تأتينا ذكرى عاشوراء العطرة لكي تبث فينا الأمل ونستلهم منها الثقة بالله تعالى ومعيته ونصره لمن ساروا على دربه واهتدوا بهديه وقدموا من أنفسهم نموذجاً يُحتذى لمن يليهم من المؤمنين.
كما تأتينا هذه الذكرى المباركة لكي نتقرب إلى الله تعالى بالصيام ليحط الله عنا أوزار عام مضى عازمين على أن نُري الله تعالى من أنفسنا خيراً في عامنا الجديد.
إن ذكرى عاشوراء مليئة بالدروس لمن يريد أن يتعلم ومليئة بالعبر لمن يريد أن يعتبر. وأقدم هنا من الدروس عشراً تتعلمها الأمة لكي تجدد شبابها وتزداد ثقة بربها.
1- تعلمت من عاشوراء أن أسلك طريق موسى ومن معه ولا أسلك طريق فرعون ومن معه.
إن أهل الحق هم أهل الله تعالى وخاصته الذين رباهم على عينه. رباهم بالعطاء والمنع، والاصطفاء والابتلاء لكي ينقي نفوسهم ولا يتعلقون إلا بربهم فلا يرهبهم تهديد ولا يثنيهم عن الحق بطش. قال تعالى: {قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى {71} قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} (طه 71 - 72).
2- تعلمت من عاشوراء أن رسالة الأنبياء واحدة ومن مِشكاة واحدة.
هذا الدرس يتضح جلياً عندما ترى أمة محمد صلى الله عليه وسلم تصوم تقرباً إلى الله تعالى وفرحاً بأن نجى الله تعالى موسى ومن معه من بطش فرعون وجنده.
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال: "لما قدم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ المدينةَ، واليهودُ تصومُ عاشوراءَ، فسألهم فقالوا: هذا اليومُ الذي ظهر فيه موسى على فرعونَ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "نحن أولى بموسى منهم، فصومُوه" (رواه البخاري).
3- تعلمت من عاشوراء أنك إذا بذلت الأسباب أتتك خوارق العادات وإذا نفدت أسباب الأرض تدخلت أسباب السماء.
إن سيدنا موسى عليه السلام لم يترك وسيلة في دعوة فرعون وجنده إلا اتبعها، ولم يترك باباً مُوصداً إلا طرقه، وبعد أن نضبت جعبته ونفدت حيلته وأدى ما عليه تدخلت عناية الله تعالى وأنقذته أسباب السماء هو ومن معه. قال تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ {61} قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ {62} فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ {63} وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ {64} وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ {65} ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} (الشعراء 61-66).
4- تعلمت من عاشوراء أن فرعون وجنوده نهبوا ثروات البلاد وأذلوا العباد ولكن الله تعالى بعدله انتصر لأهل الحق المستضعفين الصامدين.
إن سياسة الباطل في كل زمان ومكان أن يستأثر بخيرات البلاد لنفسه وللمقربين الذين يزينون له الباطل ويعينونه عليه ويتركون الناس جوعى مهازيل لتستسلم لقيادتهم وليشكروا على القليل. ولقد بيَّن لنا القرآن الكريم ثروة قارون فما بالنا بثروة فرعون نفسه.
إن قدر الله تعالى عندما ينزل على هؤلاء تكون حسرتهم مُفجعة ومُزلزلة لأنهم لم يتخيلوا اليوم الذي يُجردون فيه من كل هذا الملك والنعيم، وتزداد الحسرة عندما ينتقل هذا الملك والنعيم إلى عدوهم. قال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} (الأعراف 136- 137).
5- تعلمت من عاشوراء أنه عند العقوبة لا فارق بين فرعون الآمر وبين الجنود الموالين فالكل في الهلاك سواء:
لقد حذرنا الله تعالى من الركون إلى الظالمين لأننا بذلك نعزز حجتهم ونقوي شوكتهم فيتمادوا في غيهم وبطشهم. قال تعالى: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} (هود 13). وكذلك حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك.
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أعانَ ظالِمًا لِيُدْحِضَ بباطِلِهِ حقًّا، فَقَدْ بَرِئَتْ منه ذمَّةُ اللهِ ورسولِهِ" (صححه الألباني).
هذا بعض ما تعلمته من عبق هذه الذكرى العطرة، وللحديث بقية في الحلقة القادمة إن شاء الله.