ماهية الإجابات الشافية ووسيلة تحصيلها!

الرئيسية » بصائر تربوية » ماهية الإجابات الشافية ووسيلة تحصيلها!
consultation-image-e1464754245569

غدا الكثير من طالبي النصح والباحثين عن حلول لمشاكلهم، يترقبون من الناصح حلولًا سحرية وإجابات شافية، وهذا مع الأسف غير متوفر البتة، فينتهي بهم الأمر بأن يصابوا بنوع من الإحباط وفقدان الأمل، فما هي قصة تلك الإجابات الشافية التي يبحثون عنها؟ ولماذا من الصعب الحصول عليها؟ وما هو البديل إذن؟

1- ماهية الإجابات الشافية:

حتى نعرفها لابد أن نحيط علمًا بالأسئلة التي يسألها الناس عادة في محاضرات التنمية البشرية، أو الفقه، أو التطوير الذاتي، أو أي علم آخر، فمعظم الأسئلة والمواضيع تتمركز حول جوانب شخصية بحتة، مثل: لقد درستُ في الكلية لغة كذا وكذا، كيف أستطيع أن أخدم بها الإسلام؟ أو هل أترك عملي كما فعلتَ أنتَ؟ وماذا أفعل كبديل؟ أو أنا عندي وقت فراغ ولا أعرف كيف أستغله؟ أفكر في تعلم العلوم الشرعية ولكني لست متأكدًا، فما رأيك أنت يا فلان؟ وأسئلة أخرى من قبيل: ما هي العوائق التي واجهتك؟ وكيف تغلبت عليها؟ وكيف أستطيع أنا فعل الشيء نفسه؟

وهكذا ينطلق السائل في طرح ما بدا له من الأسئلة معتبرًا أن للمحاضر القدرة على إعطائه تلك الإجابات الشافية؛ لأنه إما نجح في تخطي العائق الذي يعاني منه السائل الآن، فهو مثلًا يعرف هدفه من الحياة وما يتوجب عليه عمله، أو ربما يكون قد خاض نفس التجربة، وخرج بنتائج يراها السائل مميزة ويرجوها لنفسه، وإن كان يدرك في دخيلة نفسه أنها لا تَصلُح له، ولكنه لا يدرك أن الحصول على إجابات دقيقة شافية فيما يتعلق بحالته هو بالذات صعبة بمكان.

2- لماذا هو صعب الحصول على إجابات شافية؟

من الأمور الطريفة التي يمكن ضربها كمثال للتوضيح، هو أن النبي صلى الله وسلم كان يُلقِّب الصحابة رضوان الله عليهم بألقاب مختلفة، ويكلِّفُهم بتكاليف مختلفة، ويجعلهم يفيدون من مواهبهم بما يتوافق وشخصياتهم، بيد أن دقته تلك أتتْ من خلفية معرفته الجيدة بأصحابه، إلى جانب بصيرته الثاقبة عليه الصلاة والسلام، فإذا وضعنا البصيرة جانبًا حيث قل من يمتلكها، فمن هو العالم أو المحاضر الذي يحيط علمًا بشخصية وأحوال ومواهب جميع محاضريه ؟!

فإذن، عندما يحصل السائل على إجابات مثل: عليك أولًا أن تعرف نفسك، أو هذا يتوقف على مهاراتك ومدى صبرك، فإن الناصح في تلك الحالة لا يجيب إجابة هلامية غير مرضية، وإنما يحاول إنصاف السائل في إجابته قدر الإمكان، فمعظم الإجابات الدقيقة لتلك الأسئلة تتطلب أن يكون المجيب مُلِمًا بحال السائل، وشخصيته، وظروفه ومواهبه، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى، إذا افترضنا تساوي أو حتى تقارب الشخصية والظروف مع المحاضر، يأتي اختلاف القدرات والأهواء وربما عدم مناسبة العمل أو الاقتراح الذي يقوم به المحاضر مع السائل.

عندما يحصل السائل على إجابات مثل: عليك أولًا أن تعرف نفسك، أو هذا يتوقف على مهاراتك و مدى صبرك، فإن الناصح في تلك الحالة لا يجيب إجابة هلامية غير مرضية، وإنما يحاول إنصاف السائل في إجابته قدر الإمكان

فمثلًا، إذا كان كلا المحاضر والسائل قد درسا بعض اللغات، ولكن المحاضر عمل في الترجمة، ثم قرر لاحقًا الانضمام للعلوم الشرعية، ليس لأنه لم يحب الترجمة، ولكن لأنه فضل تخصص العلوم الشرعية لسبب أو لآخر، فأنَّى للمحاضر أن يعرف أيهما أنسب للسائل: أن يكمل في تخصصه وهو اللغات ثم يشتغل بالترجمة، أو يتجه للعلوم الشرعية كما فعل هو؟ أو ربما يقوم بشيء مخالف تمامًا؟! هذا أمر لا يستطيع الإجابة عنه إلا السائل نفسه، وإنما يمكن للناصح أن يعطيه اقتراحات عامة، وبعض النصائح هنا أو هناك التي قد تعينه في طريقه، لكنه لا يملك رَسْم حدود بينة محددة، وتحديد مسار واضح، لم يستطع حتى عمله مع نفسه، وإنما ما حدث مع الناصح هو أن الرؤية اتضحت له مع كثرة خوض التجارب وتنوع المجالات والمهارات.

3- بديل الإجابات الشافية والحلول الفورية الفعالة:

أولًا- أن يسعى هؤلاء اللاهثون وراء سماع المحاضرات، والتحرِّي عمن يَبثون لهم مشاكلهم إلى بذل الجهد، فهم ما إن تنهال عليهم الحلول والاقتراحات العملية، حتى يركنوا عن العمل والتطبيق، فهناك الكثيرون ممن يَهون عليهم التحدث عن مشاكلهم، والاستماع للحلول، والتوقف عند هذه المرحلة، والاستمرار على نفس المنوال.

أي أن الأمر بالنسبة لهم لا يتعدى مجرد "التنفيس" و"الفضفضة"، فإذن يتوجب تحديد الغرض أولًا من السؤال ومعرفة أهمية الإجابة بالنسبة للسائل، وإلى أي شيء ستوجهه: إلى الركون أم البحث عن حل؟ فكثيرون يتضح أنهم غير جادين في إصلاح أحوالهم، وكأنهم ينتظرون عصا سحرية تأتي وتُعدِّل الحال!

ثانيًا- لا بد من تحديد الأوليات، فواحدة من الأسباب التي تُؤخِّر البعض عن تطبيق نصيحة رأوها عملية، هو أنهم مشغلون بإنجازات مهمة أخرى يرونها أولى في الوقت الحالي، فلا بأس في ذلك طالما رتب هؤلاء أولوياتهم وأدركوا سبب التسويف، وربما تحديد الأوليات ذاك هو الذي يَحيد بكثير من الناصحين عن تقديم الإجابات الشافية حيث تختلف أولويات الناس بالضرورة.

واحدة من الأسباب التي تُؤخِّر البعض عن تطبيق نصيحة رأوها عملية، هو أنهم مشغلون بإنجاز مهمة أخرى يرونها أولى في الوقت الحالي، فلا بأس في ذلك طالما رتب هؤلاء أولوياتهم وأدركوا سبب التسويف

إذا ما تمّ تخطي تلك المراحل، فسيجد هؤلاء أنفسهم ينطلقون للعمل، فيبدأون بتطبيق النصائح شيئًا فشيئًا، وينطلقون من تجربة إلى أخرى، حتى يكتشفوا الحل الأنسب لهم، وعليهم -أثناء سيرهم في الطريق- أن يدركوا عدم وجود حل مثالي يناسب الجميع، فللبعض العمل النظامي يعتبر هو الحل أنسب، وللبعض الآخر العمل من المنزل، ولآخرين الزواج المبكر، ولمجموعة مختلفة العمل مع الدراسة وهكذا، فاحرص على عدم المقارنة إذا ما تعلق الأمر بقرارات حياتية، كتلك التي ذكرناها فهي تعتبر فروقًا فردية، وتختلف باختلاف الزمن والظروف، ومدى قابيلة واستجابة كل شخص، المهم أن تستمر في المحاولة والبحث حتى تصل، واعرف أنه في بعض الأحيان لا تؤدي كل الطرق إلى هدف واحد، فاحرص على تحديد هدفك ومهاراتك وأولوياتك ثم انطلق .

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة ومترجمة من مصر، مهتمة بقضايا التعليم والأسرة والتطوير الذاتي

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …