الشباب والانحراف الأخلاقي: الأسباب والعلاج (1-2)

الرئيسية » بصائر تربوية » الشباب والانحراف الأخلاقي: الأسباب والعلاج (1-2)
youth17

إن الشباب اليوم يعاني أزمات أخلاقية وفكرية شديدة، وتدور بهم الدوائر على مدار اللحظة، وأنا هنا أتحدث بشكل عام عن واقع الشباب من الجانب الأخلاقي والتربوي في ظل انتشار كل المعينات للمفاسد والانحلال، مصحوباً بتبني البعض استراتيجية الإثارة والإباحية كوسيلة للوصول لهذه الشريحة العمرية في ظل صمت من الدعاة إلا من رحم ربي، وفي نفس الوقت في ظل حرب معلنة على الفضيلة ورجالها، والمنع بين الشباب والقدوات، وإبعاد كل من ينتهج نهج صلاح الوطن، وإصلاح أبنائه عبر تربية الفرد المسلم، والأسرة المسلمة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

وعليه، فإن الجميع اليوم -بداية من الشباب نفسه، ومروراً بالأسرة وصولاً للمجتمع- يواجهوا أسباباً عديدة للانحراف، وهي كالآتي:

أولاً- ضعف التربية الإيمانية:

إن ضعف هذا الأمر أو انعدامه هو خميرة التكوين للانحراف داخل عقل وقلب الشاب، فلا رقيب عليه إلا الله، ومع ذلك فهو متجاوز في حق ربه، فلا يقدره بقدره، بل يجعله أهون الناظرين إليه، ثم البيت نفسه لا رقيب، فالأب مشغول بالإنفاق فقط في مجتمع يعاني من الغلاء، ولاحول ولا قوة إلا بالله، وهذا ليس تبريراً، لكنه واقع، فالكل يدور في طاحونة الحياة، فينشغل الراعي عن رعيته، فتكثر المفاسد، ويفرغ القلب من العقيدة، ويتبعه العقل، فيلبي الجسد كل شهوات الهوى، وعليه فإن تقوية هذه النقطة لابد منها كانطلاقة نحو تصحيح المسار.

ثانياً- وسائل الإعلام:

من أكبر الجرائم في حق الأوطان هي المواد التي تبثها وسائل الإعلام بدون توجيه أو توعية، إلا السعي للإفساد والفساد على المستوى العقلي والسلوكي، ومعلوم ما تبثه الكثير من الفضائيات من فنون نشر الرذيلة، بل هناك أقمار كاملة معنية بهذه الأمور، وتعلن الحرب على الشباب طوال الليل والنهار؛ ليصبح مسخاً بلا هوية أو أخلاق، وذلك لأن المضمون والمحتوى الفكري والثقافي الذي يقدم للشباب -بخاصة البنات- منذ نعومة أظفارهم يؤثر حتماً على بنائهم النفسي، وتكوينهم العاطفي والوجداني، ويمثل لهم أنماطاً سلوكية، ونماذج عملية يقتدون بها، ويحبون التشبه بها في حياتهم العملية.

وفي مجتمعاتنا العربية، نجد كثيراً من البرامج التي تهتم بالأطفال دوماً ما تسأل الأطفال عن سؤال محدد، سواء في إطار البرامج والحلقات، أو في الحياة عموماً، والسؤال هو: "من هو مثلك الأعلى؟"، وغالباً تكون الإجابة: فنان أو لاعب كرة، والفتيات كذلك، تكون القدوة ممثلة أو مغنية، إلا من رحم ربي، وهم الصفوة التربوية الناجية من براثن الإعلام بفضل خبرة الآباء وإخلاصهم لله عزوجل.

وعليه فإن دور كل صاحب رسالة مصلح -سواء إعلامي أو مربٍ خطير- هو ترجيح الكفة نحو صلاح الشباب والفتيات، خصوصاً مع ضخامة تمويل الفساد وبريق الفاسدين وآرائهم التي ينبهر بها الشباب.

ثالثاً- الشعور بعدم القيمة:

إن الشعور بالدونية وعدم الأثر وصولاً بالفشل دراسياً واجتماعياً هو عنصر أساسي في لجوء الشباب لمسالك الفساد والانحراف، ظنّاً منه أنه سيجد في هذا المسلك ذاته، متوهماً بأنه كلما فسدت أخلاقه في مجتمع فاسد فإن هذا سيعوض جوانب النقص عنده، وهذا التفكير ليس وليد الصدفة، بل ترجمة لحالة فشل اجتماعي وغياب للوعي الأسري، وعدم الاهتمام بالشباب في طفولتهم، وقبل كل هذا غياب واضح للفهم السليم للحياة.

إن الكسل في تغيير نمط الحياة من الدونية والاهتمام بها ونقلها من شخصية نشيطة في الإفساد فقط والقبول والرضا بالواقع، والميل للقعود، والرغبة في مواطن السوء، والاكتفاء بوضعه الذي يحياه، كل هذا من مظاهر الدونية المرفوضة، ولعل السبب الجوهري في الشعور بالدونية هي التربية الخاطئة في الصغر، فيغيب الاستيعاب الأبوي، وتنعدم الإحاطة العاطفية، ويظهر الصراخ والقسوة في التعامل مع الطفل، فتكبر بداخله ضعف الثقة والشخصية المهتزة من أقل شيء.

رابعاً- الصحبة السيئة:

قديماً قالوا: "الصاحب ساحب"، فهو إما يأخذ بك للصلاح أو الفساد، فشتان بين صاحب تعرفت عليه في المسجد وحلقات القرآن، وآخر عرفته في حفلات وعلاقات غير سوية، فالمرء على دين خليله.

إن الرفيق السيء هو ذلك الذي يزين لصاحبه المنكر على أنه رجولة، والمعاصي أنها متعة، والانحراف إجمالاً على أنه هو الحياة بجمالها، وينصاع الشاب لنصائح ومدح شيطان الإنس وهو يظن أنه حبيبه، لكنه في الواقع كاره له، فمن أحبك يتمنى لك النجاة، وليس هناك أعظم من النجاة من النار.

إن الشاب الواقع في شهوات الدنيا بفعل تطلعاته واتباع الشيطان -سواء من الجن والإنس- عليه أن يعي أن "الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين"، ولذلك فإن الشباب يفرون لرفقاء السوء بدلاً من أن يفروا منهم لعدة أسباب:

- غياب حامل المسك:
والمقصود هو الصديق الطيب الذي يأمر صاحبه بالمعروف وينهاه عن المنكر، ويتواعدان على المسير إلى الله يلتقيان في بيته يذكّران بعضهما البعض بطاعة الله، فهم متحابون فيه، اجتمعوا عليه، وتفرقوا عليه، فهو في معرفته خير في الدنيا والآخرة.

- غياب الدور الرقابي:
والمعني بهذا الدور هو البيت، فالتوجيهات التربوية للأب والنصائح من الأم، وغياب هذه التوجيهات وتلك الرقابة تعود بالسوء على الابن، ولعل كثيراً جداً من الشباب عندما يشكو حاله ووضعه السيئ تجده يقول لم أجد اهتماماً ولا نصحاً من الوالدين، فالوالد كان مشغولاً بتحصيل الأموال، والأم كانت مشغولة بالإعلام وبرامج الطعام في سخرية رهيبة وعدم استيعاب لدورهم!

- بريق الطريق المكذوب:
لاشك أن البعض يميل للصحبة السيئة والرفيق الفاسد لبريق ما يحمله من ملذات الدنيا الحرام، فالنفس تميل للباطل، والشيطان يوسوس، والصاحب يمجد، ورحم الله القائل: "النفس والشيطان والصاحب والهوى كيف النجاة وكلهم أعدائي"، وعليه، فإنه تمنى الانجرار في هذا البريق بلا قيود أو حمل عاقبة الأفعال.

خامساً- ضعف الدعاة:

إن الدعاة إلى الله هم حملة لواء كل فضيلة، ومحاربو كل رذيلة، وإعلاء القيم وغرسها في المجتمعات، والأخذ بهذه المجتمعات إلى الله عز وجل مهمة عليا لهم، لكنها تحتاج لمهارات خاصة في الداعية، أبرزها إخلاصه لربه، فكلما كان مخلصاً خالصاً في نصحه وحرصه، وصلت رسالته، والتفتت العقول والقلوب عليه، وكلما كان ضعيفاً فلا زاد تربوي أو شرعي، ويأخذ الأمر على أنه وظيفة دعوية فقط، وكلما كان مبتور التأثير والرسالة وبالتبعية تكون المحصلة في تغيير مسار الأفكار أو تصحيح طريق البعض وهدايتهم ضعيفة، لذلك فعلى كل داعية أن يستزيد في كافة العلوم الإنسانية والاجتماعية، فلم يعد مقبولاً أن يعتكف الداعية في صومعة فكرية واحدة بلا مدارسة للعلوم الحياتية والتقنية كي يصل لأكبر شريحة شبابية.

سادساً- تأميم المساجد:

إن المساجد اليوم أصبحت حلقة مفرغة من الروح والإيمانيات، فالطاعات والعبادات تحوّلت بفعل الروتين الإداري وتسيُّد من ليس أهلاً للإمامة –مثلاً- أو إقامة الشعائر بمن ليسوا أهلاً لذلك، فأصبح الجو التعبدي جافاً، سواء قراءة أو تعبداً.

فالمساجد تغلق فور الانتهاء من الصلاة، وكأن بيوت الله ملكية خاصة، لذلك الموظف "المأمور" وهذا التأميم أفضى يقيناً إلى عزوف الكثير من الشباب عن الصلاة فيها، وأصبح البيت مسجداً، ونحن لا نقر هذا، لكن في نفس الوقت إن الجو التعبدي من عوامل الوصال والانجذاب، وإن الشعور بغياب هذه الدور من المنفرات.

ويقيناً، يسعى الطغاة للمزيد من تجفيف منابع الدين عبر تنفير الشباب وسط موجة عاتية من التنكيل بدعاة الإصلاح القادرين على تحبيب الشباب في المسير والسير إلى الله، وتقديم دعاة الجامية والمداخلة، وفتح مساحات الإعلام لهم وحسبنا الله ونعم الوكيل!

ختاماً، هذه بعض أسباب انحراف الشباب، وهي بلا شك قليل من كثير.

والسؤال الآن ماهو العلاج؟ وكيف ينجو الشباب من براثن الانحراف؟

هذا ما سنتناوله في المقال القادم بإذن الله.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وباحث مصري الجنسية، مؤلف عدة كتب فى التربية والتنمية "خرابيش - تربويات غائبة- تنمويات". مهتم بقضية الوعي ونهضة الأمة من خلال التربية.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …