يعيش الطفل مع الألوان والأوراق حالة متفردة من الانطلاق والاكتشاف والتجريب، وإن كان يبدو عليه الاستمتاع بابتسامته وردة فعله أمام الألوان والأوراق المتاح له حرية استخدامها والتعامل معها، إلا أن الانسجام والتناغم بينه وبين هذا التنوع في المعطيات واتساع المساحة فيها أكبر مما يبدو عليه بكثير، وقد يشير عدم انسجام الطفل وتفاعله مع الرسم والألوان إلى كبت وضغوط نفسية يتعرض إليها الطفل ، ولذلك قامت دراسات نفسية متعددة، وسلطت أجواء متعددة زوايا النظر لما يرسمه الطفل عموما وما يكرره خصوصًا.
أهمية رسومات الأطفال:
قد ينتبه الوالدان أو لا ينتبهان إلى أن الطفل يعبر بالرسم أيضًا عن مكنونات نفسه كثيرًا، وقد أكد خبراء التربية والأخصائيون النفسيون أن رسومات الإنسان التي يكررها عمومًا تعني شيئاً ذا دلالات على ما يجول بخاطره أو يخالج مشاعره وينطبق ذلك على الطفل أيضًا.
وفي حين أنه لا يجب أن تمر رسومات الأطفال على الوالدين مرورًا عابرًا إلا أنه لا يجب التدقيق في جميع رسومات الطفل، أي أن الرسومات التي تلفت الانتباه بتكرارها وإصرار الطفل على جميع تفاصيلها هي ما تجب على الوالدين دراستها والتدقيق في مغزاها.
أكد خبراء التربية والأخصائيون النفسيون أن رسومات الإنسان التي يكررها تعني شيئاً ذا دلالات على ما يخالج مشاعره وينطبق ذلك على الطفل أيضًا
رسومات الأطفال والعلاج بالرسم:
يستخدم هذا النوع مع الأطفال ذوي التصرفات الغريبة والسلوكيات غير الجيدة والتي لا يرغب بها الأهل أو لم يربّ الطفلُ عليها، كثير من الأطفال يخجلون ويخافون من قول الحقيقة أو لا يدركون الأسباب الحقيقية وراء تصرفاتهم وسلوكياتهم، فيعانون من صعوبة في التعبير عن أنفسهم ، ويظهرون ردة فعل غير مفهومة إذا ما توجه إليهم سؤال: لماذا فعلت ذلك، قد يقول لا أعلم، أو ينكر فعله لذلك التصرف أو السلوك، أو يصمت ويمتنع عن الحديث.
كثير من الأطفال يخجلون ويخافون من قول الحقيقة أو لا يدركون الأسباب الحقيقية وراء تصرفاتهم وسلوكياتهم، فيعانون من صعوبة في التعبير عن أنفسهم
في كثير من الحالات يجري علاج هؤلاء الأطفال وفهم تصرفاتهم والوصول تدريجياً إلى معاناتهم من خلال دعوتهم للرسم، ثم تحليل رسومات الأطفال ومعرفة ما يدور في عقل الطفل ومشاعره من أحاسيس وأفكار ومواقف مؤلمة يعاني منها.
وإذا خشي الوالدان من استخدامه للون محدد في الرسم أو ميله إلى لون دون غيره فعليهما مراجعة ظروف حياة الأسرة؛ لأن الطفل قبل عمر 5 أو 6 سنوات لن يميز بين دلالات الألوان، إلا أنه – وبغير وعي منه - يعكس ظروف البيئة والبيت الذي يعيش فيه من خلال التركيز على لون محدد، وعليهما أن ينتبها جيداً إلى انفعالات الطفل بينما يرسم؛ لأن الطفل حين يرسم ويستخدم الألوان فإن اللاوعي هو الذي يعمل، فيتصرف بتلقائية تعبر تماماً عما يعيشه أو يعانيه .
رسومات الأطفال رسائل قوية للأهل:
استخدم الطبيب النفساني كريستوفر هاسينغر رسومات الأطفال في إجراء تقييمات نفسية على مدار 10 سنوات لمجموعة مختلفة من الأطفال والمراهقين، لتفسير انفعالات الطفل وفهم ما يخفيه؛ وبناءً على تقييماته تلك حذر الآباء والأمهات من إهمال رسائل الأبناء للآباء التي تظهر بغير وعي في رسومات الأطفال، خصوصاً إذا تكررت، ولكن ذلك مبني على ما يشاهده الطفل وما يعايشه.
فالطفل الذي يعيش حياة مستقرة بظروف إيجابية قد يرسم لوحة فيها بيت جميل مكتمل التفاصيل وشمسًا صفراء مبتسمة وأقواس قزح، بينما نظيره الذي يعيش ظروفاً سلبية وحياة غير مستقرة سيرسم بيتاً أشبه بالسجن وشمسًا غائمة أو غير مكتملة في طرف اللوحة، والإفراط في استخدام لون واحد قد يشير إلى الاكتئاب أو الغضب أو المخاوف العصبية، المشاكل النفسية أو المشاكل الصحية المتعلقة بالعيون – حسب رأي الطبيب هاسينغر.
التحليل النفسي لرسومات الأطفال:
تقول خبيرة تحليل الأشكال والرسوم ماري-نويل دورون: "إن رسومات الأطفال تسمح للوالدين فهم طفلهما واكتشاف حالته النفسية بدون أن يضايقاه بأسئلة لا يملك لها إجابة غالبًا، ورسومات الطفل مؤشر لمشاعره الدفينة وتعكس ما يعيشه من مخاوف أو سعادة؛ لأن الرسم بالنسبة للطفل وسيلة يسقط بها ما في داخله من قلق ومخاوف، وهو نوعاً ما صمام أمان ، لذلك كان وسيلة جيدة للأهل أو المعلمين ليتمكنوا بوساطتها من مساعدة الطفل والشاب كذلك"
رسومات الأطفال تسمح للوالدين فهم طفلهما واكتشاف حالته النفسية بدون أن يضايقاه بأسئلة لا يملك لها إجابة
وأشارت دراسة بريطانية نشرت في دورية العلوم النفسية إلى أن هنالك رابط قوي جداً بين رسومات الأطفال في سن الرابعة ومعدل نموهم الكلي فيما بعد، وقد قامت على تحليل رسمة كل طفل من المشاركين بعد أن طلب منهم اختبار بعنوان: (ارسم طفلًا) تباينت رسوماتهم فيها واختلفت حسب السن والظروف، إلا أنها لم تحدد درجة ذكاء الطفل إطلاقاً، تقول الدكتورة المشرفة على الدراسة: "ليس على الوالدين أن يقلقا إذا كانت رسومات طفلهما سيئة؛ لأن القدرة على الرسم لا تحدد الذكاء بل إن هنالك عوامل بيئية ووراثية مختلفة تؤثر على الذكاء في وقت لاحق"
كما أن الطفل حين يختار أدوات الرسم لا يختارها بعشوائية بل بعناية تعبر عن شخصيته ورغباته ، فاختيار الأقلام التي ترسم خطوطاً عريضة تعبر عن طفل حازم يجيد اتخاذ قراراته بنفسه ويتحمل المسؤولية، بينما اختيار الأقلام الرفيعة تعبر عن طفل يعاني من مشاكل في التعبير عن نفسه ولا يجرؤ على إثبات نفسه داخل محيطه، وكذلك الأمر بالنسبة للأوراق، كلما اختار الحجم الأكبر للأوراق عبر عن طموح أكبر، ومكانة يرغب في الوصول إليها وإثبات نفسه أكثر، بينما تعبر الأوراق كلما كانت أصغر على قوة التركيز لدى الطفل.
المعايير الأساسية لتحليل رسومات الأطفال:
1. الصفحة: إذا عرضت عليه أوراقًا بأحجام مختلفة هل يختار بنفسه ورقة كبيرة أم صغيرة الحجم؟
2. الألوان: هل تغلب الألوان الباردة على رسوماته أم الألوان الدافئة أم أنه يساوي بين المجموعتين؟
3. الموقع والمساحة: ما هي المساحة التي تشغلها الرسمة من مساحة الصفحة الكاملة؟
4. قوة ضغط القلم على الورق: هل يضغط الطفل على القلم كثيرًا حين يرسم أم يمسكه بخفة؟
5. طريقة شرح الطفل: ما الأسلوب الذي يستخدمه في حكاية قصة رسمته أو القصة التي تحملها رسمته؟
6. التسلسل الزمني: هل يدوّن الزمن والتاريخ والعام الذي يرسم فيه، أو يعبر عنه، أم أنه لا يفعل ذلك؟
هذه هي أهم المؤشرات التي يبنى عليها التحليل النفسي لرسومات الأطفال، ويجب على الوالدين الذين يهتمان بفهم تصرفات وسلوكيات أطفالهما مراقبة ذلك عن كثب ومعرفة دلالات الرسومات التي يرسمها الأطفال، لمعرفة أسباب سلوكياته وتصرفاته.