تحدثنا في المقال السابق عن الشباب وأسباب انحرافهم عن طريق الله في ظل وضع دولي وإعلامي متربص بهم بشكل كبير، وحرب إباحية عليهم؛ لتحويل الشباب إلى مسخ، بلا دين ولا عقيدة، بل الاهتمام برذائل الأمور والبعد عن معاليها!
واليوم نتحدث عن الدواء لهذا الداء الذي يحمل آثاراً خبيثة على الشباب في حياته، وحتى بعد مماته، نتيجة فعل المعاصي والانجرار وراء كل ما يلبي حظ نفسه، وأهوائه ورغباته.
إن العلاج يسير على محورين:
- المحور الأول: التأسيس.
إن البيت هو المحضن التربوي الأول، والأب والأم هما حماة هذا المحضن وداعماه بالحنان والأبوة والأمومة الصادقة، لذلك فأول خطوات الوقاية هي التأسيس السليم الذي لابد معه بكامل الاهتمام بالشاب في طفولته، وهذا الأمر هو من أبجديات بناء إنسان صالح، فالتاريخ والواقع يؤكدان ويشددان على أن مرحلة الطفولة هي رمانة ميزان صلاح الفرد أو فساده، وكل الصالحين كانوا أطفالاً، فشباباً، فشيوخاً، لكن أثرهم كبير، وكم من قصص لهؤلاء الكبار تدل على فهم آبائهم لمرحلة الطفولة، وأثرها في تأسيس شاب نافع لدينه ولوطنه.
وعليه، فإن الآباء والأمهات في مرمى السؤال في الدنيا عن تحسين وتقويم طفولة أبنائهم، ومتابعة حياتهم، وصولاً لشباب على خلق ودين، يسعى في تكوين بيت مسلم على خُلق ودين، ثم يقوم ذلك الشاب بنفس الدور مع ابنه، وهكذا يتحول البيت لمجتمع مسلم.
-المحور الثاني: الحوار.
لعلّ أبرز مراحل الانحراف عند الشباب هي مرحلة البلوغ، فيتحول من صبي لرجل يلاحظ التغييرات التي طرأت عليه، فإذا به بعد أن كان يتحدث مع والده يتحدث لصديقه، وهنا الطامة، فيزين له الأمر ويمتدحه وهو يضلّه.
وعليه فإن الوالد معنيّ بالتطرف -وأنا أعني المصطلح- عليه أن يكون متطرفاً في متابعة ابنه مع بدء مرحلة البلوغ، ولا ينتظر أن يحاوره هو، بل يذهب إليه ويصاحبه ويفضفض معه، ويختلق القصص التي تزيل عنه خجله حتى يحدثه بكل أريحية، معلناً تكوين صداقة قوية بين الابن وأبيه الذي فطن حقيقة مرحلته، ومن ثم يوجهه ويصّوب له وينصح بكل حب وود وحرص.
وقناعتي أن هذه العلاقة المستحدثة محببة إلى الشباب جداً، وأيضاً تعيد الوالد لمرحلة الشباب، لكن مع ابنه الذي يحبه وفي انتظاره المثوبة العظيمة والأجر من الله؛ لأنه أحسن رعاية الرعية.
الأمر الثاني في سبل النجاة والعلاج من الانحراف، هو أمور خاصة بالشاب نفسه، وهي كالآتي:
أولاً- ضمير الشاب:
إن الشاب إن لم يجد من يراقبه من الأهل في حياته وتصرفاته، ويقيّم سلوكياته، فإن رقيبه بعد الله هو ضميره، لذلك فتكوين الضمير الذي يصحح مسار أفكار الشاب في خلواته، ويوجهه للصواب أمر هام جداً، ولن يأتي إلا بكثرة الاستغفار والدعاء، وأن يكون الشاب من أصحاب النفوس اللوامة التي تمنعه من الوقوع في الزلل.
إن هذا الضمير ووجوده في حياة الشاب هو شمس مضيئة تحول دونه ودون وقوعه في ظلام المعصية، والتجرأ على الله في خلواته، والانصياع لرغبات الشيطان.
إن هذا الضمير دوره خطير في حياة الشاب، فهو يحقر بداخله المعصية، ويعظم التوبة، ويُعلّي من قيم الفضيلة، ويحقّر من الرذيلة.
ثانياً- القدوة الصالحة:
إن القدوات الصالحة كانت ولا زالت مبعث نور وفخر للأجيال، فالتاريخ خلّدها بحروف من ذهب، فما زال حتى الآن النبي العفيف ابن العفيف يوسف بن يعقوب حلقة في الثبات، وإذا ذكر العفاف ومواجهة الشيطان وإغواء المرأة ذكر سيدنا يوسف عليه السلام.
لذلك على الشاب أن يتحلى بصفات سيدنا يوسف، وليكن يوسف هذا العصر بأضعف الإيمان، وهو الهروب من الفتن ومواضع الشبهات، كذلك فإن اختيار القدوة الصالحة من السابقين والصالحين والصحابة الكرام هي من عوامل الرغبة في التطهر والسير إلى الله عزوجل، حتى لو كنا نسير مرضى وعجزة، لكن أن نسير إليه خير من أن نعرض عنه.
إن القدوة الصالحة تجلّت وتتجلى في فهم الفرد والشاب إحدى خيارين، إما أن يتخذ الصالحين ومسارهم، أو يميل للهو والطرب، فهو إما يطوّر ويتطور في فهمه، ويدرك قيمته، ويصنع ذاته عبر طاعته لربه، فليس هناك أعظم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله، منهم وشاب نشأ في طاعة الله) (رواه الشيخان)، ويقيناً، هذه النشاة لن تتأتى إلا بقدوة صالحة، وأسوة عظيمة، ولنا في النبي الأعظم خير القدوة وأفضل الأسوة.
ثالثاً- مصحفك سر ثباتك:
إن الأجيال المباركة من الآباء والأمهات السابقين ومن لحقهم من مشايخ وعلماء وأصحاب الحقوق كانوا وما زالوا يتحدثون عن القرآن كعاصم من الزلل، فالقرآن هو نور الحياة، فلا بارك الله في شاب أو إنسان تجاهل كتاب ربه، ولسنا أفضل من أمير المومنين عمر رضي الله عنه الذي كان يترك النزاعات والخلافات بين المسلمين، ويذهب ليفتح كتاب ربه، ويقول: "أخشى أن يأتي القرآن ويقول: يارب، إن عمر اتخذني مهجوراً"، وعليه فالسؤال الآن، كيف حال قلبك مع القرآن؟!
إن كل نجاح وثبات وعفة وتفوق في الحياة يجب أن يكون باعثاً من طاعتك لربك، وفي القلب منها القرآن، فقد قيل: إن القرآن هو من يحفظ المرء القارئ له، والحافظ، فهو حماية وصيانة له دنيا وآخرة، ففي الدنيا يحيا قارئ القرآن في جنة الذكر والحب والوصال مع الله، وفي الآخرة يقال له: اقرأ ورتل كما كنت تقرأ في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها.
فاللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك.