إن ذكرى عاشوراء مليئة بالدروس لمن يريد أن يتعلم ومليئة بالعبر لمن يريد أن يعتبر. تحدثنا في الحلقة الأولى بفضل الله تعالى عن خمسة دروس من دروس عاشوراء وسنكمل الحديث في هذه الحلقة عن خمسة دروس أخر.
6- تعلمت من عاشوراء أن الله تعالى بقدرته يسوق الظالم إلى مصرعه سوقاً ويجعل مكان الهلاك للظالم هو نفسه مكان النجاة للمظلوم ووسيلة الهلاك للظالم هي نفسها وسيلة النجاة للمظلوم.
قال تعالى: "فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ {63} وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ {64} وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ {65} ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ {66} إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ {67} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {68}" (الشعراء 63 - 8).
7- تعلمت من عاشوراء أن كل ظالم هالك لا محالة هو ومن معه، وأن كل داع للحق ناج لا محالة هو ومن معه وهذه سنة الله التي لم تتغير ولم تتبدل في كل الدعوات وعلى مدار العصور.
قال تعالى في حق نوح عليه السلام: "فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ{73}" (يونس 73).
وقال تعالى في حق موسى عليه السلام: "وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ{50}" (البقرة 50).
وقال تعالى في حق هود عليه السلام: "فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ{72}" (الأعراف 72).
إن هذه هي سُنة الله تعالى في خلقه التي لن تتبدل إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.
8- تعلمت من عاشوراء أن كل من سار في طريق الحق سينصره الله تعالى ويمكن له.
قال تعالى: "يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى {80} كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى{81}" (طه 81).
قال تعالى: "وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ {5} وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ{6}" (القصص 5-6).
9- تعلمت من عاشوراء التميز والمفاصلة عن الباطل وليس التبعية والتقليد له والانخراط فيه.
لقد اتضح هذا المشهد جلياً عندما آمن سحرة فرعون فبالرغم من أنه توعدهم وهددهم بأشد أصناف العذاب إلا أنهم أبوا إلا المفاصلة التامة والتمايز عن الباطل وأهله مهما كان لهم من تهديد ومهما وقع بهم من عذاب.
ومن المفاصلة وعدم التبعية أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم نوى صيام تاسوعاء مع عاشوراء مخالفة لليهود في صيامهم يوم عاشوراء منفرداً.
الإسلام وإن سمح بالتعايش مع الآخر إلا أنه لا يسمح ولا يقبل للمسلم أن يذوب بثوابته ومبادئه في الآخر ولا أن تنطمس هويته ولا أن تشوه عقيدته.
10- تعلمت من عاشوراء أن المشهد مُتكرر والأحداث مُتجددة وأن العاقبة للمتقين.
إن سنة الله تعالى أن المعركة سِجال بين الحق والباطل ولن تنتهي إلى قيام الساعة فلن ينتهي الظلم بهلاك ظالم ولن تنتهي الفراعين بهلاك فرعون فالأيام دُول حيث ينزِّل الله تعالى على المؤمنين من البلاء ما يُهذبهم به ويُعيدهم إليه سبحانه ثم يمكِّن لهم ليقوموا بعمارة الأرض وتحكيم شرع الله تعالى.
قال تعالى: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{55}" (النور 55).
تلك عشرة كاملة من هذه المناسبة العطرة ومن المؤكد أن هناك الكثير والكثير من الدروس الأخرى التي يصل إليها من تعلق بربه فشرح صدره وألهمه رشده وأنار بصيرته.