمارت SMART يمثل كل حرف من حروف الكلمة صفة من صفات الهدف الذكي، وهي كما يلي:
وعلى سبيل المثال إذا أراد الوالدان توجيه ابنهما حسب قدراته وبعد اكتشاف هواياته واهتماماته ومهاراته، إلى الاختراع والتطوير أو دراسة هندسة الأجهزة الطبية مثلًا، يجب صوغ هدف أو عدة أهداف ذات صلة ببعضها البعض يتمم كل منها الذي قبله ويمهد للذي بعده، كما يلي:
أهداف خطة تربوية لتهيئة ابن للفوز بجائزة في الاختراعات تمهيداً للتخصص الذي يميل إليه ويناسب قدراته:
1. أن يحفظ (فلان) وظائف ومكونات الأجهزة الطبية (كذا وكذا وكذا) في نهاية 2019م
2. أن يتقن (فلان) فك وتركيب الجهاز الطبي (كذا) في فبراير 2020م
3. أن يجري (فلان) تطويرا على جهاز كذا بنهاية يونيو 2020م
4. أن يحصل (فلان) على جائزة المخترع الشاب في ميلانو بنهاية عام 2020م.
ويجب هنا تحديد الوسائل والطرق والمواد المستخدمة لتحقيق كل هدف وتوفيرها، أو تعديل الهدف حسب الميزانية.
الأمر نفسه بالنسبة لعملية التعليم، التهيئة للحياة، تهذيب السلوك والتربية الروحانية والإيمانية، على سبيل المثال لا الحصر: تعليم الطفل كتابة رقم البيت وأسماء الوالدين، الاستقلالية والادخار والإنفاق في وجوه الخير، حفظ القرآن، الإيمان بالقضاء والقدر، ترتيب السرير وخزانة الملابس، الاستحمام... وغيرها من العمليات التربوية الكبرى التي يمارسها الوالدان طوال الوقت مع أبنائهما.
جزء من خطة تربوية لأم تدعم موهبة ابنتها في تصميم الأزياء:
1. تتعرف (فلانة) على الألوان وأسماء قطع الملابس وتتقن التفريق بينها بنهاية أغسطس 2018م
2. تتقن (فلانة) رسم القطع في الكراسة البيضاء وتلوينها بذوقها الخاص في نهاية سبتمبر 2018م.
3. تضيف (فلانة) على التصميم (16 م) بعض الرتوش وتغير قصته في يومين فقط بين 20 و 22 أكتوبر 2018م.
4. تجهز (فلانة) أبحاثا عن أشهر 10 مصممين للأزياء في العالم وتجمعها في ألبوم مع الصور التي تشد انتباهها لديهم. بنهاية 2018م.
وتكتب كل صغيرة وكبيرة من الوسائل المستخدمة: (قماش ملون، أوراق بيضاء أو كراسة رسم، خيوط، ماكنة خياطة، لاب توب أو آي باد وإنترنت وألبوم صور كبير وكراسات للكتابة، تطبيقات لتعليم الرسم والتلوين .... إلخ.) كما تحدد جائزة للإتقان في الوقت المحدد!
وإن كان الوالدان يؤديان كل ذلك بدون خطط إلا أنه بالخطط سيكون مثمراً أكثر، وهكذا، يجري وضع أهداف لكل صغيرة وكبيرة في حياة الابن، وتتم مراقبة تنفيذ الخطة والتوعية والإرشاد بين وقت ووقت، بالإضافة إلى التقييم والتقويم والتحفيز والتعزيز بالوسائل والطرق المتاحة.
أجمل ما يربحه الوالدان عند وضع خطة تربوية بدلا من ترك الأمر لتجديف الظروف والسير كخبط العشواء، أنهما لن يقلقا بشأن تفكير الابن ومراهقته وأصدقاء السوء
ولعل أجمل ما يمكن أن يربحه الوالدان عند تحديد خطة تربوية هنا بدلا من ترك الأمر لتجديف الظروف والسير كخبط العشواء، هو أنهما لن يقلقا بشأن تفكيره ومراهقته وأصدقاء السوء وغير ذلك. الخطة التربوية تشبه مسك العصا من المنتصف، فلا هما تركا حياته بكل مواردها مهب الريح، ولا هما رسما طريقاً لا يستطيع الحياد عنه فكل ما سيوضع في الخطة قابل للتغيير والتطوير .
وقد أصبح من السهل الحصول على خطط تربوية جاهزة، أو إعداد خطة على أيدي متخصصين في الوقت الحالي من الأشخاص القادرين على التخطيط للحياة عمومًا، ومساعدة الآخرين في تحقيق الإيجابية.