أفكارنا تحت المجهر: (1) الكمال التربوي

الرئيسية » بصائر تربوية » أفكارنا تحت المجهر: (1) الكمال التربوي

مع التطور الكبير الحادث في كل مجالات الحياة ومناحيها كان لابد علينا أن نكون على مستوى هذا التطور والحداثة في الجانب التربوي وأن تكون لدينا القدرة على صناعة وبناء العملية التربوية بالشكل الأمثل والأفضل، لذا كان لزاماً أن يكون الوعي التربوي أحد أهم الجوانب التي يجب على المربي الحرص على تناولها والتعاطي معها لمزيد من الفهم والإدراك للعملية التربوية.

فعند وقوع الأخطاء والنوائب التربوية تجد المربين يتعاملون بشكل وطريقة أحادية، فتجدهم يسرعون ويهرولون لمعالجة (العرض) تاركين (المرض الأصلي) والذي ما لم يعالجوه فلن يتركهم يهنئون بعلاج العرض إلا ويصيبهم بعرض آخر وقد يكون مختلفاً وأشد من السابق.

إن طريقة العلاج المثلى هي التعامل الثلاثي أمام الأخطاء التربوية، فنتعامل مع (العرض) ونعالج (المرض)، وقبلهم الوقاية (الحذر) من المرض. وإنه لمن الخطأ أن نتصور أن المشكلة التربوية تكمن في أفعال المربي وممارساته  بل الأمر أعمق من هذا، فالأفعال والممارسات هي محض عرض ومظهر لأصل أكبر وأعمق وهو مكمن المرض (الفكر) فالأفعال والممارسات التربوية نابعة في الأصل من أفكار المربي ومعتقداته حول العملية التربوية.

الأفعال والممارسات التربوية نابعة في الأصل من أفكار المربي ومعتقداته حول العملية التربوية

وخلال هذه السلسلة من المقالات (أفكارنا تحت المجهر) سوف نوجه عناية المربين إلى الأفكار الهدامة والكارثية التي تتسبب في العديد من الممارسات الخاطئة في العملية التربوية فالقضاء على فكرة خبيثة واحدة يعني التخلص من (عديد) الأفعال والممارسات الخاطئة. وسيكون أول موضوع نتناوله في هذه السلسلة هو (الكمال التربوي) فهيا بنا:

يتصور البعض أن النجاح هو الكمال وتختلط لديهم المفاهيم والتي تنبع من أفكار مغلوطة وغير صحيحة، وهذه الأفكار المغلوطة ينبني عليها العديد من الأفعال الخاطئة والكارثية في بعض الأحيان، والفكرة الخاطئة التي نتناولها هنا ويجب التخلص منها هي (الكمال التربوي).

وفكرة الكمال التربوي هي: تصور المربي أن هناك عملية تربوية كاملة وبشكل تام وهذا التصور الخاطئ تنبني عليه العديد من الأفعال والممارسات الخاطئة. إذن من أين نشأت هذه الفكرة والمعتقد الخاطئ؟

1. من الفهم الخاطئ للطبيعة البشرية والسنن الكونية: فتصور الكمال للعمل البشري هو فكرة ومعتقد خاطئ فالتقدير البشري ناقص دائماً لاختلاف الأمزجة والعقول والميول والأهواء فكل ابن آدم خطاء وكما قيل: (من ذا الذي ما ساء قط؟ ومن له الحسنى فقط؟) إن المربين و(الوالدين) الذين يتبنون هذا التصور الخاطئ يهيمون خلف المستحيل.

2. الموروثات الاجتماعية الخاطئة: فتجد المربي يتبنى الأفكار الهدامة ومنها (الكمال التربوي) من خلال المجتمع والبيئة المحيطة به ويتعامل معها ويتوارثها كأنها قرآن منزل وقواعد ثابتة.

3. الغيرة والتطلع للغير: وهي من الأسباب القاتلة للعملية التربوية ومن الأسباب الرئيسة في فشل العملية التربوية لدى بعض المربين، وتعتبر من أهم أسباب (الكمال التربوي).

4. الخوف والحرص الزائد: إذ يعد من الأسباب التي تدفع المربي لتبني التصور الخاطئ بالكمال، فالحرص الزائد على الأبناء والخوف المرضي عليهم يرسخ لدى الوالدين فكرة (الكمال التربوي).

على الوالدين والمربين أن يسعوا للنجاح لا للكمال فالنجاح له سبل واضحة وأدوات متوفرة وعوامل ومعايير جلية لذا إليك بعض النصائح والتوصيات:

على الوالدين والمربين أن يسعوا للنجاح لا للكمال فالنجاح له سبل واضحة وأدوات متوفرة وعوامل ومعايير جلية

- صحح فكرك: لابد أن تعي أولا أن (الكمال التربوي) من الأفكار الخاطئة فإن هذا بمثابة حل 50% من المشكلة فتشخيص المرض من وسائل حلها.

- الفروق الفردية وتنوع الإبداع: عليك أن تعي أن الجميع ممن خلقهم الله من البشر لديهم فروق فردية تميز كلاً منهم عن الآخر  فأبناؤنا ليسوا قوالب ونماذج متشابهة وإنما كل واحد منهم له ما يميزه عن الآخر، كما أن للإبداع أشكالاً متنوعة وليست شكلاً واحداً ونوعاً واحداً بل للإبداع مجالات متعددة وأوسع من نظرتنا الضيقة والمحدودة الأفق.

- إذن تفتيش: ابحث في طفلك عن الموهبة واعرف وتعرف معه على قدراته وإمكاناته واعمل بالتعاون معه على استثمارها وتنميتها والاستفادة منها، فأنت لا تحتاج إلى إذن تفتيش في هذا الجانب. فقط تحتاج أن تؤمن بأهمية ذلك.

- أهل الذكر: استعن بالمتخصصين واستشرهم في المجال التربوي واتبع الوسائل العملية التي يرشدونك إليها.

- اصبر واستمر: فالعملية التربوية تحتاج للصبر والمثابرة وعليك بالاستمرار فإن الاستمرار مع التطور يأتي بالنجاح لا محالة .

علينا الوعي بأن العملية التربوية تحتاج منا للجهد والكد والتعب وأهم ما يجب أن نعيه أن تصحيح الأفكار مقدما على تصحيح الأعمال والأفعال فيجب أن نصحح أفكارنا قبل أن نعالج أعمالنا وأن نستعين بالله في كل أفكارنا وأفعالنا وأقوالنا والله الموفق.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب مصري ومستشار اجتماعي وإعلامي .. مهتم بمجال تربية الأبناء

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …