تعاني كثير من بيوتنا فترة من الركود النفسي والعاطفي، وربما الملل بعد فترة من الزواج، حسب درجة التفاهم والحب بين الزوجين، بل تدخل العلاقة لنوع من الخرس الزوجي، فلا يكاد يجمعهم إلا مائدة الطعام -هذا إذا جمعتهم أصلاً- ولا يجمعهم حوار إلا في حدود الطلبات، والأوامر والنواهي بوجوه مكفهرة، أو تعلوها ابتسامة مصطنعة، وفي بعض الأحيان يصل الأمر للتناوش، فترتفع الأصوات، وتتبادل الاتهامات، وقد يتدخل في الأمر طرف ثالث مما يؤدي لمزيد من البرود في العلاقة الزوجية الوليدة، وتباعد المسافات بين الطرفين أكثر، ووضع حواجز كان من الممكن تلافيها إذا وضعنا في الاعتبار بعض الأمور البسيطة، وقليلاً من الجهد لعبور فترة الركود تلك بسلام، وتحيين بيتك من جديد.
وفي هذا المضمار دائماً ما أوجه حديثي للمرأة، المرأة هي المؤهلة لمسؤولية الأسرة العظيمة؛ بما حباها الله عز وجل من طبيعة عاطفية جياشة، وقدرة هائلة على تطويع أي نفس، مهما كان ما بها من عيوب، سواء كانت تلك النفس زوجها أو هي شخصياً.
وليس تحاملاً على المرأة، بل على العكس تماماً، وإنما تفهماً لقدرتها على إنجاز ما لا يستطيع الزوج إنجازه بطبيعته، لِبَثِّ الدفء والحياة وإعادة الروح لحياة توشك على الموت، وهناك بعض العناوين التي يمكن أن تلخص سبب الجمود العاطفي والمشكلات الناجمة عنه، واستعراض تلك المشكلات من خلال بيت النبوة، وأمهات المؤمنين رضوان الله عليهن.
المرأة هي المؤهلة لمسؤولية الأسرة العظيمة؛ بما حباها الله عز وجل من طبيعة عاطفية جياشة، وقدرة هائلة على تطويع أي نفس، مهما كان ما بها من عيوب، سواء كانت تلك النفس زوجها أو هي شخصياً
-حدثني... حبيبي:
كانت أمك عائشة رضي الله عنها عندما تروي عنه تقول حدثني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، من منا عندما تتحدث عن زوجها تقول حبيبي! بل إنه من العجيب أنك تسمع أحياناً أن هناك بعض من الزوجات اللاتي يخجلن من ذكر حبهن لأزواجهن إذا سئلن عن ذلك، وليس هذا فقط، بل ربما لا تذكر حتى لزوجها، أو تعبر له عن حبها له، فأين هؤلاء من أمنا العظيمة عائشة، ولنقرأ ولنتعلم!
فهي أحياناً تغضب وتهجر كأي زوجة، فيقول لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت عليّ غضبى)، فتقول: "ومن أين تعرف ذلك؟"، فيقول المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام: (أما إذا كنت عني راضية، فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى، قلت: لا ورب إبراهيم)، فتقول الحبيبة: "أجل، والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك". (رواه الشيخان).
فهل عاش الزوجان مثل هذه اللحظات الغالية من الرقي والروعة، حبيبين حتى في وقت الغضب والهجر؟ وهل يعلم الزوج متى تكون راضية عنه، ومتى تكون غضبى؟ أم أن الزوجة في كل الحالات غضبى وغير راضية بحياتهما؟!
حياة طبيعية بسيطة سهلة، سعادة وغضب، جد ولعب، حب وعتاب، ولكن الفرق هو أن الغضب لا يطغى حتى يفقد الإنسان إنسانيته، واللعب لا يكثر، فيخرج المسلم عن أولوياته، والعتاب لا يطول فيفقد الحب قيمته وروعته.
-الغيرة علم وفن:
السيف البتار في العلاقة الزوجية واللهيب الخفي الذي إذا خفت يصبح جالباً للدفء الجميل في البيت، وإذا زاد عن حده أشعل البيت ناراً، يمكن أن يأتي على الأخضر واليابس، وكل النساء تغار، ولكن لا بد من أن يكون هناك حدود لهذه الغيرة، بحيث لا تصبح طوقاً يخنق الزوج، وتجعله يفرّ منها فراراً، فكذلك كانت السيدة عائشة رضي الله عنها، فقد كانت تحب النبي وتغار عليه، بل كانت أكثر زوجاته غيرة رضي الله عنها. فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلاً قالت: "فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع، فقال: (ما لك يا عائشة، أغرت؟) فقلت: "وما لي لا يغار مثلي على مثلك؟" فقال رسول الله: (أقد جاءك شيطانك؟) فقلت: "يا رسول الله، أو معي شيطان؟" قال: (نعم)، قلت: "ومع كل إنسان شيطان؟" قال: (نعم)، قلت: "ومعك شيطان؟" قال: (نعم، ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم ). (رواه مسلم).
وغيرها الكثير من قصص الغيرة المتزنة عاشتها أمنا رضي الله عنها مع حبيبها وحبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم.
تأملي يرحمك الله لذكاء وفطنة الزوجة عندما يغضب منها النبي صلى الله عليه وسلم كيف تستطيع أن تنسيه هذا الغضب، وأن تأخذ بقلبه وتفكيره وانتباهه إلى شيء آخر بعيداً عن المشكلة التي تسببت في هذا الغضب، فيزول ما بينهما وكأنه لم يكن.
السيف البتار في العلاقة الزوجية واللهيب الخفي الذي إذا خفت يصبح جالباً للدفء الجميل في البيت، وإذا زاد عن حده أشعل البيت ناراً، يمكن أن يأتي على الأخضر واليابس، وكل النساء تغار، ولكن لا بد من أن يكون هناك حدود لهذه الغيرة، بحيث لا تصبح طوقاً يخنق الزوج، وتجعله يفرّ منها فراراً
-فن امتصاص الصدمات:
أو إن شئت أن تسميه أختي "فن إدارة الأزمات"، بالله عليك يا أختي الحبيبة المسلمة، وأخي المسلم، لو أديرت أزماتنا ومشكلاتنا بهذه اللباقة والبساطة، والروح الطيبة، أيمكن أن تنشأ أزمات تؤدي والعياذ بالله إلى خراب البيوت، أو إلى صدع يصعب رأبه؟، لا أعتقد ذلك، المهم أن الخيط في يدكما معاً.
-همسة في أذن الزوجة:
أتستطيعين يا أختي أن تتحدثي إلى زوجك بهذه اللهجة وهذا الدلال، خاصة إذا فترت العلاقة بينكما، وطغت عليها المادية العمياء!
عن عائشة رضي الله عنها قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال: (ما يبكيك؟) قلت: "سبتني فاطمة"، فدعا فاطمة فقال: (يا فاطمة سببت عائشة؟)، قالت: "نعم يا رسول الله"، فقال: (ألست تحبين من أحب؟) قالت: "بلى"، قال: (وتبغضين من أبغض)، قالت: "نعم"، قال: (فإني أحب عائشة فأحبيها)، قالت فاطمة: "لا أقول لعائشة شيئاً يؤذيها أبداً".(رواه أبو يعلى في مسنده)
-لأحب ما تحب:
لننظر ونتأمل كيف إذا فهم الزوج زوجته وإذا فهمت الزوجة طبيعة تفكير زوجها، فهذه السيدة عائشة رضي الله عنها تسأل النبي صلى الله عليه وسلم وتناقش وتبدأ الموضوعات التي ربما لا يتطرق إليها الزوج من تلقاء نفسه؛ نظراً لطبيعته التي سوف نتحدث عنها بالتفصيل، تسأله فيجيب، وتدفعه لأن يقول ما تريد أن تسمعه، وهو يستجيب ويعطي أكثر مما تريد هي.
ثم هي تسابقه فتسبقه، أي أن الزوجين المشغولين بهموم الأمة يخرجان للتنزه، وممارسة الرياضة، والتسابق فتسبقه في المرة الأولى، وينتظر عليها المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى تأكل وتسمن، فيسابقها مجدداً، فيسبقها عليه الصلاة والسلام، فيضحك الحبيبان، ويقول: (يا عائشة هذه بتلك). (رواه البيهقي).
ثم مشاهدة الحفلات التي يقيمها الحبشة في الأعياد والمناسبات، فتقف عائشة رضي الله عنها بين يدي الحبيب؛ لترى وتشاهد الأحباش وهم يلعبون، ويسألها الزوج: (أشبعت)، فتتدلل وتختبر حبه وتختبر صبره عليها، وتقول: لا، ويصبر عليها حتى تشبع، وتطلب هي الانصراف، وهو مفرّغ نفسه الكريمة تماماً لها في الوقت المخصص لها، فهم أحدهما طبيعة الآخر، وتعامل معه بما يتناسب مع تلك الطبيعة التي فطره الله عليها، فيتجنبان بذلك حدوث التصادم الذي تنهدم معه النفوس والبيوت الآمنة.
ونخلص من ذلك إلى أن معظم المشكلات لم تكن سبباً مباشراً في الهدم؛ لأن الحياة نفسها مكللة بالابتلاء والمشكلات، والإنسان مؤهل لأن يتعامل معها، ويقوم بحلها، ويعلم الله أنها أبداً لن تكون سبباً في الشقاق، وإلا لما بقي على وجه الأرض بيت قائم، وحياة مستقيمة. فلا الفقر ولا الانشغال ولا الصمت سبب في هذا التصدع، وهذا الجليد، وهذا الجمود.