التقليد الأعمى ذلك السلاح الفتاك.. أسباب وعلاج

الرئيسية » بصائر تربوية » التقليد الأعمى ذلك السلاح الفتاك.. أسباب وعلاج
rotana.net_.jpg-d28586e7d8066685dfe6144a88a9e45c440e1628

نعاني في أيامنا الحالية من ظاهرة انتشرت مؤخراً بكثرة ألا وهي ظاهرة التقليد. فما معنى التقليد وما هي أنواعه وأسبابه وطرق علاجه؟

التقليد هو محاولة مشابهة الغير في القول أو الفعل أو أسلوب الحديث أو طريقة الحياة وهو نوعان:

النوع الأول: وهو ما كان هدفه سامياً جليلاً وهذا ما يسمى بالتقليد المطلوب أو الجائز والمباح، فمثلاً من التقليد المطلوب والمحبب إلينا هو تقليد سيد البشرية محمد عليه الصلاة والسلام والتأسي به؛ فهو لنا النبراس المضيء في حياتنا، هو القدوة التي يجب على كل مسلم ومسلمة الاقتداء بها، وهل هناك أفضل من اتباع رسولنا الكريم وتقليده في كل ما ورد عنه عليه أفضل الصلاة والتسليم؟!

إنّ هذا النوع من التقليد هو النوع المفيد والذي يعود على الإنسان بالخير الوفير والعمل الصالح.

ومن الأمثلة الأخرى على التقليد المفيد المباح هو تقليد الصالحين من الناس ممن عرف عنهم تقوى الله وتحليهم بأفضل الأخلاق، فهؤلاء من الجيد والمفيد تقليدهم والسير على نهجهم وخطاهم فيما يوصفون به من أخلاق سامية حميدة وتعامل حسن.

بالإضافة إلى ما سبق ذكره هناك أيضا نوع مفيد من التقليد ألا وهو تقليد الأمم الأخرى فيما تتقدم به من علوم وابتكارات وصناعات تكون سبباً في تحسين وتيسير الحياة .

أما النوع الثاني من التقليد: وهو التقليد الأعمى أو ما نستطيع أن نطلق عليه التقليد المذموم والمكروه والمنهي عنه في الإسلام. ألا هو التقليد والاقتداء بمن هم ليسوا أهلاً لأن يكونوا قدوة ومثالاً حسناً يحتذى بهم، هذا التقليد هو الذي يوصل الناس للهاوية.

إنه يؤدي إلى إلغاء التفكير تماماً؛ لأن الهدف الأساسي منه هو تقليد الآخرين دون أدنى تقدير لنتائج هذا التقليد. وقد يكون اتباعاً للسفهاء فيما يفعلون أو يقولون أو في أيّ من الأمور السخيفة الأخرى، كأن يكون في الملبس أوالمظهرأو حتى في طريقة الحياة بغض النظر عما إن كان ما يقلد يتناسب مع طبيعة الحياة أو مع ثقافة المجتمع.

التقليد الأعمى يؤدي إلى إلغاء التفكير تماماً؛ لأن الهدف الأساسي منه هو تقليد الآخرين دون أدنى تقدير لنتائجه

إن التقليد الأعمى لا يعود بالنفع على أحد بل وعلى العكس قد يقلب الموازين ويهدم النفوس والعقول ويفقد الإنسان هويته وشخصيته ويسلبه إرادته  فما هو إلا نسخة مكررة من شخص سفيه آخر.

إنّ تقليد كل ما هو منافٍ لمجتمعاتنا العربية الإسلامية لهو أمر في غاية الخطورة، فالله سبحانه وتعالى حبانا بعقل راجح يميز الصواب من الخطأ، لذا ما علينا إلا أن نستخدم هذ العقل الراجح لننتقي قدوتنا بكل حذر حتى لا نصبح كالببغاوات نقلد ونحاكي الآخرين بدون وعي منا أو تقدير.

أسباب التقليد

للتقليد أسباب عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر:

1- التربية غير السليمة بحيث ينشأ الطفل ويكبر بدون رقابة وتوجيه الأهل مما قد يؤدي بهم إلى التشبه بالغير وهنا أعني تقليد الأمور السلبية.

2- الانفتاح غير المقيد على ثقافات ومجتمعات أخرى في كافة أرجاء المعمورة وخاصة بعد التطور الهائل الذي أنشأ العديد من وسائل التواصل الاجتماعي بين مختلف الناس في شتى بقاع الأرض. إلا أن هذا الأمر قد يكون ايجابياً أو سلبياً معتمداً على ما قد يقلد من هذه الثقافات فما أفادنا كان أمراً محموداً وما كان دخيلاً علينا وغير مناسب لثقافتنا ومجتمعاتنا وديننا كان تقليداً مذموماً.

3- البعد عن الدين وأصوله. فديننا الحنيف واضح وصريح، يدعو إلى التحلي بالأخلاق الطيبة ويدعو إلى التفكر في كل عمل وقول قبل الاقدام عليه، بعيداً عن التقليد الأعمى الذي لا يعود على الإنسانية إلا بالدمار المهدد لمستقبل الشباب الذين هم ثروة المجتمعات.

4- عدم وجود القدوة الحسنة في حياة الشباب أحياناً. وهذه الظاهرة خطيرة للغاية فما فائدة الأب إذا لم يكن قدوة يحتذى به من قبل أبنائه؟ وما أهمية كون الأم أماً إن لم تعرف أن تغرس بذرة الخير في نفوس أبنائها وبناتها وتكون لهم خير قدوة.

5- حب الظهور ولفت انتباه أكبر عدد ممكن من الناس وهي من أخطر الأسباب التي قد تؤدي إلى تقليد أعمى دون التفكير بأي نتيجة قد تنطوي عليه.

فما فائدة الأب إذا لم يكن قدوة يحتذى به من قبل أبنائه؟ وما أهمية كون الأم أماً إن لم تعرف أن تغرس بذرة الخير في نفوس أبنائها وبناتها وتكون لهم خير قدوة

كيف نحد من هذه الظاهرة؟

بعد الاطلاع على بعض مسببات ظاهرة التقليد الأعمى ، نحتاج الآن لمعرفة الأمور التي تساعدنا في الحد من هذه الظاهرة الخطيرة الهدامة:

1- تقوية الوازع الديني عند أبنائنا وتربيتهم التربية السليمة بحيث ينشأوا على طاعة الرحمن واتباع قدوتنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة. قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]

2- فتح باب الحوار بين الأهل والأبناء ومراقبة سلوك الأبناء ومعرفة أصدقائهم وتأثيرهم وتنبيههم لخطر التقليد الأعمى.

3- نشر الوعي والثقافة بين الناس وخاصة فئة الشباب منهم وذلك عن طريق الإعلام الهادف.

وأخيراً أرفع صوتي عالياً واقول، أيها الناس اتقوا الله في أنفسكم وفي مجتمعاتكم. قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران:110] فأمتنا خير الأمم، هي أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا أمة التقليد الأعمى وأخذ سخافات الآخرين وتقليدها، فلنصن هذه الأمة ولنحفظها كما أمرنا الله تعالى.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
باحثة وأديبة ومحاضرة في الأدب والفكر، لها العديد من البحوث والمؤلفات باللغتين العربية والإنجليزية. حاصلة على شهادة الدكتوراة في التعليم (القيادة التربوية والإدارية). تقوم بتقديم العديد من الدورات التدريبية وورش العمل في مجالات عديدة. درست الأدب الانجليزي والشريعة الإسلامية. وقدمت مساهمات في العديد من المؤتمرات العالمية والمحلية فيما يختص بتطوير التعليم وطرائقه. لها اهتمامات عديدة في مجالات الأسرة وكذلك تنمية وتطوير الذات.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …