{وفي السماء رزقكم وما تُوعدون} [الذاريات، آية:22]، هكذا يخبرنا الله تبارك وتعالى، ومع ذلك تجد معظمنا يسعى للرزق كما لا يسعى لأي شيء آخر، سيما الموت، الذي نتيقن بقدومه وحدوثه، فما هي الأمور التي يتوجب علينا إدراكها حتى نُحسن التعامل مع الرزق أثناء انتظاره أو السعي إليه؟
1- كل أمر يأتي في أوانه:
علينا إدراك أن كل أقدار الله دائماً تَجُرّ إلى الخير، بل هي الخير، فأحيانًا نبذل كل أسباب السعي إلى جانب الدعاء والاستغفار والاستخارة، ولكن لا يتيسر الأمر، وهنا نظن أن ليس فيه خير، وإن كان هذا في بعض الأوقات صحيحاً، فهو مجانب للصواب في أحيان أخرى، فكون أن الأمر لم يتحقق في الوقت الذي نريده نحن، فهذا لا يعني بالضرورة انعدام الخير فيه على الإطلاق ، وإنما يؤخره الله لأجل مسمى؛ لأنه رأى الخير في تأخيره.
أحياناً نبذل كل أسباب السعي إلى جانب الدعاء والاستغفار والاستخارة، ولكن لا يتيسّر الأمر، وهنا نظن أن ليس فيه خير، وإن كان هذا في بعض الأوقات صحيح، فهو مجانب للصواب في أحيان أخرى
2- طول مدة البلاء خير!
يرهب الكثيرون طول مدة البلاء؛ لئلا يضعفوا ويفقدوا صبرهم، والحقيقة أنه وإن تخللت مدة البلاء بعض مشاعر الإحباط والضجر واليأس، فإنما هي تقوية للمسلم، ومنعة له، وزيادة في الأجر ، فكثير منا للأسف ينظر للبلاء على أنه فترة ألم وحزن وغمة يسأل الله أن تزول، وهذا واجب وضروري كذلك، ولكن من الجوهري بمكان أن نستفيد من فترة الابتلاء، فالله ما ابتلانا إلا ليمحصنا كما أخبرنا في القرآن الكريم، فالابتلاء لا محالة زائل بإذن الله، وإنما سيندم الإنسان على كل الفترات التي كثرت فيها شكايته من طول الانتظار، وبُعد الفَرَج! كما سيتبيَّن له عند تفريج الكرب أن الله فتح عليه في الوقت المناسب فعلًا، وأن لو انتهى الابتلاء قبل المدة التي عينها الله، لربما فاته الخير الكثير، ولضاعت عليه أرزاق أخرى كتبها الله من نصيبه.
من الجوهري بمكان أن نستفيد من فترة الابتلاء، فالله ما ابتلانا إلا ليمحصنا كما أخبرنا في القرآن الكريم، فالابتلاء لا محالة زائل بإذن الله، وإنما سيندم الإنسان على كل الفترات التي كثرت فيها شكايته من طول الانتظار وبُعد الفَرَج
3- استغلال أبواب الخير:
في أي ابتلاء مهما كان، يفتح الله دائماً أبواباً للخير والعطاء، سواء كانت مساعدة الآخرين، أو تعليم مهارة، أو صدقة، أو كلمة طيبة، أو إدخال السرور على قلب مسلم وغيرها كثير، فلنستغل تلك الأبواب، ولنضع في اعتبارنا أن الابتلاء حين ينتهي فإنه ينتهي بمُرِّه وكذلك بحُلوه، لذا فإن أبواب الخير التي فتُحت في ذاك الابتلاء لربما لا تفتح في غيره بعد انتهائه ورفعه.
4- مفهومنا الخاطئ عن الرزق:
فنحن نرى الكثير من الأمور على أنها واجبة، والأصل أنها رزق، كالعمل، والزواج، والعلم، والصحبة وغيرها، وبالتالي وجب أن نسأل الله الرزق الحسن، ونرضى بما قسم الله بالكيفية والوقت الذي تتاح فيه، وأن نحمد الله على ما آتانا من الرزق، وما رحمنا؛ لأننا ببساطة لا ندري أين الخير، أما تعبير "تأخر رزق كذا"، فيدل على أمر لازم الحدوث، ولكنه تأخر فلم يتم إلى الآن! فالأصل هو الصبر والدعاء بالرزق الحسن، فإن تمّ كان الخير وإن لم يتم كان في هذا كذلك الخير.
كما وجب أن ننتبه أن كل عطاياه سبحانه وتعالى أرزاق، وكل الأمور الصغيرة التي قد تبدو غير جوهرية لنا كذلك من الرزق، من أمثلة ذلك: أمر صنع القرار مثلًا، فكم ممن يتيهون في قرارات الحياة ويتخبطون! ولكن باستخارة وتوفيق من الله ينجح غيرهم في صنعه، وكذا في تحديد الأهداف، وتحصيل العلم، وتعلم المهارات، وإتيان الأخلاق الحسنة، وغيرها من الأمور.
5- تخيل الأمور التي كنت لتتمنى عملها لو جاء رزقك غدًا:
الغرض من هذه الفكرة، هو التفكير بالحاضر، وهجر التفكير في المستقبل؛ كونه بيد الله، ولأننا كثيرًا ما ننتظر حين تفوت الفرصة، لنقول يا ليتنا أحسنَّا استغلالها، لذا فلتسأل نفسك هذا السؤال: "ترى ما هي الأشياء التي تمنيتُ دائمًا أن أجربها أو أتعلمها أو أستفيد منها، فإذا ما جاء ذاك الرزق الذي أرنو إليه فربما يمنعني من ذلك؟" فقد يكون الرزق الذي تتطلع إليه زواجًا، أو عملًا أو سفرًا أو غيره، وأثناء الإجابة على هذا السؤال، فلتحرص على كتابة الأمور التي ترغب في إنجازها في قائمة الأهداف، ثم تشرع في التنفيذ.
الصبر على ما نريد في كثير من الأحيان ليس سهلًا، ولذلك فإن الله دوماً مع الصابرين، ولنستمر في السعي والدعاء دون قلق أو استعجال، ولنعلم أننا بخير ما نوينا الخير، وصبرنا عليه، وتحرَّيناه، ثم أتيناه.