“لماذا يتعلم أبناؤنا؟”… رؤية إسلامية منسية!

الرئيسية » بصائر تربوية » “لماذا يتعلم أبناؤنا؟”… رؤية إسلامية منسية!
school-students-teacher

اقترب موعد بدء العام الدراسي الجديد في دول العالم العربي، وبدأ التلاميذ والطلبة، وأولياء الأمور في الاستعداد لهذا الحدث المهم، كلٌّ بحسب طاقاته الاقتصادية، أو بحسب فهمه أو تقديره لأهمية التعليم، وهو فهم وتقدير يختلفان من شريحة لأخرى من شرائح المجتمعات المختلفة.

وبشكل عام فإن تقدير أهمية العملية التعليمية النظامية في مدارسنا وجامعاتنا تختلف باختلاف درجة تنوير المجتمعات وارتقائها في درجات السُّلَّم الحضاري، وليس الأمر خاضعًا للفقر أو الثراء .

فبحسب تقارير عربية ودولية موثوقة فإن أكبر نسبة تعليم في العالم العربي هي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م، وقطاع غزة على وجه الخصوص، برغم الحالة الاقتصادية التي يحياها القطاع بفعل الحصار؛ حيث تزيد نسبة الفقر على ثمانين بالمائة!

ولكي لا نستطرد فيما هو غير موضوع أصيل للحديث في هذا الموضع، حيث لا نناقش قضايا تعليمية أو تربوية ذات طابع تقني، فإننا نقف أمام قضية ذات طابع حضاري عام، على أكبر قدر من الأهمية، يطرحها حدث اقتراب موعد بدء العام الدراسي الجديد، وهي قضية تدور حول سؤال: "لماذا يتعلم أبناؤنا؟"

أكبر نسبة تعليم في العالم العربي هي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م، وقطاع غزة على وجه الخصوص، برغم الحالة الاقتصادية التي يحياها القطاع بفعل الحصار؛ حيث تزيد نسبة الفقر على ثمانين بالمائة

وهذه القضية ليست من نافل القول فيما يخص المشروع الإسلامي وحركياته ومستهدفاته، فالتعليم هو أحد أهم مسارات ووسائل التنشئة الاجتماعية والفكرية، والتنمية البشرية، بحيث يمكن القول إن تكوين الإنسان الفكري والعقلي، وتكوين ميوله واهتمامته، بل وشخصيته بالكامل مستقبلاً، فيما بناء الإنسان -هو حجر الأساس في مشروعات أية أمة تسعى إلى أن تجد لنفسها مكانًا تحت شمس الحضارة الإنسانية.

ووفق هذا المنطق فإن أبرز أوجه القصور التي نقابلها عند الحديث عن قضية "لماذا يتعلم أبناؤنا" هو تقليدية أو نمطية المستهدفات التي يضعها الآباء أو الطلبة لأنفسهم من وراء العملية التعليمية.

إن تكوين الإنسان الفكري والعقلي، وتكوين ميوله واهتمامته، بل وشخصيته بالكامل مستقبلاً، فيما بناء الإنسان -هو حجر الأساس في مشروعات أية أمة تسعى إلى أن تجد لنفسها مكانًا تحت شمس الحضارة الإنسانية

فأولاً باتت نقطة التربية الأخلاقية والسلوكية -كشطر أصيل من شطرَيْ العملية التعليمية في مؤسساتنا المدرسية والجامعية في عالمنا العربي والإسلامي- غائبة إلى حدٍ كبير ، وذلك لحساب أفكار قاصرة لا تحقق أي شيء، على رأسها هدف خاوٍ من أي مضمون، وهو مجرد الحصول على ورقة تثبت أن فلانًا هذا قد حصل على تقدير يؤهله للانتقال إلى المرحلة التالية من التعليم، أو شهادة إنهاء الدراسة الجامعية، أو التعليم المتوسط؛ لاستيفاء الأوراق التي تؤهله إلى الانخراط في سوق العمل.

فتحول الذهاب إلى المدرسة أو الجامعة إلى روتين يومي؛ لمجرد تحصيل قدر من المعلومات؛ لتأهيلهم لدخول الاختبارات النهائية؛ من أجل النجاح والحصول على الإجازة من صفٍّ إلى صفِّ، أو من مرحلة إلى أخرى.

وحتى في هذه الجزئية فإن مؤسساتنا التعليمية العربية وفي عالمنا الإسلامي لا تقدم أي شيء من علوم ومعارف أو قدرات تؤهل للعمل في المجالات المختلفة، وهو أمر واضح للغاية من خلال النظر إلى إحصائيات العمالة المتخصصة والخبراء الأجانب الذين يعلمون في عالمنا العربي والإسلامي، مقابل نسبة بطالة هي الأعلى في العالم.

وكذلك يتضح من المتاعب التي يلاقيها خريجو جامعاتنا العربية في الحصول على فرصة عمل في البلدان الغربية والمتقدمة الأخرى، وحتى في دول ما كان يُعرَف بالعالم الثاني، في شرق ووسط أوروبا، فإن هناك صعوبات بالغة في معادلة الشهادات العربية.

وبالتالي فإن أول أركان إجابة سؤال: "لماذا يتعلم أبناؤنا؟" هي أنهم يجب أن يتعلموا ما يطورون به ذواتهم وقدراتهم في مختلف الاتجاهات العقلية والمعرفية والبدنية وغير ذلك.

وبالتالي –أيضًا– فإنه في ظل الظروف الفنية المتردية التي تعانيها غالبية المؤسسات التعليمية في العالم العربي والإسلامي فإن الإنسان بحاجة لما هو أشمل وأبعد مما يحصل عليه في الدراسة، سواء ما قبل الجامعية أو في مرحلة التعليم الجامعي.

وهنا يأتي دور الأسرة بجانب المُعلِّم صاحب الضمير؛ فهؤلاء منوط بهم تشجيع التلاميذ والطلبة على اكتساب العلوم والمعارف، وتطوير قدراتهم الذاتية، وذلك من خلال مسارات متعددة، من بينها المدرسة، ولكن الأمر يجب أن يتجاوز حدود المدرسة، مثل القراءة وتكوين مكتبات خاصة، أو الذهاب إلى المكتبات العامة، والاطلاع على وسائل الإعلام المختلفة الموثوق فيها، والتعرُّف على تجارب التعليم الذي يعني اكتساب المعارف والقدرات الخاصة لدى البلدان الأخرى المتقدمة.

يتمثل دور الأسرة بتطوير قدرات الأبناء الذاتية، من خلال مسارات متعددة، من بينها المدرسة بالإضافة إلى تشجيعهم على القراءة وتكوين مكتبات خاصة، أو الذهاب إلى المكتبات العامة، والاطلاع على وسائل الإعلام المختلفة الموثوق فيها

ويشمل ذلك أيضًا، العمل على الحصول على دورات خاصة في المجالات الأهم في عالمنا المعاصر، مثل الحاسب الآلي واللغات، ووسائط ما يُعرف بالـ"إنفو ميديا"Info ) (Media، أي وسائل الإعلام التي تقدم المعلومات، وتمكِّن الإنسان من الاطلاع على خبرات الآخرين والاستفادة منها.

وعلى رأس هذه الوسائط الإنترنت الآن، الذي بات يشمل إمكانيات واسعة للغاية في هذا الإطار، متى أُحسِن استخدامه؛ حيث يحتوي على فرص جمَّة للحصول على مؤهلات علمية أفضل، سواء بالمراسلة، أو منح السفر والابتعاث، أو الحصول على الدورات المتخصصة المشار إليها، أو حتى الحصول على المكتبات الرقمية.

الجانب الآخر في هذا الأمر، يخص نقطة شديدة الأهمية تعني بشكل مباشر مسألة الهوية الإسلامية.

فالتعليم المدني في عالمنا العربي والإسلامي، لا يركز على هذه الأمور مطلقًا، بينما التعليم الديني ليس على القدر المطلوب في هذه النقطة نقطة الهوية الإسلامية.

وتشمل الهوية الإسلامية هنا الأخلاقيات والسلوكيات، وكذلك المحتوى الحركي لمسألة "ماذا يعني أن أكون مسلمًا"، كما تكلم عنها مفكرون كبار مثل الشيخ محمد الغزالي، والأستاذ محمد قطب، وآخرون من مفكري الحركة الإسلامية الصحوية، الذين سعوا في كتاباتهم إلى إعادة تعريف مفهوم "المسلم" لدى المسلمين، وربط المسلمين بدينهم وفق منظور شامل لمفهوم الدين، ولمحتوى الشريعة.

ويتضمن ذلك قضية مهمة للغاية، وهي أنني كطالب علمٍ مسلمٍ فإنني أسعى إلى كسب العلم؛ لأن ذلك فريضة شرعية دعا إليها القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وأنني أطلب العلم كذلك، لخدمة ديني، سواء بشكل مباشر، من خلال الدعوة مثلاً، أو غير مباشر، من خلال خدمة المجتمعات والأوطان، حيث خير الناس أنفعهم للناس كما قال الرسول الكريم "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم".

وهذا الأمر هو في صُلب فكرة أن يكون المرء مسلمًا، حيث يحكم الإسلام وشريعته مختلف تصوراته عن نفسه وعن الكون من حوله، وعن دوره في هذه الحياة، ولماذا خُلِقَ، وغير ذلك من الأمور المرتبطة.

وهنا فإن هناك مسؤولية مطلقة على الآباء والأمهات، في توجيه الأبناء إلى أن يكونوا مع طلب العلم، سواء في المدرسة أو الجامعة، أو أيٍّ من الأقنية الأخرى المشار إليها سلفًا، وغيرها، وفق هذا المنظور: أنَّ الطالب يتعلم لكي يستكمل مختلف جوانب هويته كإنسان مسلم، أي يسعى لاكتساب الأخلاق والسلوكيات الفاضلة، وكذلك أن يفهم أنه يتعلم لأداء مهام مقدسة، تتصل بهويته العقدية ذاتها.

لابد من ترسيخ مبدأ أن الطالب يتعلم لكي يستكمل مختلف جوانب هويته كإنسان مسلم، أي يسعى لاكتساب الأخلاق والسلوكيات الفاضلة، وكذلك أن يفهم أنه يتعلم لأداء مهام مقدسة، تتصل بهويته العقدية ذاتها

وفي الأخير، فإننا أمام مهمة شديدة الصعوبة في حقيقة الأمر، في ظل تردي أوضاع العملية التعليمية والتربوية في مراكزنا التعليمية في كثير من دول العالم العربي والإسلامي، إلا أنها –من الجانب الآخر– مهمة شديدة الأهمية والخطورة، وبالتالي شديدة الضرورة، بحيث ينبغي أن تكون على قمة جدول أعمال الحركة الإسلامية الصحوية.

وما الكوارث التي أحاقت بالمشروع الإسلامي وصورته، إلا بسبب ضعف الرؤية، والآتي بالأساس بسبب ضعف التعليم والتنشئة، بحيث فاض طوفان غث الأرض من الأجيال الجديدة، على الحركات الإسلامية كافة، وبجانب المنتفعين والمضلِّين الذين تسللوا بليل إلى الصفوف، قام هؤلاء بكل ما من شأنه تشويه صورة المشروع بالكامل، وباتت الأمور بحاجة إلى عقود طويلة لإصلاح ما تم تدميره لهذا السبب!

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
"باحث مصري في شئون التنمية السياسية والاجتماعية، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة القاهرة عام 1997م، كاتب في موقع "بصائر"، عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "القدس" الشهرية، التي كانت تصدر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير دورية "حصاد الفكر" المُحَكَّمة، له العديد من الإصدارات، من بينها كتب: "أمتنا بين مرحلتين"، و"دولة على المنحدر"، و"الدولة في العمران في الإسلام"، وإيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط"، وأخيرًا صدر له كتاب "أسس الحضارة والعمران في القرآن الكريم"، وله تحت الطبع كتاب بعنوان "الدولة في العالم العربي.. أزمات الداخل وعواصف الخارج".

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …