أثر العقيدة الصحيحة في الفرد والمجتمع

الرئيسية » بصائر تربوية » أثر العقيدة الصحيحة في الفرد والمجتمع
muslims23

للعقيدة مفعول السحر في نفوس حامليها، فلها سلطان محرك للفرد، تتحكم في سلوكه وتحدد هويته وتوجهه سلباً أو إيجاباً، استقامة أو انحرافاً، هدماً أو بناءً. العقيدة الموجهة البناءة، عقيدة فعمل والتي تتخذ من سورة العصر منهاجاً!

وعقيدة المسلمين هي #العقيدة الصحيحة بالمطلق، والتي لم تتدخل فيها يد شيخ أو راهب، عقيدة حررت الإنسان من الشرك وعبودية الإنسان للإنسان، وعبودية الإنسان لذاته ورغباته وخوفه وتواكله، أثرت في مناحي الحياة جميعها، حثت على العلم و القوة والغنى، ساوت بين الحاكم والمحكوم، بين الأبيض والأسود وجعلت الفرق بينهما والأفضلية فقط في الدين، تحكمت في الأخلاق برقابة الله لا رقابة القانون الوضعي الذي يخالفه كل من استطاع أن يبعد عن أعين مراقبيه!

يقول الله سبحانه وتعالى: {وَالْعَصْرِ. إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [سورة العصر].

ثلاث آيات هن مجمل سورة العصر، لكنها المنهاج الشامل الكامل لهذه الأمة، منهاجها ومسؤوليتها ودورها في الحياة، يقول فيها الإمام الشافعي رضي الله عنه: "لو أن الناس تدبروا هذه السورة لكفتهم"، وفي قول آخر له أيضاً يقول: "لو أن الله سبحانه وتعالى لم ينزل من القرآن إلا هذه السورة لكفت الأمة"؛ لأنها تبين منهج الحياة.

ويقول صاحب الظلال في هذه الآيات: "إنه الإيمان، والعمل الصالح، والدعوة إليه والصبر عليه...".

عقيدة حاضرة لكنها معطلة!

والعقيدة الإسلامية سلمت من التحريف حين تعهدها الله عز وجل بحفظه من دون البشر متمثلة في كتاب الله المقروء "القرآن المجيد"، والأمة الإسلامية لم تتخلَّ يوماً عن عقيدتها كما قد يحسب البعض ويروج؛ بحثاً عن سبب للخلل الذي تحياه أمة "اقرأ"، فالملايين، بل ومئات الملايين، ما زالوا يؤدون الصلاة على وقتها، والأذان على مدار الساعة في بلاد المسلمين، والصيام فريضة لا تعطل، والحج يؤدى كل عام في موعده، ومعظم المسلمين تهفوا نفوسهم وتتوق قلوبهم لأداء مناسكه، بصورة وعدد لم يسبق له في التاريخ مثيل، ما زال الحلال حلالاً والحرام حراماً في نفوس الناس حتى لو ضلت طائفة ممن يفسدون على الناس دينهم، مازال الناس يوحدون الله في يومهم عشرات المرات، ويصلون على نبيهم في اليوم كذلك عشرات المرات. لذا فالمسلمون اليوم لا ينقصهم عقيدة، وإنما ينقصهم تفعيل تلك العقيدة المعطلة داخل نفوسهم.

المسلمون اليوم لا ينقصهم عقيدة، وإنما ينقصهم تفعيل تلك العقيدة المعطلة داخل نفوسهم

فعقيدة التوحيد الباقية إلى يوم القيامة لم تمت في نفوس الخلق، وإنما مات العمل بها!

يقول مالك بن نبي: "ليست المشكلة أن نعلِّم المسلم عقيدة هو يملكها، وإنما المهم أن نرد إلى هذه العقيدة فاعليتها، وقوتها الإيجابية، وتأثيرها الاجتماعي".

والناظر لتاريخ الأمة منذ قرنها الخيري الأول، مروراً بالثاني والثالث وحتى فترات الصراع التي أضعفت الأمة -يجد أن تلك الحضارة المنجزة ما هي إلا ناتج من نواتج تفعيل العقيدة المتينة التي بنت النفوس قبل الأشياء، وبنت الصف الإسلامي المترابط قبل المدارس والمصانع!

وكي تستمر الأمة أو لكي تصحح مسارها فمن الواجب على القائمين على ذلك أن يتعهدوا تلك النفوس بالتربية والإصلاح والإيقاظ؛ كي لا يموت أثر العقيدة في نفس الفرد الذي هو أساس أي حضارة أو أي بناء مجتمعي .

والعقيدة البناءة هي تلك العقيدة المنزلة من السماء دون زيادة أو نقصان، دون تصرف من هوى أو إملاء أو سوء فهم، العقيدة التي تعهدها المربي بتجديد النيات وصحة العمل، العقيدة التي تتعدى القول إلى الفعل، والسكون إلى الحركة، كمن ينتقل بالصوم إلى التقوى وبالصلاة إلى العمل الصالح وبالمسئولية إلى الشهادة الحق.

ولعقيدة المسلمين آثار جلية على الفرد وعلى المجتمع تنعكس على الأمة بالحرية أولاً والشهادة على الذات ثم على الآخر.

أثر العقيدة على الفرد:

وللعقيدة الحية آثار على الإنسان ككل، تنعكس على سلوكه وأخلاقه تلقائياً طالما قويت تلك العقيدة، ومن هذه الآثار:

اطمئنان القلب:

السكون والاطمئنان والسعادة والهدوء والرضا، كلها معان افتقدتها الإنسانية في حداثتها رغم توافر كافة الأسباب المادية.

يقول "ألكسيس كاريل: "لأول مرة في التاريخ أصبحت الإنسانية بمساعدة العلم سيدة مصيرها، ولكن هل سنصبح قادرين على استخدام هذه المعرفة بأنفسنا لمصلحتنا الحقيقية؟ يجب أن يعيد الإنسان صياغة نفسه؛ حتى يستطيع التقدم ثانية، ولكنه لا يستطيع صياغة نفسه من غير أن يتعذب؛ لأنه الرخام والنحات في وقت واحد".

تلك شهادة أحد علماء الغرب وقد انكوى بنار المادية العمياء، ويقول في موضع آخر: "لا بد للإنسان من إله يعبده، لا بد للإنسان من إيمان يملأ قلبه وعقله وروحه وكيانه، به يتحرك وله يطيع؛ حتى تطمئن نفسه وتسكن روحه ويستطيع الاستمرار في بناء ذاته وإنقاذ الأرض بمن عليها".

العقيدة تصنع إنساناً حراً ونفساً أبية:

يقول النبي صلي الله عليه وسلم: "اطلبوا الحوائج بعزة، فإن الأمور تجري بمقادير" (رواه ابن عساكر)، فالإيمان العميق يغرس في نفس صاحبه عزة وحرية وإباء، فهو يدرك جيداً أن الرزق مقدر بيد الله وحده، وأن الأجل بيد الله وحده، وأن النفع والضر ليس إلا بيد الله وحده، فَلِمَ الخوف! ولم الخنوع! ولم الذلة والدنية! {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، ولكن المنافقين لا يعلمون} [المنافقون، الآية:8].

الإيمان العميق يغرس في نفس صاحبه عزة وحرية وإباء، فهو يدرك جيداً أن الرزق مقدر بيد الله وحده، وأن الأجل بيد الله وحده، وأن النفع والضر ليس إلا بيد الله وحده، فَلِمَ الخوف! ولم الخنوع! ولم الذلة والدنية!

أثر العقيدة الحية على المجتمع المسلم:

إذا صلح الفرد المسلم صلح مجتمعه، فالمجتمع في أصله هو مجموع أفراد الأمة ، والشرع أولى الفرد اهتماماً كبيراً؛ وذلك لأنه ليس نواة الأمة وحسب، وإنما الفرد المسلم الواعي هو جزء من أمة شاهدة على الأمم، وأما خطاب العبادات في كتاب الله فكان بصيغة المجموع، ففي سورة الفاتحة التي يتعبد بها المسلمون في اليوم والليلة اثنتي عشرة ركعة غير النوافل، لا يتحدث المؤمن عن نفسه بصيغة الفرد، وإنما فرض الله عليه أن يتحدث عن نفسه وعن مجموع أمته بصيغة الجمع: {إياك نعبد وإياك نستعين}، وفي الدعاء: {اهدنا الصراط المستقيم}، فهو الفرد المؤمن المسؤول عن أمته أولاً، ثم هو شاهد على الآخر ثانياً.

ومن هنا ندرك أثر الاعتقاد الصحيح وتفعيل العبادات على المجتمع.

تحقق الأمن والأمان:

وما أدراكم ما الأمن؟ قال الله تبارك وتعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُون} [الأنعام ، الآية:82]، لم يلبسوا إيمانهم بظلم أي: بشرك، فيتحقق الأمن.

توحيد كلمة الأمة:

لم يكن أحد ليتصور أن يتآخى سلمان وبلال الحبشي، مع مصعب بن عمير القرشي، مع عمر بن الخطاب العربي، مع أبي بكر الشريف، مع حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، مع الفرس والروم وكل أقطار الأرض إلا بكلمة التوحيد والعقيدة المحركة والمتحركة في الأرض، {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}[الأنفال، الآية:63].

وفي هذا المعنى يقول ابن خلدون في مقدمته: "إن الدولة العامة الاستيلاء، العظيمة الملك أصلها الدين، إما من نبوة، أو دعوة حق".

مصادر تلقي العقيدة:

والعقيدة التي يجب أن نعتصم بها وأن ندعو إليها: هي عقيدة السلف، وللسلف منهج في تلقي عقيدتهم ومصادر متفق عليها، والواجب علينا أن نتبعها؛ لتلقي عقيدتنا؛ كي تصح ويصح العمل بمقتضاها.

أولاً: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم:

قول الله تبارك وتعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء، الآية:65]، وتحكيم الرسول إنما هو تحكيم لما جاء به من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال الله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران، الآية:7].

ثانياً: الاعتماد على فهم الصحابة:

لأنهم هم الذين شاهدوا التنزيل، وهم الذين بلغوا الوحي، والقرآن الكريم إنما وصلنا عن طريق الصحابة، فإذا اختلفنا في فهم نص من نصوص الكتاب والسنة، فإن الواجب علينا أن ننظر إلى فهم أولئك الصحب الكرام رضي الله عنهم أجمعين.

ثالثاً: الإجماع:

المصدر الثالث بعد الكتاب والسنة على ضوء فهم السلف الصالح: الإجماع، أي: ما أجمع عليه المسلمون وما أجمع عليه السلف الصالح خاصة، وهو نوع من إرجاع التشريع لعلماء الأمة ومجتهديها.

رابعاً: العقل والفطرة:

وليس المقصود بالعقل غريزة الإنسان المتقلبة، وإنما النظر في آيات الله بقلب واعٍ، وبيان أنه لاتعارض بين العقل والنقل.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة مصرية، مهتمة بالشأن الإسلامي العام، حاصلة على بكالوريوس إعلام من جامعة القاهرة، وكاتبة في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية، لها العديد من المؤلفات المنشورة، مثل: المنهاج في الدروس المسجدية للنساء، معالم على طريق التمكين الحضاري، وأبجديات الثورة الحضارية وغيرها.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …