لطالما سمعنا عن نداءاتٍ تُطالب التيارات الاسلامية بضرورة إجراء مراجعات لنهجها ومنهجها وأفكارها ووسائلها في التعاطي مع معطيات الحياة الحديثة بكافة فروعها، حسناً، من حيث المبدأ فالمراجعة فكرة جميلة جداً، وتدخل في صميم عمل علم الادارة الحديث فيما يعرف (Feedback) كي تعرف كل منظمة أين أصابت وأين كانت أفعالها مصيبة؟
لكن من حيث الواقع، لماذا مطلوب من التيارات الاسلامية فقط أن تجري مراجعات؟ بينما الآخرون ليس مطلوباً منهم رغم غرقهم في الأخطاء والخطايا؟
أليس هذا إنكاراً لإنسانية الإنسان المبنية على الخطأ والصواب؟
ثم لو دققنا في نوعية وخلفية المطالبين لوجدناهم ينتمون لفكرة أو منظمة لم تجر انتخابات من مدة طويلة ولم تجر مراجعة لمسارها أبدا، وربما أصدق وصف يصلح هنا هو قول الله عزوجل (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ)؟
في غزة المحاصرة والمكلومة نظمت حركة حماس المتهمة بأنها لا تستمع للرأي الآخر مؤتمرها العلمي الأول، وطلبت من الجميع أن يقولوا رأيهم، انطلاقاً من "وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ" ، فانبرى الكثيرون ممن يكتبون في الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي انتقادات لحماس حينما يستدعي الفعل ذلك، لإبداء الرأي والمشورة فقدحوا ومدحوا، بعدما تناولوا حماس من كل الزوايا.
إن ما قامت به حماس وليس دفاعاً عنها هو تعبير عن أنها لا تصم آذانها عن أي رأي يحمل فكرة إيجابية، أو تغفل نقذا بنّاء أو هكذا ستكون في المستقبل، وهذا يدل على أنها حركة تستمد شعبيتها و شرعيتها من تلاقح الأفكار الشعبية والنخبوية وتؤمن أن المراجعة تزيد الحركات المعتدلة طمأنينة وثباتاً.
في ذات لقاء مع خالد مشعل رئيس المكتب السياسي السابق لحماس قال: "حماس أخطأت عندما استسهلت حكم قطاع غزة بمفردها بعد أحداث الانقسام الفلسطيني، وظنت أنه أمر ميسور ثم اكتشفت بأنه صعب"، مضيفًا: أخطأنا عندما ظننا أن زمن فتح مضى، وحل زمن حماس، وفتح أخطأت عندما أرادت إقصاءنا" حماس تراجع مسيرتها فماذا عن الاخرين؟
ثم إن الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي اعترف _ وهو الذي لم يكمل عاماً واحداً في الحكم _ بوقوع أخطاء، وتابع "إننا نقوم بإصلاح الأخطاء"، بينما سمعنا الرئيس التونسي السابق "زين العابدين بن علي" يقول بعد الثورة عليه وبعد٢٣عاماً من الحكم وما شابه من أخطاء وخطايا: "الآن فهمتكم"، وقريب من ذلك يقول الرئيس الليبي السابق معمر القذافي بعد٤٠ عاما من الحكم لشعبه: من أنتم؟
قبل أربعة أعوام تقريباً كنت حاضراً في يومٍ دراسيٍ برفح يتحدث عن الشباب، فلما جاء دور الجمهور للأسئلة وقفت فتاة وقالت بعد السلام والشكر بأن هذه التوصيات رائعة فهل سيتم ترجمتها عملياً على أرض الواقع؟ صفق الجمهور وابتسم منظمو اليوم الدراسي.
ونفس السؤال يحضر في ذهن فريق يشكك في مؤتمر حماس ويعتبره مجرد تكتيك مرحلي، ويسأل هل يا ترى سيكون مصير توصيات مؤتمر حماس العلمي نفس مصير أي مؤتمر أو يوم دراسي وسيتم حبسه في الادراج وكان شيئا لم يكن؟
أم سيتم تحويل التوصيات إلى ممارسة عملية تحدد أو تساعد حماس في التوجه المستقبلي برؤية جماعية؟
أتوقع أن تكون هذه التوصيات محل اهتمام حماس، وإلا لما عقدت حماس هذا المؤتمر.
وجه آخر للمراجعة يُطالب به البعض هو أن تجري المقاومة العسكرية مراجعة لمسيرتها على غرار ما يقوم به أي جيش، هنا تقفز أسئلة يسبقها افتراض حسن نية فيمن يُطالب المقاومة بالمراجعة.
من قال أن المقاومة لا تجري مراجعة أو تقييم لأدائها بشكلٍ مستمرٍ؟
وهل من المنطقي أن تكون المراجعة علنية أمام الجميع يستفيد منها العدو بشكل مجاني؟
وهل للمقاومة مساحة الحركة مثل أي جيش نظامي في أي دولة أخرى؟
أظن أن فكرة التقييم والمراجعة هي فكرة حاضرة في جدول أعمال المقاومة بدليل أن أساليبها تتغير وتتجدد باستمرار، وهذا مرده إلى عملية تقييم بعد كل فترة سواء حرب أو سلم، ثم أي مقاومة هذه التي تعلن نتائج تقييمها أمام الملأ وهي التي تعمل في ظروف عصيبة جداً وفي أضيق الامكانيات، وتعلم أن كثيرين يتربصون بها ليرموها عن قوسٍ واحدة؟