محاكمة أهل العلم.. أزمة جديدة تواجهها الأمة؟!

الرئيسية » خواطر تربوية » محاكمة أهل العلم.. أزمة جديدة تواجهها الأمة؟!
INAF_20180728232155057

عندما تعدم أمةٌ من الأمم علماءها ومصلحيها فهي أمة مأزومةٌ مهزومة، لا يُنتظر لها حالُ خيرٍ إلا بأن تجتث أولئك الذين أوصلوها إلى حال الشر الذي هي فيه، وما أولئك إلا ملوكها وأمراؤها ورؤساؤها.

الأمة تسير بسير حكامها، وإن الكلمة التي يتداولها كثير من الناس فيقولون (كما تكونوا يولى عليكم)، وهو ليس بحديث صحيح النسب بالنبي في الحقيقة، ولكنه حديث ضعيف مكذوب، والواقع والتاريخ يكذبه كما قال الألباني: فإن التاريخ حدّثنا عن تولّي حكام أخيار بعد حكام أشرار والشعب هو هو.
بل إن الكلمة التي تصح أكثر من هذه هي (كما يولّى عليكم تكونوا)، وذلك لأن الحقيقة أن الشعوب هي التي تسير بسير حكامها أكثر من سير الحكام بسير شعوبها.

وكما قال عثمان رضي الله عنه: (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)، ومعناه أن الله يصلح بعضا السلطان أكثر مما يصلح بهداية القرآن، وذلك لأن الناس تحتاج إلى أن ترى الثواب والعقاب في الدنيا قبل أن تسمع عنهما في الآخرة، وهذا مما يدل دلالة قاطعة على أهمية الحكم لأهل الإصلاح والتغيير، فإن الدعوة إلى صلاح المجتمع وإن طالت لآلاف السنين فلن تغير تغييرا ذا بال، إلا أن تُرفع على رؤوس الناس عصا الحاكم ويُلوّح بها، وحينها يسير الناس إلى الهدى رَغَبا ورَهَبا.

لقد باتت أمتنا العربية والإسلامية في أبأس حال، وبدلا من أن يكون علماؤها فيها الهداة والمصلحين، أصبحوا بدعاية حكّامها البغاة والمخرّبين، وعمدت الأنظمة إلى التضييق عليهم وسجنهم وإعدامهم.

لقد باتت أمتنا العربية والإسلامية في أبأس حال، وبدلا من أن يكون علماؤها فيها الهداة والمصلحين، أصبحوا بدعاية حكّامها البغاة والمخرّبين، وعمدت الأنظمة إلى التضييق عليهم وسجنهم وإعدامهم

علماء ومصلحون في العالم العربي والإسلامي، يحاكمون ويعدمون، لا لشيء إلا لأنهم أرادوا الحرية والعزة للإنسان في بلادهم، ووجهوا النصيحة للحاكم، وأعلنوا عن اعتراضهم على بعض توجهاته، أو حتى لمجرد أنهم أبدوا تعاطفهم مع بعض القضايا العربية والإسلامية، والتي تخالف توجه حكامهم وسلطاتهم.

العلماء والمصلحون الحقيقيون في أمتنا العربية والإسلامية، الذين يلاقون أشد العنت والتضييق والسجن والتعذيب، وصولا إلى الإعدام والقتل، وذلك حتى يعودوا إلى أماكنهم في القطيع السائر وراء الملوك والأمراء والرؤساء، القطيع الذي لا يرفع عينه إلا لينظر أين يرمي له حاكمه قوته، ولينظر كذلك عصا حاكمه ليتقيها، ويسير في الطريق من ورائه رَغَبا ورَهَبا، رغَبَا في ما في يديه من قوت ورَهَبا من ما في يديه من العصا. هكذا حال أمة الإسلام من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها.

في بنجلاديش تعدم السلطات الحاكمة قادة الجماعة الإسلامية هناك واحدا تلو الآخر.

وفي أرض الحجاز تسجن السلطات العشرات من العلماء والمصلحين، وتبدأ في محاكمتهم، ويوصي الادعاء بإعدامهم، وعلى رأسهم الشيخ سلمان العودة.

وفي مصر تسجن السلطات الآلاف من أهل العلم والرأي، وتحكم على العشرات منهم بالإعدام، وعلى رأسهم علماء ومصلحون وقادة.

هذا سعارٌ انتشر في الأمة الإسلامية كلها، والعجيب أن تتواطأ عليه كل الأنظمة أو جلها، في حين أنه لمّا حدث مثيله في الخمسينات والستينات في مصر، هاجت الأمة كلها رفضاً وإدانة وشجباً، واجتمعت على ذلك الأنظمة والشعوب.

أما اليوم، فكل الأنظمة متواطئة وكل الشعوب صامتة خائفة، ليشكل ذلك حدثاً استثنائياً في تاريخ الأمة، فلم تصل الأمة الإسلامية مجتمعة إلى هذه الحالة من الضعف والهوان أمام العدو الخارجي من قبل، ولم تصل إلى هذه الحالة من التواطؤ على علماء الأمة ومفكريها ومصلحيها من قبل، ولم تصل شعوبها إلى هذه الحالة من الجبن والخور أمام أنظمتها الحاكمة من قبل.

حالة تاريخية ربما تشير إلى تغير تاريخي كبير قادم في الأفق.

الحكام في بلادنا العربية والإسلامية يريدون علماء كعلماء الجامية والمدخلية، ذلك الفكر الذي يقترب من تأليه الحاكم، وتنزيهه عن كل خطأ ونقص، ويرفض رفضاً قاطعاً الخروج عليه بالسلاح أو بالتظاهر والعصيان المدني، حتى وإن أتى بالموبقات، كما قال قائلهم مؤخراً: حتى ولو زنى وشرب الخمر على الشاشات في بث مباشر لنصف ساعة! بل ويرفضون نصحه في العلن، ولا يقبلون إلا أن يُسَرّ إليه بالنصيحة.

الحكام في بلادنا العربية والإسلامية يريدون علماء كعلماء الجامية والمدخلية، ذلك الفكر الذي يقترب من تأليه الحاكم، وتنزيهه عن كل خطأ ونقص، ويرفض رفضاً قاطعاً الخروج عليه بالسلاح أو بالتظاهر والعصيان المدني، حتى وإن أتى بالموبقات

ويا للعجب، يقبلون أن يفجُر الحاكم في العلن أمام الأمة كلها، ويرفضون أن يُنصح في العلن كما فجر!

وكعلماء البرهامية، وهي طريقة سلفية مصرية، أقرب ما تكون إلى الجامية والمدخلية، أسست حزب النور لينافس الإخوان في الانتخابات بعد ثورة يناير حتى يضعفوهم ويقتطعوا من رصيدهم، ثم شاركوا في الهجوم عليهم ونقدهم، ثم شاركوا في الانقلاب العسكري عليهم، وها هم أذنابٌ وخدمٌ للسلطات الحاكمة في مصر، يباركون كل ما تفعله السلطة من بطش وظلم، بل ويقدمون لهم في بعض الأحيان التأصيل الشرعي لما تفعله.

هؤلاء هم العلماء الذين يقبلهم الحكام وتقبلهم سلطاتهم، أما أولئك الذين سيدلون بالرأي من أجل الإصلاح لا يخافون فيه لومة لائم، فلا مكان لهم في أمتنا العربية والإسلامية في زمانها المعاصر، وبالتالي فلا أمل في الإصلاح الحقيقي والتغيير الجذري.

سيبقى علماء ومصلحو هذه الأمة الحقيقيون هم أملها في الإصلاح والتغيير مهما ضيّق عليهم المضيّقون ومهما حاربهم الحكام وحاربتهم أنظمهتم وسلطاتهم.

سيبقى علماء ومصلحو هذه الأمة الحقيقيون هم أملها في الإصلاح والتغيير مهما ضيّق عليهم المضيّقون ومهما حاربهم الحكام وحاربتهم أنظمهتم وسلطاتهم

علماء الأمة الحقيقيون الذين يأتمون بأحمد بن حنبل الذي وقف ضد الحاكم وحده، ورفض أن يقول بخلق القرآن، وسجن في سبيل ذلك وجلد وضيّق عليه، لكنه لم يعط الدنية في دينه، فذهب الحكام واحداً تلو الآخر، وانتصر ابن حنبل، وانتصر علمه وفكره والحق الذي كان عليه.

ويأتمون كذلك بالعز بن عبد السلام الذي ترك الشام وأتى مصر من تضييق الحكام عليه لصدعه بالحق في وجوههم، وفي مصر بقي على حاله صوتاً للحق زاعقاً، حتى تآمر عليه حكام مصر ومماليكهم وكادوا يقتلونه، لكن الله نصره عليهم، وألقى في قلوبهم الرعب منه، حتى باعهم العز بن عبد السلام في السوق واحداً واحداً، ليشتري كل مملوك منهم حريته بأمواله، وتذهب الأموال بعد ذلك إلى خزينة الدولة ومنفعة الناس.

هناك سلطان العلماء العز بن عبد السلام، وهنا سلاطين العلماء كذلك، الذين يصدعون بالحق في وجوه السلاطين، لا يخافون لومة لائم، ويدفعون ثمن ذلك من أموالهم وحرياتهم وأعمارهم راضين، راغبين فيما عند الله من الثواب الجزيل، في جنات النعيم، مع النبيين والصديقين والشهداء.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وشاعر وروائي مصري، مهتم بالفكر الإسلامي والحركة الإسلامية

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …