كان العصفور الكاذب، كلما خرج والداه للعمل وصياه ألا يخرج من المنزل، ووعد بأن يلتزم لكنه كان يخرج ويكذب إذا عادا وسألاه. وحين آذاه طائر جارح حاول عصفور آخر إنقاذه فأخبر والديه بأن طائراً جارحا يكاد يؤذي ابنهما فأصرا على أنه لا يمكن لأحد أن يؤذيه، فهو لا يخرج من المنزل بينما هما في العمل، إلا أنهما حين عادا إلى بيتهما لاحظا بكاءه وألمه وآثار الأذى عليه فاضطر للإفصاح نادمًا عن أنه كان يكذب، ويخرج يوميًا للعب إلى أن آذاه طائر كبير جارح!
وقد تعلّم العصفور دروسًا لن ينساها أبد عمره: الكذب يجلب الكثير من المشكلات، بينما الصدق درب نجاة، وبينما الكاذب منبوذ يكون الصادق محبوباً، كما أن الكذب يضطرنا للهروب والضغط والتخفي، بينما الصدق يمنحنا راحة وهدوءاً.
هكذا تماماً حين يتعلم الطفل الدرس بنفسه لن ينساه أبداً ، لكن السؤال المُلحّ: هل من الحكمة أن يترك الوالدان ابنهما للزمن فيتعلم كل شيء من تجاربه، أم أن هنالك طرقًا تعينهما لدرء شيء من المتاعب وأذى الدنيا عنه، وتمرينه على التعاطي مع الحياة بانسياب وتصالح.
حين يتعلم الطفل الدرس بنفسه لن ينساه أبداً، لكن السؤال المُلحّ: هل من الحكمة أن يترك الوالدان ابنهما للزمن فيتعلم كل شيء من تجاربه
كيف أعلم طفلي الصدق والصراحة؟
لعل أول خطوة هي فهم سبب الكذب عند الطفل، فالطفل يكذب لعدة أسباب، ولا يقصد الكذب ففي بداية الأمر تكون هنالك أسباب وراثية للكذب أهمها سعة خيال الطفل التي تخيل للوالدين أن ابنهما يكذب بينما هو يسرد شيئًا في خياله، أو الرغبة في الحصول على أمر ما، وهناك أسباب مكتسبه أهمها مبالغة الوالدين في وصف بعض الأمور أو التصرف بتصرفات غير مفهومة تمتعه مراقبتها ويجد فيها إثارة وجذبًا، فتجعل الطفل بالتالي يرغب بتوليد المزيد من الإثارة والمزيد من الاستمتاع فيبدأ بالمشاركة بمهارة.
وإن كان هذا النوع من الكذب ذا جانب إيجابي، إلا أنه إذا ترك هكذا بدون تهذيب يصبح مضرًا جداً، بل قد يتحول إلى مشكلة أخلاقية وتعقيدات نفسية يصعب حلها ومعالجتها أو تجاوزها والتغلب عليها لاحقًا.
لذلك وجب على الوالدين التهذيب والانتباه إلى الصفات الفطرية لتبقى في نصابها المنضبط، وتقييم السلوك وتقويمه باستمرار لينشأ الطفل سليماً قدر الإمكان، متصالحًا مع نفسه، صادقًا بما يكفي ليبقيه بأمان، صريحًا بحكمة... وفيما يلي طرائق يوصي بها الأخصائيون التربويون والخبراء النفسانيون تعين الوالدين في تعويد ابنهما على الصدق والصراحة.
طرق تشجيع الطفل على الصدق، ونصائح تعليم الطفل الصراحة:
1. علم طفلك أن لكل شيء عاقبة، وعاقبة الكذب سلبية، بينما عاقبة الصدق إيجابية ، وإن كان للكذب أية إيجابيات مهما كانت فإنها لن تكون بذات مزايا الصدق وإيجابياته، وأن الكذب يكبر حتى يلتف على صاحبه فيقيّده ويحبسه حتى يجعل الناس تنفر منه بعد أن تكشفه، أما الصدق فيصنع قبولا ويضيء حياة صاحبه ويجعلها انسيابية حرة.
2. وإن كان الحديث عن القدوة كثيرًا لكنه لن يصبح مبتذلا ومملًا أبداً؛ فالقدوة في التربية أمر في غاية الأهمية وأهم من التعليم سلوك المحيطين ووضع البيئة المحيطة، تعاملاتهم وتعاطيهم معاً وتواصلهم، لذلك وجب على الوالدين والمربين أن يكونوا صادقين شفافين تماماً كي يستقي الطفل تلك الخصلة ويتربى عليها مع القيم الأخرى بدون أن يشعر أنه يتلقى دروسًا لا يطبقها المجتمع من حوله .
3. أعط طفلك الثقة بنفسه واجعله يثق بك من خلال تصرفاتك معه، فلا ينفر منك حين تسأله عن أشياء حصلت، بطريقة مخيفة تفزعه وتجعله يفقد ثقته بك، حين تشك بأنه كذب عليك ادرس الأمر جيداً وتأكد من أنه كذب قبل سؤاله وحتى وإن تأكدت فاستغل الموقف ليثق بك أكثر وعامله بهدوء وحنان وأنت تشرح له الطرق الصحيحة للتصرف لاحقًا .
أعط طفلك الثقة بنفسه واجعله يثق بك من خلال تصرفاتك معه، فلا ينفر منك حين تسأله عن أشياء حصلت، بطريقة مخيفة تفزعه وتجعله يفقد ثقته بك
4. احترم طفلك واستمع لما يقوله ولا تعنفه بألفاظ أو شتائم أو كلمات جارحة، كما لا يجب أن تشهّر به وتفضحه بين أقرانه ومحيطه بأنه كاذب أو فيه ما لا يعجبك، حتى لا يضطر للكذب عليك لأجل إرضائك، فالطفل وإن كان صغيرًا فهو يفهم نفسيتك وتصل مشاعرك إليه وعليك مراعاة ذلك كله حتى لا يشعر بعدم رضاك عنه فيتصنع ويلفق أحداثاً ويكذب ليرضيك .
5. إذا كذب طفلك وتأكدت من ذلك فتصرف معه بحنكة وافهم سبب كذبه ليعلم عواقب الكذب ويتجنبه، ولا بأس إن عاقبته لكن بمجرد قوله الحقيقة فخفف العقاب، وإذا صدق طفلك كافئه معنويًا وماديًا بالاحتضان، العناق، الشكر على الملأ، التصفيق، الهدية أو إعطائه شيئاً يريده ، مهما كان الخطأ الذي اعترف به بصدق، فكن كريماً في مكافأته ثم اشرح له لاحقاً مساوئ الخطأ وكيفية التصرف الصحيح.
6. لا تجامله في أخطائه بسبب عطفك عليه فيتعود ويتساهل في الأخطاء، فإذا وجدت بين أصدقائه أحداً ذا سلوك سيئ كالسرقة أو الكذب أو الغش، فلتكن صريحًا معه وإن كانت تلك الحقيقة ستجرحه وربما تؤذيه نفسيًا، إلا أنك ستعلمه درسًا أن الصدق ضروري والصراحة يجب أن تمارَس بالطريقة المناسبة، لئلا يستهين بوجود أشخاص غير منضبطين من حوله، يمكن أن يتعلم الأخلاق السيئة منهم.
7. الأصدقاء مدرسة غير رسمية للطفل، يتعلم منها الكثير من القيم ويعتقد أفكارًا ويقلّد ويطمح ويراقب ويبوح بأسراره بينهم ، لذلك لا بد للوالدين والمربين اختيار أصدقاء الطفل بعناية واعتماد ما جاء في النصيحة السابقة لإقناعه بالصديق الذي يستحق أن يكون صديقًا، ولكن عليك الانتباه إلى أن مسألة الصراحة يجب أن ترافقها اللباقة وإلا ضرت الطفل بدل أن تنفعه وتفيد في تربيته التربية السليمة.
8. الكذب الأبيض أو ما يسميه الآباء والمربون بالكذب الأبيض هو أذى بل سلوك غير أخلاقي وغير صحي إطلاقاً ، وتندرج تحته الكثير من تصرفات الوالدين العشوائية التي لا يلقون لها بالاً كوعد الطفل بشيء لا ينفذ لاحقاً، أو تهديده تهديداً أجوف لا ينفذ لاحقاً، أو إفشاء الأسرار والحكي عن أسرار البيت وخبايا البيوت الأخرى، وكذلك طلبهم من الطفل أن يخبر أحداً ما شيئًا غير الحقيقة مهما كان المبرر، كل ذلك يجعله يستسيغ الكذب ويراه متداولاً وعاديًا ويخرب أي شيء يحاولان تعليمه إياه في هذا الشأن.
9. لا تسمح لطفلك أن ينشر كذبته ويمررها للآخرين إن كنت متأكداً من أنه يكذب، كي لا يفرح بقدرته على إقناع الآخرين برغم أنه متأكد من عدم صدقه، بل عالج الأمر بحكمة، دع طفلك يتحدث عن نفسه بصراحة ولا تتعامل مع حديثه بشك وريبة ثم ناقشه وأشعره بأنك تعلم الحقيقة ولكنك تحترم بلاغته وقدرته على الإفصاح عن نفسه والحديث عن نفسه بطلاقة، واشرح له أنك تثق بقدراته وأن لديه المزيد من المواهب والقدرات التي لم يكتشفها بعد.